أجمل ماجذبني في الشعب اللبناني...ثقافته الواسعة , ومعرفته العميقة. ربما لأن اللبناني أكثر الشعوب العربية سفرا وهجرة بسبب الحرب.مما أكسبه تلك
الثقافة والمعرفة الطبيعية. وبالرغم من أنني لم ألتق مثقفا لبنانيا معروفا أو من يمارس الثقافة كمهنة أو إنتماء , إلا أنني وجدت أن سائق التاكسي , وجرسون المطعم, كل منهما يملك ثقافة واسعة , وفكرا مستنيرا , أكثر مما يملكه بعض من ينتمون الى المثقفين في البلدان العربية الأخرى.

قلت" للشوفير " سائق التاكسي: من يعجبك من الزعماء اللبنانيين سواء كانوا زعماء دولة أو أحزاب؟! قال لي وكأنه مفكر يستجمع أفكاره كي يكتب عبارة فلسفية ( شوف يا أستاذ سالم أنا لا يعجبني من يتاجر بالدم ولا بحرية الناس ). وتحدثت مع جرسون المطعم عن ديكارت وهيقل وأنجلز وبيتهوفن وموزارت وباخ , فوجدته يصحح معلوماتي المتواضعة ويزيدني معرفة لم أبلغها من قبل.
وتذكرت سائق التاكسي في بعض البلدان العربية , الذي يمطرك بوابل من عبارات النفاق والتمجيد النابعة من خوف , عندما يقول لك معتقدا أنك تعمل لمخابرات بلده "يعيش الريس " والله يحفظ " الريس" الى آخر عبارات المديح الكاذبة. وحين يطمئن اليك يلعن أبو الريس!

أملك إيمانا بأن هذا الشعب الذي أعاد بناء ذاته المحطمة بعد عشرين سنة من الحروب والاقتتال الذي فرض عليه قادر على المضي في طريقه نحوترسيخ قيمه الحضارية التي استعادها رغم أنوف المتآمرين والمخربين , بشرط أن يكون قد وعي الدرس الأهم: أن الطائفية كانت الوسيلة الوحيدة التي استخدمها الأعداء والمتآمرون لزجه في حروب عديدة كلفته الكثير من المال والناس والوقت. وعلى هذا الشعب أن يتجاوز طائفيته كي يتوحد من أجل بناء مستقبل لبلد يملك كل مقومات الحضارة , وهو شعب يملك أرضا جميلة قادرة أن تلهمه التوحد بين مختلف فئاته المتنوعة , مثلما توحد البحر مع الجبل ليصنعا من لبنان أرضا لاتقبل الهزيمة.
ومثلما توحد صوت فيروز ولحن الرحابنة ليعزفا أعظم سيمفونية عربية , ومثلما اتفق إبداع جبران ونعيمة على أن الأرض الكريمة والجميلة لا تعقم أبدا!!

[email protected]