إعتبرت قناة الحرة الفضائية ومن بعدها صحيفة الشرق الأوسط التي منحت تفاصيل اللقاء الذي يبث لاحقا بين محمد جاسم العلي المدير السابق لقناة الجزيرة وعدي صدام حسين وأيضا بين حميده نعنع وعدي صدام حسين، إعتبروا الحصول على هذه الوثيقة وبطريقة حرفية كما قال مدير قناة الحرة نصرا صحفيا أو أحيانا يعبرون عنه ( ضربة صحفية)
حقيقة الأمر أن هذه الضربة الصحفية هي ضربة باردة أو هي مثلجة ولا قيمة لها.
لم يكن في السابق سرا علاقة قناة الجزيرة بالنظام العراقي. ويوما سأل أحد الصحفيين محمد جاسم العلي في مؤتمر صحفي عقد في الدوحة، سأله بأن المتابعين الإعلاميين يؤكدون وجود علاقة بين قناة الجزيرة وكل من إسرائيل والعراق، فأجاب العلي نصا (لا توجد مؤسسة إعلامية تلفزيونية كانت أم مقروءه أم مسموعة لا تحصل على واردات غير منظورة وعلى دعم مالي وإلا كيف يمكن أن تستمر بدون مثل هذا الدعم ولكن السؤال هل لهذه الجهات الداعمة تأثير على سياسة القناة هنا يكمن السؤال) وطبعا أن الصحفي لم يرد على هذا الكلام، وكانت حقيقة الأمر أن سياسة القناة كانت مرتبطة بإسرائيل وتنفذ مهام واضحة وأيضا كانت مرتبطة بالنظام العراقي وتنفذ مهام واضحة وبالمناسبة لم يكن ثمة تناقض بين إسرائيل والعراق في سياستيهما فهما وجهان لعملة واحدة. كان واضحا من خلال حديث العلي في المؤتمر الصحفي بأن قناة الجزيرة كانت (تقبض) من النظام العراقي كقناة وبعض المحررين يقبضون كأشخاص وقد نشرت الصور الفضائحية بعد سقوط النظام الدكتاتوري. والدليل الأكثر وضوحا هو عندما ضرب التلفزيون العراقي أثناء عملية ثعلب الصحراء بدأت قناة الجزيرة تبث الخطاب الموجه من قبل صدام حسين إلى الأمة العربية تبثه كاملا وخلال عدة نشرات أخبار وعلى مدى عدة أيام وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لقناة مستقلة لا تمثل دولة شمولية. تصرفت القناة على أنها قناة عراقية وشمولية مائة في المائة. هذا الأمر لم يكن سرا حتى يظهر الآن للعلن. ونفس الشيء بالنسبة لعدد كبير من المثقفين العرب الذين كانوا يسافرون إلى بغداد ويعودون بالحقائب المملوءة بالدولارات والساعات الذهبية ويعودون ليكتبوا المقالات وقصائد الشعر لدرجة أن شاعر (المقاومة) أطلق على وزير الثقافة الأمي المتخلف لطيف نصيف جاسم (وزير الشعراء) والأسماء لا يمكن التوقف عندها وإذا أردنا أن نعدهم نخشى أن يفوتنا أحدهم وننساه فيتهم بالنقاء! بلد نفطي ثري يقوده مجنون أهوج يدفع بدون وجع ضمير لمن هب ودب لكي يمتدحوه في قصيدة شعر أو مقالة أو لكي يظهروا صورته بالألوان على غلاف مجلة يدفع هو ثمن طباعتها فيدغدغ جانبا مريضا في ذاته.. مع الأسف والحزن القاتل من أجل أبناء شعبنا الذين كانوا يدفنون في المقابر الجماعية ليقضي الصحفيون والشعراء حاملي نبل الرسالة الثقافية، ليال حمراء وصفراء وخضراء وسوداء على حساب حرية الناس وخبزهم. أنها مرحلة العار أو هي عار المرحلة.
هنا والواقع أكثر مرارة.. ما قيمة هذه الوثيقة أن تظهر الآن؟
أولا أن هذه الوثيقة تسربت بطريقة (حرفية) على حد تعبير مدير الحرة الفضائية. وهي قد سربت بشكل واضح من مكاتب أرشيف المخابرات الأمريكية. والسؤال لماذا أطنان الوثائق العراقية موجودة لدى الأمريكيين. ثانيا ومن يشرف على أرشفتها ؟ أكاديميون عراقيون! مثقفون عراقيون! يساريون عراقيون! شيوعيون عراقيون! متدينون عراقيون! يشرفون على أرشفتها داخل أروقة السي آي أي.
السؤال الآخر الأكثر مرارة ما قيمة لقاء محمد جاسم العلي (الآن) ولقاء كاتبة ليست ذات قيمة تذكر مثل (حميده نعنع ) أو ممثلة مثل (رغده) أم ممثل مثل (محمد صبحي) ما قيمة لقاءاتهم بذلك الجاهل الهزيل المعقد (عدي صدام حسين) أو حتى صدام حسين نفسه اللذين لا يشكلان قيمة لا في المجال الإنساني ولا في المجال الثقافي ولا في المجال الإجتماعي العتب العتب والأكثر مرارة هو ما يحصل الآن... عراقيون ويساريون وشيوعيون ومتدينون وليبراليون يتدربون في أروقة المخابرات الأمريكية ويأتون مع قوات الإحتلال ويقومون هم أنفسهم ببيع كوبونات النفط باضعاف أضعاف ما كان يمنحه صدام وعدي ومن لف لفهما لعدد من كتاب الدرجة الخمسين ولفضائيات واضحة العمالةوهي تعرض نفسها للسوق للبيع والشراء.. العتب العتب على من يتهم ويقوم بنفس الفعل وبشناعة أكبر ووضوح أكثر وعلنية صارخة من أجل المساهمة في إيذاء هذا الشعب العراقي الجميل والطيب والنبيل والذي كتب عليه القدر أن يعاقب ألف مرة في كل يوم.. كوبونات النفط سادتي تهدى اليوم في أسواق أوربا وتمر عندنا في بانكوك وترحل إلى موسكو والباعة وأصحاب العمولات تظهر صورهم وتصريحاتهم كل يوم على شاشات الفضائيات وبدون خجل ويتعاركون عراكا على المناصب ودول الجوار ترسل الذباحين إلى الوطن ليكملوا قتل أطفال العراق حتى قبل أن يولدوا.
فليذهب إلى الجحيم صدام حسين وزمرته..
وليذهب إلى الجحيم كل الذين يفجرون مؤسسات العراق ويقتلون أهله الأبرياء
وليذهب إلى الجحيم كل من يحاول أن يعتدي على الطوائف والأديان المتعايشة في العراق.
وليذهب إلى الجحيم كل مثقف وأكاديمي عربي عرض بضاعته في أكثر الأسواق إنحطاطا.
وليذهب إلى الجحيم كل من يحاول أن يغذي الطائفية والنعرات القومية في العراق.
وليذهب إلى الجحيم كل عراقي يخون وطنه ويسرق حتى ولو رغيف خبز واحد من عيني طفل عراقي جائع أو يتيم!
إذا كان الجميع يعتقدون بأن الجغرافيا ستتقطع خارطتها إربا والمطلوب هو نهب ثقافة الوطن وخيراته فإن التاريخ له جولة قادمة وهو يعد قائمته التي سوف يعلقها على جدران الذاكرة!

كاتب عراقي مقيم في بانكوك