إلى حد الآن لم يقع التعمق بجدية في بحث أسباب الإرهاب، بل اكتفى الناس بالحديث عن محاربته. كما تهرّبت الأنظمة، و خاصة الدكتاتورية، من تعريفه بدقة، تهربا من دعم حقوق الشعوب في الحرية و الانعتاق و الاستقلال. و استغل كل فريق سياسي موضوع الإرهاب لفائدته محاولا فقط تبرير وجهة نظره رغم أنها قد تتعارض مع الحقائق الواقعية. فهناك من عزا الإرهاب إلى أسباب حضارية تاريخية كاحتلال فلسطين، و هناك من عزاه إلى غياب الديمقراطية في البلدان الإسلامية، و هناك من عزاه إلى التعليم الديني الأصولي و مناهجه و إلى عدم تطبيق العلمانية، كما هناك من يرى في الفقر و الخصاصة سببا للإرهاب الخ...لكننا فيما يلي سنهتم بمسألة غياب حرية المرأة في العالم العربي و إن كان لها دور في نشأة الإرهاب أم لا.
في الآونة الأخيرة، عمد بعض الكتاب و المفكرين، و من داخل الوطن العربي و من خارجه، إلى استغلال الحرب المفتوحة على الإرهاب و الحملة المفتعلة ضد الإسلام للزج بقضية المرأة في صلب الموضوع، فجعلوا من غياب حرية المرأة في العالمين العربي و الإسلامي سببا رئيسيا في نشوء و ترعرع الإرهاب. فعاد الجدل العقيم حول الإسلام و المرأة ليطفو على السطح من جديد.
نحن أمام رأين متناقضين، فالبعض يعتقد أن غياب حرية المرأة يؤجج الإرهاب، فهو يؤدي مثلا إلى كبت الشباب و إلى انعدام الحوار في البيت و إلى تعزيز السلطة الدكتاتورية للأب التي تؤدي إلى دكتاتورية الدولة الخ...و هؤلاء يستشهدون بالمجتمع الغربي الذي تشارك فيه المرأة الرجل في كل شيء، وهو ما منع بروز الإرهاب في نظرهم. أما الرأي الثاني فهو يرى أن حرّية المرأة التي لا تراعي الخصوصيات الثقافية و الحضارية للمسلمين و التي لا تنبع من إرادتهم، و قد ينطبق هذا القول على الديمقراطية أيضا، يمكن أن تكون سببا في تنمية التطرف و نشوء الإرهاب، لأنّها سوف تُعتبر استجابة من الحاكم المسلم لمطالب خارجية غريبة عن حضارتنا، و تنازلا عن مبادئ دينية أساسية، سواء استعملت ضغوط على ذلك الحاكم أو لا. إن فرض النموذج الغربي في البلدان الإسلامية سيجعل الشباب ممزق الهوية و الفكر، و قد يدفعه ذلك إلى اليأس من إمكانية إصلاح شؤون بلده، فيقوم بعمليات إرهابية لا تستثني المدنيين، طالما هو يعتقد انه يخدم دينه بذلك.
و فيما يلي بعض الأدلة التي تنفي وجود علاقة سببية بين وضعية المرأة في المجتمعات العربية و ظاهرة الإرهاب الأخيرة:
1-لم يكن للمرأة أي دور في أحداث الحادي عشر من سبتمبر و لا في تفجيرات مدريد و الرياض و غيرها.... بل كانت المرأة العربية في فلسطين تعطي أسمى دروس النضال، مجاهدة بنفسها و بمالها من اجل تخليص أرضها و أرض أجدادها من براثن الاحتلال الصهيوني. تكرر ذلك أيضا أثناء فترة تحرر الشعوب العربية من الاستعمار الأوروبي. و لم يكن ذلك النضال حكرا على النساء المنتميات لحركات إسلامية.
2-إن قائدو طائرات الحادي عشر من سبتمبر ينتمون إلى دول عربية تعتبر متقدمة في ما يخص أوضاع المرأة بالمقارنة مع الدول الأخرى كمصر و لبنان. كما كان بعضهم من الطبقة البرجوازية في بلده، و هذا ينفي نظرية وقوف الفقر و الحرمان وراء الإرهاب، فالفقر يساعد فقط على ذلك بتوفير شباب سهل الإغواء عن طريق المال، لكنه ليس سببا مباشرا مستقلا، و إلا لكانت الهند أو التشاد أو بوتسوانا أكثر دول العالم إنتاجا للإرهاب. كما أن بن لادن و الظواهري و العديد من رفاقهما ليسوا فقراء. و كذلك ليس للتعليم و لمناهجه دور واضح في نشوء الإرهاب، فمثلا قائدو الطائرات الانتحارية و كذلك الذين قاموا بتفجيرات مدريد كانوا تلقوا تعليما غربيا رفيعا و لائكيا. و لم يكن بينهم أزهري أو طالباني.

إن فقدان الحجة على وجود دور لغياب حرية المرأة في نشأة الإرهاب، كما سبق ذكره، يبرز أن الهدف الحقيقي من إثارة تلك القضايا إنما هو تصفية حسابات مع الدين الإسلامي، ومحاولة تغييره قدر المستطاع لجعله مسايرا لما يريده الغرب المسيحي أو اللاديني.
لا أحد يستطيع إنكار وجود تجاوزات فردية أو جماعية في حقّ المرأة العربية و المسلمة، لكن ذلك لم يكن يوما ما حصرا على المسلمين دون غيرهم، بل هو متفش لدى جميع شعوب العالم بدرجات متفاوتة. و قد كان الأمر كذلك على مرّ العصور. لهذا لا زال الحكم على وضعية المرأة خاضعا دوما للنسبيّة، و مرتبطا بصفة خاصة بمعيار الحكم نفسه. هناك الآن من أصبح يتحدث عن وجود مواصفات إنسانية أو عالمية لحقوق المرأة، وهو في الحقيقة يتحد ث عن مواصفات غربية لم تأخذ بمبادئ مليار مسلم و مليار صيني و مليار هندي الخ... و أخذت فقط بمبادئ أقلّ من مليار غربي، و ربما اقل من ذلك بكثير، إذ لا يزال الغربيون أنفسهم مختلفين حول العديد من القضايا البسيطة كالزواج و الإجهاض الخ... و في الغرب نفسه لم يدّع أحد أنّ المرأة بلغت لديهم منتهى الحرية، أو حصلت على مساواة مع الرجل بنسبة خمسين في المائة في جميع مجالات الحياة، و هو ما يبدو غير ممكن واقعيا. و على سبيل المثال، تمنع المرأة في الولايات المتحدة من قيادة الطائرات. بل إن نسبة 25 بالمائة من تواجد النساء في المجالس التشريعية، و التي تُفرض الآن على المسلمين، كما في العراق أو أفغانستان أخيرا، هي غير موجودة حتّى في الكونغرس الأميركي. فهل تملك المرأة العراقية أو الأفغانية أكثر مواهب سياسية من المرأة الأمريكية؟ نتمنى ذلك. تاريخيا، لو اطلعنا على حال المرأة إبان الحضارتين اليونانية و الرومانية، و هما جذور الحضارة الغربية السائدة الآن، لوجدنا حقائق عن المرأة تقشعر منها الأبدان، و يكفي القول أنها كانت تعتبر عندهم شيطانا.
إن الدين الإسلامي، شأنه شأن الأديان الأخرى، لا يقبل بالظلم أيا كان مصدره و المتضرر منه، رجلا أو امرأة. و هو يحمّل الظالم جزاء ظلمه في الدنيا و الآخرة. و لكن، عندما يكون الاستبداد مسلطا على المجتمع كله، كحال مجتمعاتنا العربية، تكون المرأة ضحيته الأولى لأنها ستتلقى ظلما مزدوجا، من المجتمع بصفتها مواطنة، و من الرجل بصفتها زوجة أو ابنة. و كما يؤكد ذلك علماء النفس فإن المعاملة التي يتلقاها الرجل في مجتمعه و في عمله تنعكس على حالته النفسية أولا ثم على علاقاته الأسرية و خاصة مع زوجته و أولاده.
إن الغرب الذي يختلف عنا حضاريا و دينيا و تراثيا، يريد منا أن نتبع خطاه و أن نقلده في أسلوب عيشه من الناحية الاستهلاكية، لكنه يسعى للحفاظ على المسافات التكنولوجية و العلمية التي بيننا و بينه، فهو يحددها بنفسه لكي لا نستطيع اللحاق به، و كدليل على ذلك، وجود العديد من الاختصاصات العلمية في الجامعات الغربية محرمة على طلبة العالم الثالث. انه لا يسمح ينشر علم إلا بعد أن يتأكد من أنه قد أوشك على فقدان الصلاحية، فيصبح كالطعام الفاسد و المتسمّم الذي انتهت مدة صلاحيته.
المبروك بن عبد العزيز
[email protected]