لم يهتز العراق إلا ليلة أو بعض ليلة حين ذبح الملك فيصل الثاني …!
وحين سقط الزعيم قاسم …أضطرب العراق ليلتين ثم هدأ …!
وحين أستشهد الصدر الأول والثاني لم يضطرب بعض العراق إلا ثلاثُ ليالٍ ونهاراتها …!!
وحين هبُ الصدر الثالث فأحرق آبار النفط وأقام حكومةٍ ومحكمة شرعية وتواصل مع دولٍ وأجهزة مخابرات وعصابات دولية وأحزاب إرهابية في الخارج، وشرع بتطبيق سنة جده على مسيحيو وصابئة العراق، وقاوم الحكومة المركزية وسخر منها ورفض الاعتراف بها وأنتهك مقدسات جده إذ خزن بها الأسلحة والمتفجرات والجثث وسرق منها ما سرق من الكنوز ( وسحل ) رجال الشرطة وذبح منهم من ذبح وشوى منهم من كان لائقاً للشواء، وعطل مؤسسات الدولة وأعلن أحكام منع التجول وأشترط على الناس ما تأكل وما تشرب وما تلبس وأخذ ( الخاوات) منهم، وسرّب الصداميون من جنرالات الحرس الجمهوري ( قتلة أبيه ) إلى الكوفة والنجف ليدربوا جند المهدي ( عج ) على الهاونات والثقيل من الأسلحة الحديثة القادمة من الفلوجة وإيران، حين فعل هذا كله وجعل الدولة كلها تضطرب وتقف على ساقٍ واحدة كالتلميذ الخائب إذ يعاقب بالوقوف على قدمٍ واحدة عند السبورة …!
حين فعل هذا جاءته بركات جده عبر جدّه الحي الحاضر الغائب، لتخرجه سالماً غانماً آمناً مطمئناً منزها عن الإثم وبلا خطيئة ….تماماً كما ولدته أمه …!!!
هل فيكم من يفهم هذا …؟
هل فيكم من يصدق أن هذا يمكن أن يحصل ؟
هل يمكن لإنسانٍ كائناً من كان ولو كان سوبرمان أو سيد الجان أو خليل الرحمن، أن ينجو من كل هذه الأفعال ويخرج كما دخلها أول مرة، بلا خطيئة ولا هفوة …!!
سبحان الله…!!
لا بل وهو الممنون … وعقب دلعٍ ودلال وحوارات طوال، وقيلٍ وقال، وتهديدٍ ووعيد بالويل والثبور وسوأ المآل للسيد علاوي ورفاقه الذين خذلونا وما كانوا أبطال …!!
خرج الفتى البهي خروج الأبطال، مزهوا بالنصر على الدولة، واعداً ومطمئناً الأحباب بأنه عائد في القريب، فما هي إلا جولة ومتى تنكرت الدولة لواجباتها تجاه مدينة الثورة ولم ترفع الأنقاض وتعيد بناء النجف المحررة، ولم تمنح رجاله الأوسمة وتضمد جراح الجرحى في منتجعات سويسرا، فإنه عائدٌ بكامل رهطه وجنرالاته الأشاوس …!
الرفيق سميسم والرفيق الخزعلي والطائي والبيضاني والمالكي …!
أما السيد الشيخ فقد اكتفى من الغنيمة بالاطمئنان على سلامة القبة والجدران لمرقد الجليل الذي رحل قبل ألف عام، ولا زال الناس تقبل تراب مرقده الذي داست على مرّ العصور ملايين الأقدام لأفغان وفرسٌ…. وعربان …!
وكأن كل هم العراق والعراقيين والدماء التي سالت والتي ستسيل والخراب الذي حلّ أو موشكٌ على الحلول، قد أختزل في قبةٍ وجدران …!!
عجبي …أيصح هذا …!!
أي عبثٍ هذا الذي يحصل في العراق الجديد …!
وهذا التواطؤ مع المارقين، هل بلغكم أن الديموقراطيات الغربية العظيمة فعلته مع إنشقاقييها …؟
هل سمعتم الألمان يفعلونه مع بادر – ماينهوف أم أن اليابان فعلتها مع الجيش الأحمر أو ربما فعلها الطليان مع الألوية الحمراء أو … فعلها الفرنسيون وهم أكثر الناس ديموقراطية … مع حركة الباسك الانفصالية …!!
لا ….في العراق وحده، وفي ديموقراطية العراق وحدها …!
حقيقة … لا أفهم هذا الذي يحصل في بلدي ولا أستطيع استيعابه …!!
من سيحترم الدولة العراقية غداً …؟
أي مراهقٍ صغير يرسب في صفه ثم يتوجه لمديرية الشرطة بأمل التعيين، فيطرد لسوابقه أو لصغر سنه، يمكن له أن يستعير ( هاون ) أخيه الأكبر فيتوجه إلى أقرب محطة كهرباء ليفجرها بلا أدنى ( وجع ) ضمير …فقد فعلها قبله أخاه الأكبر في جيش المهدي، وها هو آمنٌ في بيته أو ربما يشتغل على خطوط تهريب النفط أو السكراب إلى إيران …!!
لا بل ولن أتعجب غداً …ولا أظنكم ستتعجبون إن سمعتم بأن أحد الأخوة المصريين الناقمين على السيد علاوي، يعبر الحدود السورية ويجد الضيافة الرحبة على طول الطريق، في الفلوجة وسامراء واللطيفية والنجف ثم ينزل على مضيف الأخوة في حزب الله الإيراني في الكحلاء ثم يتوجه إلى آبار بازركان فيفجرها بهاونه الصغير ثم حين يعتقل يأتي السيد ال…. أو السيد …. من الحجج والآيات ليضمه تحت العباءة ويخرجه عبر ممرٍ آمن إلى الحدود السورية ليعود إلى مصر المحروسة آمناً، متباهياً بأنه أنتقم من أعداء صدام بفضلهم ذاتهم أعداء صدام …!
ماذا سيتبقى من مهابة للدولة العراقية يا ترى ؟
من سيحترمها غداً …؟ومن يحمي الناس من ظلم بعضهم إذا كانت الدولة بهذه الهشاشة والرخاوة والميوعة …؟
من سيطمئننا على أرواحنا وأموالنا وعيالنا ومعتقداتنا إذا كان أي إرهابيٍ عاشق مهووسٍ بالشهادة، حراً طليقاً مثقلاً بالسلاح والدعم والمال والعمائم التي تظلله والعباءات التي تلتف حوله لتخفيه عن الأنظار …!!

من يحمي حدود العراق وسمعة العراق وهيبة العراق ومستقبل أجيال العراق، إذا كان أي مغامر يجد من الحرية ما تفيض عن حاجته فتحيله إلى متبطرٍ يأبى إلا أن يأكل اللقمة كلها لوحده وعلى هواه ومتى يشاء وأينما يشاء وبرفقة من يشاء حتى لو كان هذا الرفيق من خارج الأولويات والاعتبارات والمسلمات والهوية العراقية …!!
لا… واللطيف أنهم يطلقون عليه وبكل تهذيبٍ لقب السيد ….!!
ما سمعناه قال عن رئيس وزراء بلده السيد علاوي أو عن وزير داخلية بلده السيد النقيب ولا عن ….!
ولكنهم … المهذبون جداً المتواطئون على العراق جداً …جداً … يسمونه السيد ….!!
لا بل ويبررون أفعاله ويبرئونها حتى، فيقول قائلهم لا ليست تلك من أفعال السيد مقتدى ( رضوان الله عليه ).، طيب هل سمع منكم السيد بعظمة لسانه يستنكر أو يشجب أو ينكر أفعال صبيانه …!
لا أظن … فأنا لم أسمع من كل قنوات العهر العربية التي كان رضوانه يتعامل معها …!!
فمن المجرم إذن … وكيف يكون المجرم سيدا والجرمٌ ثابتٌ لا ريب فيه ولا شك …!!
أذكر حين أعتقل الشهيد الشريف البهي الصدر الأول ( رضوان الله عليه )، أن حكومة البعث آنذاك أطلقت عليه وهو الجليل لقب المجرم الفارسي ( حاشاه من الجرم ومن العمالة للفرس )، رغم إن الرجل كان عراقياً سمحاً ومفكراً عظيماً وما سمعنا منه دعوات طائفية ولا طعنٍ بالهوية الوطنية، ولا ظهر منه أو من أتباعه عملٌ واحد مضاد للسلطة إلى في التنظيم السياسي السلمي حسب …!
وأذكر أن النجف لم تضطرب لاستشهاده إلا ليومين أو ثلاثة …!
فكيف والحفيد أحرق النجف وتسبب في تشريد أهلها وكلف الدولة خسائر مليونية رهيبة …!!
ما هذا النفاق … وهل بمثل هذا يبنى العراق … وتبنى الديموقراطية ويأمن الناس على أموالهم وكراماتهم وأعراضهم في العراق يا أهل الحكم …الديموقراطيون حد العظم …؟
وهل يمكن أن يأمن الكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم من أقوام العراق وعناصر نسيجه، لا بل والعلمانيون والشيوعيون والقوميون والوطنيون الديموقراطيون، على مستقبلهم ومعتقداتهم وقناعاتهم وحصتهم في الدولة والثروة الوطنية، والسيد رضوانه وتياره الطالباني حاضرٌ في الساحة بكل وقاحة …، ومثقلُ بالثقيل من السلاح ومتواصلٌ بشفافية مع أمتداداته الطائفية في إيران ولبنان و…الخ …!
لا … هذا ما لا يمكن أن يفهم بسهولة في هذا الزمن العراقي الأغبر … المثقل بالأشباح والجثث والعمائم والهويات المتداخلة المتشابكة …!
لا …هذا زمنٌ لا أستطيع أن أفك طلاسمه، ولا أظنكم تستطيعون …!!!!