بعد أن ( دفرني )* الأشقاء احتضنتني دولة أو قارة اسمها استراليا. نقلتني حكومة هذه الدولة على نفقتها الخاصة بطيارة من الدولة العربية التي ( دفرتني ) الى واحدة من ولايتها الرائعة الجمال. حينما وصلت الى هذه الولاية وجدت شخصا ينتظرني بالمطار. أخذني هذا الشخص الى شقة مؤثثة من جميع النواحي قال لي أنها شقتك الى أن تجد سكنا يناسبك، إذ سيتم منحك راتبا كل اسبوعين تسدد منه ايجار سكنك الجديد ويسد جميع متطلبات حياتك الأخرى . هذه الدولة تدفع عني مصاريف علاجي وتدفع بدلا عني مصاريف المدرسة وأمور أخرى عديدة لا مجال لذكرها كلها . أما أهم القضايا التي لابد لي من الاشارة اليها فهي أن هذه الدولة عاملتني كانسان وهذه هي المرة الأولى التي شعرت بها وعرفت فيها قيمة الانسان الحقيقية.

وجدت نفسي هذه الأيام، من حيث لا أدري أقوم بتشجيع المنتخبات الاسترالية المشاركة في أولمبياد أثينا، إذ تفاعلت كثيرا مع السباح أيان ثورب وفرحت كثيرا حينما حصل على الميدالية الذهبية وحزنت كثيرا لأن فريق التتابع الاسترالي بالسباحة قد خسر أمام منافسه الأميركي . أيضا وجدت نفسي أشجع منتخب استراليا بكرة القدم في مباراته أمام المنتخب التونسي. يبدو أن مقارنة قد عقدت في دواخلي بين ( الدفرة ) العربية وما قدمته ومازالت تقدمه لي الدولة الاسترالية ويبدو أيضا أن الملح و ( الزاد ) الاسترالي قد ( غزر ) بي لذا قمت بتشجيع المنتخب الاسترالي على حساب الفريق العربي التونسي. شجعت المنتخب الاسترالي لكرة السلة في مباراته المثيرة أمام المنتخب الأميركي بالرغم من أن فريق أميركا هو فريقي المفضل في هذه اللعبة.

كانت الأمور، أي أمور تشجيعي للمنتخبات الاسترالية المشاركة في أولمبياد أثينا تسير بشكل طبيعي الى أن عرفت أن منتخب العراق الأولمبي ، أي منتخب بلدي سيلتقي في الدور الثاني نظيره الاسترالي.

بعد أن حقق منتخبنا الفوز في مباراتيه أمام البرتغال وكوستاريكا وهذا ما أدى الى تأهله للدور الثاني دون النظر الى نتيجة مباراته الثالثة التي كانت أمام المغرب كنت أتمنى أن يتصدر منتخبنا فرق مجموعته ليتمكن من ملاقاة المنتخب الثاني في المجموعة الأخرى ليتحاشى ملاقاة المنتخب الأول في المجموعة وهو منتخب الأرجنتين ، ذلك المنتخب الذي يتمتع بمواصفات فنية تفوق مواصفات منتخبنا الأولمبي وقد حصل ذلك بالرغم من خسارتنا أمام المغرب ، لكنني لم أكن اتوقع أن يكون المنتخب الثاني هو المنتخب الاسترالي.

اذن ستكون مباراة منتخبنا الأولمبي مع نظيره الاسترالي. لم أكن أتمنى ذلك.

لم أسأل نفسي أبدا حول الفريق الذي سأقف معه في هذه المباراة ، إذ وجدت الجوارح والعقل والعواطف كلها تقف مع منتخب العراق الأولمبي ... هل يحتاج الأمر الى التفكير ؟ لا أعتقد ذلك... من المؤكد أنني سأكون بجوارحي وعواطفي وعقلي ودمي مع العراق ... سأدعو الباري عز وجل أن يوفق منتخبنا الأولمبي في هذه المباراة.

نعم أحب استراليا ، لكنه العراق... أهلي وأحبتي وطفولتي ومدارسي وملاعبي وشوارعي وأئمتي وجوامعي وكنائسي ودجلتي وفراتي وقبر أمي وأبي . عذرا استراليا إنه العراق...


* دفرني كلمة مستخدمة باللهجة العراقية تعني ركلني

طارق الحارس

كاتب عراقي مقيم في استراليا

[email protected]