وصلتني للتو رسالة عتب من أحد الأصدقاء،كتبها بألم شديد لأنه ظنّ أني كنت أتهكم من إنسان بذكر السوء، وهو يرى إن في عنوان مقالتي السابقة" الانتخابات قادمة يا بن حرمة".. تهكم يفهم منه قصدي القول عن "حرمة"بمعنى المرأة، عجبت من تصور بعض القراء أن يكون لي موقف مثل ما اتهمت به، كيف يكون وأنا التي أفنت عمرها مظلومة ومدافعة عن المرأة، التي اعتبرتها منذ أكثر من 25 عاما قضية الإنسان، أكثر من كونها قضية للمرأة وحدها، لأكتب مئات المقالات عن المرأة الإنسان بأقصى ما يلامس روحي من عمق ودلالات لا تحدها لغة ولا زمن ولا مكان، أو دين أو عرق أو هوية كان، الإنسان.. المرأة هو حجتي وغايتي لأن الجنة تحت أقدامها كأم والقلوب في يدها كحبيبة.
اعجب كيف أن البعض يتربص بنا وينتظر غلطة يتوهمها ليبني عليها موقفا؟ اعجب من أن البعض لا يفكر بالناس إلا بشكل سلبي وأنا التي ما استخدمت الشتيمة والسباب على مدى سنوات من الكتابة، واجزم أن من يبحث بما كتبت سوف لن يجد كلمة واحدة بكتاباتي ابتعدت عن اللياقة والذوق، مع الأسف أن بعضا منا نحن أبناء العراق لم يساورهم أدنى شك بأنهم يظلمون، أن الرجل اسمه عبد السلام بن حرمة، فما ذنبي أنا إن أسموه أهله هكذا؟ وهل يعيب علي أحد أن قلت:
الانتخابات قادمة يا بن لادن رغم زعيقك ومحاولاتك تخريب العراق نهارا وجهارا أمام عيون كل العرب؟
كان من الأجدى بالقراء الذين ظنوا سوءا بي لقراءة العنوان فقط أن يكملوا المقال ويعرفوا اسم الرجل الذي يقف ضدهم وضد وطنهم جيدا، وان يعرفوا كيف يردون عليه ويقفوا إلى جانب ابنة بلادهم التي تقف اليوم لتعري كل المتربصين بالعراق، لكن للأسف كان هاجس الاختلاف والوهم والشك والنظر بعين الريبة هو الغالب عند بعض قراءنا ومتلقي مقالاتنا، اعرف أن هذا يسبب بعض الأحيان الإحباط، لكنني سوف لن احبط مهما كان تفكيرهم بالمرأة دونيا ومهما كان توقع صدور الخطأ مني اقرب.
ولست أجدني أقول عن المرأة أية كانت( حرمة) لعلمي إنها عظيمة الوقع على النفس الإنسانية، لسوء استخدامها وتحريفها عن ما أرادته اللغة، فلغتنا العربية قد أعطت كل ذي حق حقه بالتعريف والتمييز، فالحرمة في معاجم اللغة ما حرِّم فلا ينتهك، مثلما يقول بن منظور في لسان العرب ليضيف أن حريم الدار ما دخل في الدار مما يغلق عليه بابُها.
وحريمُ المسجد، أي الموْضع المحيط به/ حريمُ البئر هو ما حولها من مرافقها وحقوقها. نساءُ الرجل/ دار الحريم، هي قسم مِن الدّار أو القصر تسكن فيه النساء. ومكان حريم أي يحرّم الدخول أليه، وهنا لي أن اذكر ما آلت أليه هذه التسمية من رعب مع وصول الدولة العثمانية التي جعلت من مفهوم الحريم ومسماه سجنا رهيبا يتحكم فيه السلطان بمجاميع من نساء يغلق عليهن بوابات قصر مجاور ولا يسمح لهن بالاختلاط بتاتا بل أن الاقتراب حرم والمكان محرم وهن حريم على غيره. منتهكا بذلك حقهن العام والخاص كبشر.
لقد كان للانتهاك الخطير لحقوق الإنسان والمرأة تحديدا في ذلك الزمن ردود فعل خطيرة في بنية المجتمع التركي ولعل هذه الردود في الفعل قد وصلت إلى تأثيرات في نظرة الإنسان إلى الدين وحتى التعامل الحياتي معه إضافة إلى تأميم الدين وفق حضارة قومية بعيدة عن التصحّر والتعاملات اللاحضارية مع المرأة. لقد كان لتراكمات الواقع الحريمي المرير في الوعي الإنساني في هذا البلد ردة فعل وصلت بالانتفاض على الدين بصورة عامة حدّ أن أمر أتاتورك بتغيير آذان الصلاة من العربية إلى التركية.
أن لمسمى الحريم ما يذكّرني كمدافعة عن حقوق الإنسان بالتأكيد على كرامة المرأة كجزء فاعل ومحترم في المجتمع، بل جزء مؤثر لا يمكن مطلقا حجره ووضع سور الحريم عليه، مثلما يحاول البعض الآن ومثلما فعل نظام طالبان تحديدا، حيث منعهن من الانخراط في التعليم والإعداد للمشاركة الاجتماعية خارج السور الحريمي..
يقول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

ومثل هذا الإعداد العلمي لا يمكن لبيت أو سور أن يختصره ويخرج منه طبيبات أو محاميات أو باحثات علميات.
لقد حاول البعض تشويه فكرة حقوق المرأة، بل أمعنوا بالتركيز على التشريعات والممارسات التي تنبعث من قاعدة العادات والتقاليد والعرف السائد،وهو أمر خطير ويصيب المواكبة الحضارية في صميمها الاجتماعي والاقتصادي،ويعيق أي تطور حضاري.
أردت إن أقول من هذه الوقفة ما اجعله إيضاحا لفك الالتباس فيما فات معاتبي معرفته عني ربما، فأنا لست بمن يقول في أي ظرف عن دونية للمرأة، بل على العكس أنا أجد أن المرأة لابد لها أن تنال أكثر من المساواة ما دامت قد عانت كل هذا الاستلاب طيلة التأريخ.
ولست ممن يستخدم هذا الاسم وصفا للمرأة لأنه اسم وصفة وعنوان هائل للتعسف الاجتماعي، طالما وقفت مدافعة لخروج المرأة منه.
أخيرا أقول للقراء وأنا منهم لابد من التروي في اتخاذ الأحكام، ولابد من الحلم في النظر إلى الآخر وإبعاد التوقعات السلبية، والتهم الجاهزة،وإن ما حصل بنا وبوطننا من دمار لابد وان يدعونا إلى تغيير نهجنا السابق وديدننا في التربص بالآخر وتصيد الأخطاء وخلقها له إن لم توجد، ولكي نستطيع أن نبني وطننا وننشر المحبة بين ربوعه لابد لنا من تمزيق السواد الذي نرى من خلاله الحياة، السواد الذي غرسه البعث واخلاقه على مدى أربعين عاما والذي قربنا من الظلم وأبعدنا عن رؤية نور الحقيقة أحيانا وإشراقة الحياة بزهرة أو فراشة أو طفل أو حتى فهم قصد إنسان بريء يريد الخير للجميع ويقف بوجه الكذب والنفاق والتلاعب بأرواح الناس ومقدراتهم.
لاهاي
2-1-2005