مرة اخرى تؤكد( قناة فضائية عربية) على كونها اداة لنشر الوعي المشوه، الذي هو خليط من انصاف الحقائق ومقلوبها، وذلك من خلال استعراضها لأحداث العام الماضي ومحاولة قراءة ملامح العام الجديد بطرائق المنجمين الدجالين لا بطرائق المحللين الموضوعيين. وقد لفت انتباهي اصرار احد (المنجمين)، الذي استضافته القناة تحت عنوان (محلل سياسي)، على كون عام 2005 هوبالنسبة للعرب عام (حصاد) مرّ لما (بذر)الأعداء من اعمال معادية للأمتين العربية والأسلامية في عام 2004.ومعنى هذا الكلام هو ان( بذور) خيبات العام الماضي ستثمر خيبات اكبر هذا العام في فلسطين او في العراق ولاامل يلوح في الأفق، وليس امامنا الا حصاد هذه الخيبات. وفيما يخص العراق فأن (الأحتلال )،حسب هؤلاء المنجمين، باق( الا اذا اخرجه تحالف السبعاوي مع الزرقاوي) وان العنف سيتصاعد في العراق ( مازال البعث خارج السلطة) وأن كل شيء كان اسودا في العام المنصرم وسيزداد سوادا هذا العام( لحين عودة البعث للسلطة في العراق). وخطورة هذا القول، ككل نهج هذه القناة الفضائية،يكمن في محاولة اخفاء النصف الآخر، والمهم، من الحقيقة.فعام 2005،ككل عام جديد،هو عام( أبذار) ونضال وتأسيس لملفات سياسية جديدة تتطلبها الحياة، كما هو عام (حصاد) لملفات سياسية سابقة اذا آن وقت حصادها،وهو في النهاية ليس حاجزا كونكريتيا يفصل بين (الموسمين) المزعومين للأبذار والحصاد السياسيين، وذلك لأن عملية (الأبذار) السياسي في اي بلد تسير بموازاة عمليات (الحصاد) السياسي وتكون متشابكة معه،وان كل عملية (حصاد) سياسي هي بدورها عملية (ابذار) جديدة تؤسس، او تحاول ان تؤسس، لوضع جديد. فطرح ملفات سياسية وطنية جديدة ليس معزولا عن الملفات السياسية المطروحة سابقا ( في نفس العام او في اعوام مضت) كما ان عدم انجاز ملف سياسي قديم لايعني بالضرورة عدم طرح ملفات جديدة، ولاشك ان اي انجاز سياسي جديد سيمهد الطريق امام طرح ملفات سياسية جديدة، وهكذا تكون عناصر العملية السياسية في اي بلد متواصلة ومتشابكة ومتطورة كتواصل وتشابك وتطور عناصر الحياة. ومن الواضح ان اغفال الحديث عن عمليات (الأبذار) السياسي في منطقتنا العربية ( والتي هي نضالنا متعدد الجوانب والأشكال من اجل غد افضل) تهدف الى اطفاء اي بارقة امل لدى الشعوب العربية من خلال تصوير ابناء يعرب وباقي المسلمين كضحايا مسلوبي الأرادة ومستسلمين وعاجزين عن مواجهة (المؤامرة الأمبريالية الصهيونية) التي زرعت( بذورها)، حسب ادعائهم، في الاعوام الماضية وسنحصد ثمارها خيبات عربية في هذا العام. وهذا التيئيس المتعمد، الذي يلغي دور الشعوب في تغيير مسار التأريخ لصالحها، يهدف الى تشجيع الأرهاب والتطرف ( في عالمنا العربي) الذي هو في احد وجوهه شكل من اشكال اليأس والقنوط.

لنأخذ العراق كمثل على خطأ مقولة ان عام 2005 هو عام (حصاد) سياسي اسود.

في عراق 2005 سيكون من اهم ( المحاصيل) السياسية التي سيحين قطافها:

اولا: فشل تحالف البعثيين الأرهابي مع بعض السلفيين التكفيريين في ايقاف مسيرة الشعب العراقي. فكل العبوات المتفجرة التي (زرعوها) في طريق المسيرة الديمقراطية في العام الماضي فشلت في ثني العراقيين عن مواصلة السير على درب الحرية، ومع كل عبوة ناسفة تستهدف الشرطة والحرس الوطني العراقيين تتقدم جحافل اخرى من العراقيين للتطوع تحديا للبعث وحلفائه،( فحصاد) الأرهاب والموت والتخويف البعثي هو: تحدي العراقيين لهذا الأرهاب ومواصلة المسيرالى امام.وهذا الحصاد (التحدّي) ستزرع بذوره في عام 2005 لتنبت لنا (شجيرة) الديمقراطية التي ستتكالب عليها، بالضرورة، ضواري اعداء العراق، ولكنها وبسبب استعداد (التربة العراقية) لأحتضان هذه الشجرة وتصميم ابناء العراق على اعادة بناء دولتهم على اسس ديمقراطية، ومعاضدة المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، ستنمو، هذه الشجيرة، شبرا شبرا الى ان يقوى عودها وتعطي ثمارها التي بدورها ستنبت في ارض العراق،في الزمن القادم، لتعطي، في المستقبل المنظور، شجيرات ديمقراطية اكثر صلابة واحسن نوعية. وهكذا سيتحول حصاد كل عملية سياسية في العراق الى عملية (ابذار) جديدة تعطي (محصولا) افضلا.

هذا ماحصدناه وما سنحصده في المستقبل القريب. اما ماحصده الأرهابيون فهو لعنة ونقمة العراقيين وعزلة خانقة وفشل ذريع في ايقاف مسيرة التقدم في العراق. وطبعا سيواصل التحالف البعثي السلفي في عام 2005 نهج ايذاء العراقيين وربما سيحرّك بعض الخلايا البعثية النائمة في جنوب ووسط العراق ليوهم الرأي العام بأنتشار المقاومة في كل انحاء العراق ولكن في نهاية الأمر سيندحر البعثيون وحلفاؤهم لعدة اسباب موضوعية في مقدمتها استماتة الشعب العراقي في مقاومة احتمالات عودة البعث للسلطة ثالثة، واصرار الولايات المتحدة على عدم الأنسحاب من العراق الا بعد استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية،وهذ يعني عدم تمكن البعثيين وحلفائهم من الأنفراد بالشعب العراقي. فالأرهاب في العراق محكوم عليه بالفشل(لعدم صلاحية تربة العراق لانبات هذه الطفيليات الأرهابية ) ولتعارض اهدافه مع اهداف الشعب العراقي. فلا الزمن ولارغبات العراقيين تعمل لصالح القوى الأرهابية.كما ان عام 2005 يسشهد تقلص الدعم السوري والأيراني للأرهابين في العراق بسبب الضغوط الأمريكية الواسعة التي ستسلط على هاتين الدولتين التين افتضح امر دعمهما للأرهابين في العراق. فالذين يراهنون، او يشجعون المراهنة، على (حمار) البعثيين والسلفيين سيكون نصيبهم الفشل الذريع ولن تنفعهم تطمينات مهندسي الهزائم العربية الموجعة ومنجمي قنوات السوء الفضائية.

ثانيا: تمتع اغلب مناطق العراق خلال عام 2004 (بحصاد) التحرير الذي هو استقرار امني وسياسي واقتصادي ملحوظ،بالرغم من قلاقل التيار الصدري التي ولدت ميتة. فضلا عن الأستقرار النفسي لسكان هذه المناطق وغياب مشاعر الخوف والرعب الذي كان يتحول الى كوابيس تطارد العراقيين حتى بعد نجاحهم بالهرب من الجحيم الصدامي الى خارج العراق، فلا اجهزة امنية وحشية تطارد العراقيين وتحصي عليهم كل شيء، ولا ( الرفاق) يجوبون الشوارع لألقاء القبض على المواطنين وسوقهم لمعسكرات التدريب ثم اخبارهم انهم متطوعون في ( جيش القدس)، ولاطبول ( القادسية وام المعارك والحواسم) تنصب لهم شراك الموت المجاني، انه استقرار نفسي لايعرف قيمته الأ من اكتوى بنار الأرهاب الصدامي طيلة حكم البعث. ان هذا الأستقراربكل انواعه سيتعزز في عام 2005،وليس ثمة مؤشرات تشير الى عكس ذلك، عدا احتمالات قيام الخلايا البعثية النائمة ببعض العمليات الأرهابية هنا وهناك وهو احتمال ضعيف وغير مؤثربسبب العداء الشعبي الكبير للبعثيين في هذه المناطق التي تتمتع بالأستقرار الأن. ان هذا الجانب المشرق في عراق مابعد صدام تتجاهله قنوات السوء الفضائية العربية التي تحاول ان توهم الرأي العام العربي ان العراق هو ناحية تكريت وقضاء الفلوجة فقط.

ثالثا: شهد عام 2004 انجازمكاسب اقتصادية مهمة منها تضاعف دخل الفرد العراقي من 10 الى 30مرة حيث اصبح معدل الدخل السنوي للفرد العراقي 8316 دولاراعام 2004 مقابل 5280 دولارا في عام 2003 و720 دولارا قبل تحرير العراق، كما ان نسبة نمو الناتج المحلي في عام 2004 تجاوزت نسبة 60% وتواصل تدفق الأنتاج النفطي رغم العمليات الأرهابية التي استهدفت الابار النفطية وأنابيب نقل النفط، وتحسنت قيمة صرف الدينار العراقي بنسبة 27%. كما لايمكن اغفال اهمية اسقاط ديون العراق الكبيرة بنسبة تراوحت بين80 % الى 90%. وسيشهد عام 2005 مزيدا من الأنجازات الأقتصادية خاصة اذا انبثقت حكمومة جديدة بعد الأنتخابات لاتهادن البعثيين وتبعدهم عن المراكز الحساسة مما سيساعد على تقلّص نشاط حزب البعث الأرهابي، واذا نجحت الحكومة الجديدة في استئصال شأفة الأرهاب البعثي والسلفي ستتحقق انجازات اقتصادية باهرة على صعيد نمو الأقتصاد وعلى صعيد المباشرة بعمليات الأعمار التي ستساهم بشكل هائل في القضاء على البطالة وتوابعها.

رابعا: حقق العراق في عام 2004 انجازات كبيرة في مجال اشاعة الحريات بانواعها فتكاثرت الصحف وتنوعت الوانها واتجاهاتها، وتعددت وتنوعت قنوات البث الأذاعي والتلفزيوني واسست مختلف الأحزاب والجمعيات والنقابات والحركات بشكل لم يشهده اي بلد عربي آخر، وتمتع الشعب العراقي لأول مرة بحق الأضراب والتظاهر والأحتجاج السلمي، ورغم فرض حالة الطواريء الا ان هذه المنجزات لم تمس بصورة عامة،كما لايجوز اغفال المنجز الكبير الذي حققته المرأة العراقية من خلال تفعيل مشاركتها السياسية وجعل نسبة مشاركتها في القوائم الأنتخابية لاتقل عن 25%. لاشك ان النساء العربيات يحسدن اخواتهن العراقيات على هذا المنجز الكبيرالذي تضاف اليه منجزات نسوية اخرى لاتقل اهمية مثل اقامة جمعيات واتحادات نسوية حرة ومستقلة.

ان المنجزات التي حققها الشعب العراقي بعد تحرره من نظام البعث، رغم انها لاتلبي حاجة الشعب العراقي الذي خرج توا من اتون محرقة البعث، الا انها تظل منجزات كبيرة لايستطيع الارهاب واصوات العبوات الناسفة اخفاءها، بل ان اهميتها تكمن كونها ولدت كتحديا للارهاب والأرهابيين.

واذا كان عاما 2003 و 2004 هما عامي بداية (مولد الأمل) العراقي ببناء دولة عصرية ديمقراطية،فان عام 2005 هو عام (بلوغ الأمل) العراقي مبلغ الرجال بما سيمكنه من خوض صراع عنيد ضد تحديات كبرى منها اجراء الأنتخابات وكتابة الدستور الدائم واجتثاث جذور الأرهاب البعثي والمباشرة باعمار ماهدمه البعثيون، وهي مهام تنفيذها ليس بالمستحيل في ضل اصرار الشعب العراقي على تحدي كل الصعاب.أن املا ترقبه ملايين العيون العراقية وتهفو اليه اغلب افئدة العراقيين وتحرسه ارادات الرجال والنساء لابد ان يصير واقعا ملموسا رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين.وكما قال الشاعر ابو القاسم الشابي

اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر

[email protected]