مما لا شك فيه أن النفط جلب فوائد كبيرة للدول العربية المنتجة وساهم في بناء مجتمعات مثقفة وحركة عمران راقية وخلق وظائف للناس وايضا أدى الى استيراد اعداد كبيرة من العمالة الوافدة لملء الشواغر. و أعطى النفط للدول العربية صوتا في المسارح العالمية ودورا هاما في الاقتصاد العالمي. بالامكان القول أنه رغم اخطاء في السبعينات الا ان الدول العربية المنتجة للنفط تداركت الوضع وقامت بخطوات ايجابية بدأنا نلاحظ نتائجها المثمرة على الارض في السنوات الاخيرة.

ولكن النموذج العربي فات افريقيا حيث أهملت البنية التحتية واهملت الخدمات الاجتماعية حتى أن الدول المنتجة وغير المنتجة للنفط تعيش بحالة بؤس متساوية.

لنقرأ معا الفقرة التالية من مجلة تتخصص بالاقتصاد النفطي :

"لصّ في منطقة الديلتا النيجيرية يستعمل منشار لقطع الحديد ويباشر بنشر خط انابيب نفطي قطره 30 انش وسمكه انش ونصف. هدفه قد يكون متواضعا يريد ان يسرق قطع الحديد الخردة او يسرق نفطا مباشرة من الانبوب ليستفيد بضعة دولارات بائسة او انه مخرّب له اجندة خاصة مثل نظراء له مخرّبين يعملوا في العراق، واذا كان مخربا فأغلب الظن انه من اتباع رجل اكثر رحمة من الزرقاوي اسمه" حاجي مجاهد دبوكو-عصاري" وهو قائد عصيان مسلح في منطقة الديلتا الغنية بالنفط. وهذا الرجل والعصابات التابعة له يريد جزأ من الكعكة النفطية. هذه التفاصيل قد لا تهم الناس ولكن افعال هؤلاء عندما تصبح خبرا تؤدي الى رفع الأسعار في الاسواق العالمية. "

حتى ألان لحسن الحظ لم نسمع بقطع الرؤوس في نيجيريا. ولو كان هناك عدالة وشعور بالمسؤولية من قبل الحكومة لما كان هناك حاجة للعصيان او تخريب الانابيب.

قبل عام او عامين ظهرت اصوات من خبراء غربيين وعرب تقول أن العراق بالاضافة الى التخلص من ديكتاتور ظالم وغبي جلب الويلات لشعبه على مدى 35 عاما، سوف يضمن العالم مصدر مستقر وثابت للنفط والاسعار ستنزل والسعادة والديمقراطية ستنتشر. حتى هذه اللحظة المخربون والارهابيون والمقاومون ، سميهم ما شئت، عطّلوا هذا المشروع على الاقل مؤقتا،. تقول مجلة النيوزويك الامريكية مؤخرا ان الرئيس بوش يريد تقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط من الشرق الاوسط. والسيناريو كان جميلا نظريا وابتدأوا بالعراق لان النظام العراقي يهدد امن العالم والولايات المتحدة وجيران العراق. وسيتدفق النفط على العالم وتنزل الاسعار. ولكن حتى هذه اللحظة الذي رأيناه هو العكس. مشاكل في الامدادات النفطية وارتفاع هائل في الاسعار.. وتستمرأعمال التخريب واستهداف المنشأت النفطية في العراق وحسب تصريحات وزير الطاقة ثامر الغضبان تبلغ تكاليف التخريب والدمار 8 مليارات دولار.

المحللون النفطيون يعزوا ارتفاع الاسعار لاسباب عديدةا : مخاوف أمنية في البلدان المنتجة،أعاصير في خليج المكسيك وأعمال التخريب في نيجيريا، وتدخل حكومة بوتين في امور شركة يوكوس لاسباب سياسية، التوتر والفوضى في فنزويلا واستمرار اعمال التخريب والقتل والارهاب في العراق. وتزامنت هذه الظروف مع ازدياد في الطلب من الصين وفصل الشتاء القارص حيث الطلب على وقود التدفئة يزداد بشكل هائل خاصة في الجزء الشمالي من الولايات المتحدة، كندا واوروبا ومناطق سيبيريا. وكذلك حب الشعب الامريكي للسيارات الفاهية التي تشرب الغازولين كما نشرب الماء. ولكن اهم سبب هو الوضع العراقي الذي خلق حالة ذعر في الاسواق وفقد العالم 2.5 مليون برميل ورغم ان هناك انتاجا في العراق ونحيي هؤلاء الذين يجازفوا بحياتهم للذهاب الى مراكز عملهم، ولكن لان الاعمال التخريبية لم تتوقف لا يستطيع السوق النفطي ان يعتمد على العراق كمصدر نفطي مضمون. والاعتقاد السابق ان النفط العراقي سيمول عملية الغ واعادة بناء العراق كان متفائلا جدا. بعض الخبراء في العراق يقدروا الخسارة النفطية بسبب اعمال التخريب تصل الى 7 ملايين دولار يوميا.

وفي روسيا استعمل بوتين الدخل الاضافي من النفط لتقوية قبضته على السلطة، وكذلك زيادة الرواتب وعدم زيادة الضرائب. واستطاع ان يدمر المعارضة، وهذه القوة الاقتصادية جعلت من بوتين شخصية مقبولة لدي بوش وبلير ويجب التعامل معه ورأينا كيف استطاع بوتين لاسباب سياسية أن يدمر يوكوس ويمزقها ويسجن مدراءها.

الاستنتاج ان النفط سلاح ذو حدين. اذا اسيء استعماله سيأتي بالضرر كما هو الحال في نيجيريا او بافقار الشعب بسبب غباء الحاكم كما هو في ليبيا. واذا استعمل بحكمة سيأتي بالفوائد والرخاء كما هو الحال في الخليج العربي والسعودية.
وتحذير آخير رغم فوائد النفط لا ينصح بشربه او الاستحمام به. وكل عام وانتم بخير.

نهاد اسماعيل - لندن