دارفور أزمة جديدة بملابس قديمة تدل على فشل النظام السوداني وافلاسه. ماذا نتوقع من

نظام دولة بوليسية مفلسة أخلاقيا وتتستر بالدين الاسلامي لتغطية عورتها القبيحة.
منذ الاستقلال قبل ما يقارب ال 50 عاما والسودان يدخل ويخرج من ازمات وحروب وانقلابات. حروب مع المسيحيين في الجنوب ونزاعات قبلية من اجل المواشي واماكن الرّعي ومصادر المياه.
دارفور لفترة طويلة كانت مصدر لتزويد الحكومة في الخرطوم بالمجندين. اطراف النزاع في دارفور كلاهما سواء عربي او افريقي الاصل مسلمين. عصابات من المسلحين على ظهر الخيل تصول وتجول بين القرى والبلدان تقتل وتنهب وتغتصب على مرأى ومسمع حكومة الخرطوم الفاشلة.
والآن بدأنا نسمع الاصوات التي توءمن بنظرية الموءامرة ان امريكا تريد الاستيلاء على نفط السودان. لآريح القاريْ من عناء التفكير بهذه النقطة علينا ان نعرف ان انتاج السودان النفطي اليومي بأكمله لا يغطي استهلاك نصف ساعة من احتياجات امريكا. حتى ان نفط العراق المغري من حيث الكمية والنوعية والاحتياط الهائل لا يغري امريكا بالبقاء في العراق وتحاول الخروج بكل وسيلة من مأزق العراق اذا وجدت طريقة تنقذ ماء الوجه. المسألة ان الشعب الامريكي الذي خمسه او واحد من كل 5 اشخاص هو من اصل افريقي يتعاطفوا مع الافارقة الذين يتعرضوا للظلم من قبل عصابات من العرب بدعم وتواطوء الخرطوم. فالحكومة الامريكية مقبلة على انتخابات رئاسية خلال 3 شهور ولا يستطيع المرشحين تجاهل ما يحدث في السودان ليس للبترول السوداني ،بل لا يريدوا مأسة انسانية للافريقيين ويظهروا انهم لا يفعلوا شيئا.
اذا جادل البعض ان هذا نفاق لان امريكا تجاهلت الظلم والبطش الذي يتعرض له الفلسطينيون يوميا على يد اسرائيل، سأوافق مائة في المائة على ذلك وسبب تجاهل امريكا للصوت العربي هو ان الصوت العربي والاسلامي في امريكا ليس له اي مفعول يذكر وارضاء الناخب اليهودي اهم بكثير من ارضاء الناخب العربي.. العرب في امريكا كاخوانهم في الشرق الاوسط منقسمين ومتشرذمين لا يوجد يبنهم تنسيق وتنظيم ولوبيات قوية كما هو الحال في الجاليات اليهودية.
نظام الحكم في السودان ضعيف وديكتاتوري متسلط ويحتكر السلطة ثلاث قبائل تتمركز في منطقة وادي النيل. هذه الحكومة تجمع بين ميزتين وهما ديكتاتورية عسكرية واصولية اسلامية. حكومة منهمكة بايديولوجية دينية لا يوجد لديها الوقت للاهتمام بالاقتصاد وتحسين اوضاع الفقراء والمناطق النائية. الحكومة تركز على امور لا تحل المشاكل الاساسية فهي مشغولة بفرض الدين الاسلامي على غير المسلمين. واحتضان منظمات ارهابية. بريطانيا والولايات المتحدة لا تزال تضغط على السودان ان تنهي النزاع والحرب مع الجنوب التي كلفت اكثر من مليون قتيل خلال 21 عاما الماضية.
الجيش السوداني تم اضعافه في الحرب الاستنزافية مع الجنوب وغير قادر على السيطرة الكاملة في منطقة دارفور فالاهمال على مدى سنوات طويلة اتى بنا الى هذه النقطة حيث طفح الكيل. الامم المتحدة تهدد بالتدخل العسكري ان لم تستطع الحكومة السودانية السيطرة على الاوضاع.
الجامعة العربية بدأت مرحلة الاحتجاج والاستنكار ونشر نظريات الموءامرة لحماية نظام فاسد وفاشل. فلماذا لم تتدخل الجامعة العربية من قبل وتضغط على حكومة السودان بالتدخل لانهاء موجة العنف في دارفور. هذه نفس الجامعة التي اهملت الشأن العراقي حتى جاء الغزو من الخارج.
منطقة دارفور مدججة بالسلاح والحكومة شجعت ذلك على مدى السنين. منذ الاستقلال عام 1956 الحكومات المتعاقبة الضعيفة استعملت ميليشيات قبلية لحفظ الامن. رغم ان السودان دولة بوليسية وديكتاتورية الا ان قبضتها على الاوضاع ضعيفة بسبب المساحة الشاسعة مما يعجز على القوات الحكومية بالسيطرة على الاوضاع. عصابات الجانجويد شكلتها وكالات امنية تعمل تحت اشراف نائب الرئيس علي عثمان محمد طه.
لمعالجة المأساة في دارفور هدد مجلس الآمن بفرض عقوبات على السودان واعطت السودان مهلة لاواخر هذا الشهر. على الامم المتحدة اخذ اجراءات لضمان الآمن في معسكرات اللاجئين وان تضمن وصول المواد الغذائية. اكثر من مليون لاجيء فروا من دارفور و 180 الف ذهبوا الى تشاد المجاورة.
الدول الافريقية وبالاحرى دول الاتحاد الافريقي عليها ان تلعب دورا كبيرا في المحافظة على الآمن.نيجيريا وراوندا ابدت استعدادهما لارسال قوات لدارفور. على الحكومة السودانية ان تشجع المشاركة الافريقية ولا تنتظر حلف الاطلسي او القوات الامريكية. الاشتراك الافريقي وربما العربي سيمنع ايضا انتشار نظريات المواءمرات خاصة التي تقول ان امريكا تريد الاستيلاء على النفط السوداني.
نفط السودان باكمله لمدة عام اي 365 يوم لا يغطي حاجة امريكا لاكثر من 3 او 4 ايام فقط ولا يغطي جزء بسيط من تكلفة ارسال كتيبة من 5000 جندي. لذا التركيز على نظريات سخيفة من هذا النوع لا يخدم السودان ولا ينقذ البوءساء في دارفور. والحكومة السودانية عليها التعاون مع الامم المتحدة ودول الاتحاد الافريقي. واكبر خطأ ترتكبه حكومة السودان هو انتظار الجامعة العربية لانقاذها. هذه الجامعة لم تستطع ان تنقذ العراق ولم تستطع ايجاد حل عربي للعراق.

قبل يومين عقد اجتماع الاتحاد الافريقي في ابوجا عاصمة نيجيريا لاستئناف المحادثات بين الحكومة السودانية والجماعات المتنازعة في دارفور. من المهم السماح للمبادرة الافريقية بالنجاح. الولايات المتحدة وبريطانيا لا يستطيعوا ان يغامروا عسكريا في السودان بسبب انشغالهم في العراق ومن غير المحتمل ان يصدر مجلس الامن قرارا باستعمال القوة. على الحكومة السودانية ان تقبل وتتحمل المسئولية لما يحدث في دارفور.
من الاولويات الان تزويد الطعام والمأوى لهوءلاء اللاجئين الذين يبلغ عددهم المليون والدخول في مفاوضات مع جميع الاطراف بما فيهم الجانجويد لمعالجة مشاكلهم ووضع حد للعنف ووضع ألية للمصالحة الوطنية. اذا ترك الامر لبريطانيا والولايات المتحدة سيتعقد الوضع و يصعب حل المشكلة كما هو الحال في العراق.