ردنا على بعض الملاحظات

د. أبو خولة (*)

على اثر صدور مقالنا الأخير بعنوان "فضائية الحرة: نثمن تشبثكم بالحرية، لكن نحذر من تسلل إرهابيي الأصولية،" على موقعي إيلاف وشرق أوسط شفاف، تلقينا ردودا كثيرة. جاء ذلك من أفراد عبر البريد الإلكتروني، و من هيئات إعلامية وفي مقدمتها رسالة رقيقة من السيد / تركي الدخيل معد برنامج" إضاءات " بفضائية العربية، و برنامج الاتجاه المعاكس بظلامية الجزيرة الذي طلب منا بحث إمكانية المساهمة في إحدى حلقاته. أود هنا أن اشكر كل الذين شاركونا مشاغلنا بخصوص شلال الدم المنهمر بالعراق والمسئولية الأساسية التي يتحملها فقهاء سفك الدم، خصوصا نتيجة تسللهم الناجح لمختلف وسائل الإعلام. كما نشكر السادة معدي برنامج الاتجاه المعاكس على دعوتهم ونعدهم أن نكون معهم في الموعد القريب لدحض أكاذيب سفهاء الأمة، الذين تفوق مسئوليتهم مسؤولية المنفذين لعمليات التفجير و قطع الرؤوس.

أبدا أولا بتوضيح للخبطة كبرى لمستها عند القراء الذين راسلوني، وهي في تقديري لخبطة تسبب فيها غوغائيو الأمة بالخلط عمدا بين العمل المسلح الخارج عن السلطة، والعمل المسلح الذي يأتي بقرار السلطة السياسية ( التي يجب أن تكون موحدة أو لا تكون ) وهو وحده الذي يمكن اعتباره مقاومة وطنية مشروعة للاحتلال.

ما أود التأكيد عليه هو أن المقاومة المشروعة للاحتلال، والتي تعتبر واجبا وطنيا قبل كل شيء، تشمل كافة أنواع العمل الفردي والجماعي الذي يؤكد الرفض الشعبي للاحتلال ويعمل على إزالته. وبما أن الهدف الأساسي هو إزالة الاحتلال لا مجرد التعبير العاطفي عن الغضب الشعبي ضده، يتوجب على السلطة السياسية المنظمة لعملية المقاومة اختيار الأساليب الناجعة ورفض الأساليب التي لا يمكن أن يكتب لها النجاح، أو التي لا تتماشى وأخلاقية الحركة الوطنية.

من أمثلة رفض السلطة السياسية المستنيرة للعنف المسلح الذي لا يتماشى و أخلاقياتها، نكتفي بالأمثلة التاريخية الثلاثة التالية:

1.رفض المها تما غاندي الاحتكام للسلاح ضد الاحتلال البريطاني في ندائه الشهير للعصيان المدني، بالرغم من أن وجود الاحتلال في ذلك العهد كان يبرر التمرد المسلح. وكان الو اعز الأخلاقي ( رفض ثقافة العنف ) هو الأساس للدعوة السلمية.

2.رفض مجاهد تونس الأكبر التحالف مع قوى المحور عند احتلالها للبلاد خلال الحرب العالمية الثانية، و أن كانت هي التي حررته من اسر الاستعمار الفرنسي، على اعتبار أن شعبا صغيرا مغلوبا على أمره وتواقا للحرية، مثل الشعب التونسي آنذاك، لا يمكن أن تسمح له أخلاقياته بالتحالف مع قوى الشر النازية-الفاشية، وان لا مستقبل لتونس إلا بالتعاون مع قوى الديموقراطية بالغرب وعلى رأسها القوى الفرنسية التي يساعد مثل هذا الموقف الأخلاقي ( الرافض للتحالف مع المحور ) على تحويلها إلى قوى معادية للاستعمار. وهذا ما حصل فعلا بعد انتهاء الحرب، بانتزاع تونس لاستقلالها الداخلي سنة 1955. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن الانتهازية السياسية غائبة عن قرار مجاهد تونس الأكبر، وهو صاحب بعد نظر منقطع النظير عند خلانه الأعراب – الذي كان يعلم علم اليقين أن الغلبة النهائية ستكون للديمقراطية ضد الفاشية، وهي رؤية معاكسة تماما للوهم الذي كان يردده أمثال مفتي القدس آنذاك الشيخ أمين الحسيني الذي فتح له مكتبا في برلين في الثلاثينات من القرن الماضي، معتبرا خلاص فلسطين على يد هتلر أو لا يكون.


3.رفض نلسون مانديلا لاعمال العنف في إفريقيا الجنوبية بعد إطلاق سراحه من طرف فريد يريك لوكليرك. و لو ترك الأمر لغوغائي السكان السود لا فتوا بالاحتكام للعنف المسلح بدعوى أن سيطرة البيض مازالت قائمة. والمفارقة هنا واضحة للعيان عند المقارنة مع ما حصل عندنا حيث ما أن سقط صنم الطاغية في التاسع من نيسان المجيد حتى تعالت جعجعة القومجية والأصولية تطالب بسلطة منتخبة متناسين أن معدل الفترة لتنظيم الانتخابات كانت حوالي 7 سنوات في التجربة التاريخية لكل من ألمانيا، اليابان وكوريا الجنوبية. ولم تكتف بذلك بل اخذ ت تطالب بالرحيل الفوري للقوات الأجنبية متناسين أن مثل ذلك الإجراء سيغرق البلاد في دوامة حرب أهلية ستكون أسوء بكثير مما هو عليه الحال الآن.

لقد أثبتت التجارب التاريخية الناجحة أن خيار المقاومة المسلحة يجب أن يكون في يد سلطة سياسية موحدة كما كان الحال في فيتنام والجزائر. بدليل انه عندما شذت الحالة الفلسطينية عن القاعدة كان أيلول الأسود في الأردن، وكانت الحرب الأهلية و الخروج من لبنان، وكانت " فوضى السلاح " التي لم يجن منها الفلسطينيون إلا فقدان تعاطف الرأي العام العالمي، ومناهضة منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل منظمة العفو الدولية التي اعتبر تقريرها الأخير العمليات الانتحارية ضد المدنيين الاسلارائليين جرائم ضد الإنسانية. وفي النهاية لم يحصد الفلسطينيون إلا بناء الجدار الفاصل الذي قضم الكثير من الأراضي الفلسطينية. و انتهى الأمر إلى القناعة الفلسطينية العامة التي نراها اليوم، حيث أكد آخر استطلاع للرأي أن 52% من الفلسطينيين يعارضون مواصلة أعمال العنف المسلح.

النقطة الثانية التي أود التركيز عليها بهدف وضع حد للخبطة التي لمستها لدى السادة المعلقين على مقالي السابق تخص اقتصار فقهاء الإرهاب على إرسال العراقيين والفلسطينيين إلى قوارب الموت، دون غيرهم. ففي سوريا توجد ارض محتلة اسمها هضبة الجولان ولا نسمع عن فتاوى من مساجد دمشق تطالب الشباب السوري بحمل السلاح. وتوجد في المغرب مدن سبتة ومليلة المحتلة من طرف إسبانيا دون أن تكون هناك فتاوى سواء من شيوخ جامعة القرويين أو من غيرهم – لدعوة المؤمنين إلى الجهاد. وسناء كانت أرضا مصرية محتلة من 5 حزيران 67 حتى اتفاقية كامب ديفيد، واذا استثنينا فترتي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، كان هناك سكون يخيم على الجبهة ولم نسمع بفتاوى من الأزهر وخارجه تدعو كل القادرين إلى حمل السلاح باعتبار الجهاد فرض عين.

ما السبب إذن أن يقتصر الإفتاء على الحالتين العراقية والفلسطينية دون الحالات العربية الأخرى؟ هذا هو سؤالنا لسفهاء الآمة و غوغائييها.

أما بخصوص قائمة ال 26 بالسعودية، الذين أفتوا بضرورة توجه الشباب المسلم للجهاد في العراق، أود أيضا إعلام القراء أن مسمارا ثانيا قد دق في نعشهم هذه الايام، حيث أفتى العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، أن العمليات المسلحة خارج قرار ولي الأمر هي ضرب من الإفساد في الأرض، و ذلك نتيجة وجود معاهدة بين الأجانب المتواجدين بيننا وولاة الأمور، ولا يجوز الإخلال بها من طرف أفراد لمجرد انهم يعتقدون أن مثل هذه المعاهدة باطلة. وهنا أيضا كان شيخنا الفاضل مقنعا تمام الإقناع عندما ذكر بالحديث النبوي " من قتل معاهدا أو ذميا لم يشم رائحة الجنة ".

للتذكير، هذا هو ثاني مسمار يدق في نعش فقهاء الإرهاب بالتوازي مع المسمار الذي تحدثت عنه في مقالي السابق، والذي دقه شيخنا الفاضل عبد المحسن العبيكان عندما دحض بالأدلة الدامغة عدم توفر الأسس الشرعية للمقاومة المسلحة في العراق. وعليه اعتبر أنها ليست من الجهاد في شيء. هذا بالإضافة إلى جهل الذين يفتون بأمور الفقه مثل سفهاء قائمة 26 سيئة الصيت، حيث أكد شيخنا الفاضل انهم إما أشباه أميين أو مختصين في الحديث وأمور أخرى وعلى هذا الأساس اعتبرنا الاعتماد على فتاواهم في مقالنا السابق كمن يستغيث باختصاصي طب العيون للقيام بعملية جراحية للقلب المفتوح.

و بالتوازي مع دق هاذين المسمارين في نعش فقهاء سفك الدم، فاحت الرائحة الكريهة للنفاق و الخداع لسفهاء قائمة ال62، حيث افتضح أمر نفاق المجموعة، على اثر ما ورد في صحيفة الوطن السعودية عن نفاق الشيخ العودة ( أحد المنتمين لقائمة آل 26 ) الذي طالب تدخل قوات الآمن السعودية للحيلولة دون التحاق ابنه معوض للجهاد في العراق
(عملا بفتوى والده)، حيث أوردت الصحيفة أن الشيخ العودة اتصل بالأمير محمد بن نايف، الرجل الثاني بوزارة الداخلية السعودية لمحاولة البحث عن ابنه و الحيلولة دون تركه يلتحق بالمقاومة المسلحة بالعراق.

ناهيك عن أن الازدراء اصبح الأساس في تعامل عقلاء الأمة مع سفهائها و على رأسهم سفهاء قائمة ال 26. على سبيل المثال لا الحصر، ذكر الأستاذ الكويتي المستنير جليل علي حيدر في مقال جديد له بعنوان "أشرطة الموت التي لا تباع و لا تشترى" بتعليق الكاتب السعودي مشاري الذايدي باعتبار سفهاء هذه القائمة كمن قال عنهم المثل "ذهبوا إلى الحج و الناس عائدون."

لمزيد من التوضيح نورد في الجدول التالي خمسة مبادئ يمكن أن نقيم على أساسها مغالطة سفهاء قائمة ال 26 ( و امثالهم من الدجالين و الغوغائيين) مقارنة مع مرجعيات أخري ذات مصداقية.

سفهاء مجموعة ال 26شيخنا الفاضل عبد المحسن العبيكانالإمام على السيستاني
- مبدا " أهل مكة أدرى بشعابها "

- الاختصاص في الفقه

- الغاية من الجهاد


- الوسيلة - نصبوا أنفسهم وصية على الشعب العراقي.

- ليسوا من أهل الاختصاص.

- لخبطت في تحديد الغاية.


نداؤهم غير مسؤول نتيجة تفاوت ميزان القوى و تعاون عديد القوى العراقية مع القوى الأجنبية بهدف وضع حد للإرهاب.- ساعد بفتواه على وضع حد للفتنة بالعراق.

- أحد اكبر علماء الفقه في السعودية والعالم الإسلامي.

- أدرك تعقيد المسالة العراقية و عبثية المقاومة المسلحة التي تبرر بقاء القوات الأجنبية لا العكس.

- أصاب في قراءة عدم جدوى المقاومة المسلحة في العراق و عدم توفر شروط الجهاد فيها من الناحية الشرعية.- له الكلمة الفصل في القضايا العراقية على اعتباره المرجعية العليا بالدولة.

- أحد اكبر علماء الفقه في العراق والعالم الإسلامي.

- أصاب في إعطاء الأولوية للأمن على اعتباره الأساس الذي ينطلق منه بناء العراق الجديد.

-أدرك أن المصلحة العراقية العليا تقاطعت مع المصلحة الأجنبية في الإطاحة بالنظام الطاغوتي السابق و ضرورة إعطاء الأولوية لاستتباب الآمن بعد ذلك. كما أصاب في إعطاء الأولوية للتخلص من النظام الطاغوتي المقبور

أما بخصوص الرسائل التي جاءتني عبر البريد الإلكتروني، فقد تساءل أحدهم في رسالته لي عن العيب في ترك فضائية الحرة مجالا للذين يخالفوننا الرأي؟

وهنا أصحح أن اعتراضنا السابق هو على قاعدة " وللإرهابي مثل حظ المسالمين " التي اعتمدتها حلقة " ساعة حرة " المشار إليها، والتي رأينا فيها حيفا كبيرا حيث أن الفضائيات الأصولية لا تخصص ثلثي بثها أراء العلمانيين، والصحف الاشتراكية والشيوعية لا تخصص ثلثي برامجها لدعاة اقتصاد السوق، وهكذا.....

اغتنم هذه الفرصة للتأكيد على ضرورة إعادة تقييم الاستراتيجية الإعلامية للديمقراطيات الغربية (أساس قيم الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان في العالم الذي نعيش فيه اليوم) إزاء العالم العربي الإسلامي (البؤرة الأساسية للإرهاب و انتهاكات حقوق الإنسان و الجهل في العالم الذي نعيش فيه اليوم)، باعتماد طرق ناجعة لفضح ثقافة الكراهية وقطع الرأس. هل، على سبيل المثال، موسيقى البوب لراديو "سوا" هي الطريقة الأنجع لخلق شباب عربي متسامح ومنفتح على الآخر؟

و هنا لا بد من التفكير في:

-إعادة توجيه الدعم المالي للقوى المستنيرة بالعالم العربي الإسلامي.
- مساندة القوى المستنيرة و القادرة على مجابهة قوى الظلام (مثقفون تنويريون، نقابات عمالية، جمعيات نسائية، اقليات عرقية).... بما فيها القوى المهاجرة، التي بإمكانها أن تبلي البلاء الحسن من خلال ثورة الاتصال التي تمكنها من إبلاغ صوتها و لو عن بعد...).
-تطوير سياسة إعلامية جديدة للحيلولة دون تسلل فقهاء الإرهاب و الظلام تحت غطاء حرية الرأي.

على هذا الأساس، نقترح على فضائية الحرة تعويض قاعدة "و للإرهابي مثل حظ المسالمين" بقاعدة معاكسة لها مثل قاعدة " و للمسالم مثل حظ الإرهابيين على قناة الحرة" أو قاعدة أخرى شبيهة لها. واخر دعوانا بالهداية للمؤتمنين على أموال دافعي الضرائب الأمريكي لتوجيهها الوجهة الصحيحة، نشرا لثقافة المحبة و الإخاء و السلام بين الشعوب و كل عام و انتم و موقعي إيلاف و شرق أوسط شفاف بخير.

(*) بريد إلكتروني:[email protected]. يعد الكاتب حاليا كتابا بالغة الإنجليزية بعنوان:
Defeating Terror by Undermining Islamism: why a war of ideas is urgently needed.