فى أثناء مشاهدتى للقنوات الفضائية متابعاً أخبار عالمنا العربى وبقية خلق الله فى العالم، قلت فى نفسى : خلينا نشوف فضائيات مصر الحبيبة على قلبنا، لعل وعسى قد تحسن أو تم إصلاح شئ فى هذا الجهاز الإعلامى الكبير. لكن للأسف وجدت الحال على ما هو عليه، ألوان الخلفيات والديكورات فى الأستديو تصيبك بالكآبة والحزن والرتابة، وبرامج مملة سواء فى نوعية الضيوف أو فى الأسئلة الهايفة التى يطرحها المذيعين والمذيعات، حتى لو رضيت بكل هذا فإنك تصطدم برداءة الصوت وعدم نقاوته، ومع كل هذا تجد السؤال يخرج بسرعة : هل هذه القنوات الفضائية هى وجه مصر الحضارى الذى يطل على العالم ويطل المغتربين والمهاجرين المصريين من خلاله على بلادهم المصرية؟
وجدت على شاشة قناة المصرية صورة رئيس الوزراء أحمد نظيف يلقى خطابه فى مجلس الشعب التى جعلتنى أنسى عيوب التلفزيون المصرى مؤقتاً، وراحت الكاميراً تتنقل برشاقة بين النواب الذين يصغون بأهتمام شديد إلى أحاديثهم وضحكاتهم الجانبية ويتنقلون فى القاعة وكأنهم فى شارع رمسيس أو فى سوق الخضار، مما دفعه لأن يتوقف ليسأل هؤلاء النواب إذا كان كلامه مش عاجبهم، ويبدو أن كلام الدكتور أحمد نظيف لا يخصهم ولا يخص الشعب الذى أنابهم عنه، وأنهم حاضرين مجرد " سميعة " لمواويل أبو زيد الهلالى وليس لبيان الحكومة!
كان واضحاً فى مجلس الشعب المصرى وعلى وجوه أعضائه أنهم قد تخطوا الستينات والسبعينات وربما الثمانينات والعلم عند الله والسجل المدنى، والغالبية ظاهر على وجوههم الزهق والنعس والبلادة.. كان الله فى عونهم، المفروض أنهم قد أحيلوا إلى المعاش من زمان، لكن لأنهم لا يتعبون فى شئ إلا حضور بعض الجلسات والتزويغ من الآخرى وفى النهاية يقبض مرتب كبير يضعه فى صفوف الناس الكبار ورجال الأعمال، وأنحدر هؤلاء النواب العباقرة التى لم تنجب مصر غيرهم بفكر المجتمع المصرى إلى فكر يعانى من أعراض العجز والشيخوخة.
هذا المشهد الكاريكاتيرى لأعضاء مجلس الشعب المصرى هو مشهد كاريكاتيرى لوجه مصر الذى أختطفه كبار السن وكبار النفوذ وكبار الوزراء، حتى خُيل إلىٌَ أن مصر أصابتها الشيخوخة حقيقة وتحتاج إلى عملية جراحية لا يقدر عليها الأطباء المصريين، لذلك يجب على المسئولين ترتيب رحلة علاج لمجلس الشعب بالكامل إلى ألمانيا حيث تم علاج الرئيس مبارك فى مستشفى راقى، وذلك حتى تتم عمليات الإصلاح والتغيير والإحلال بصورتها العلمية الصحيحة فى جسد مجلس الشعب المصرى على نفقة الدولة طبعاً أقصد على نفقة الشعب المصرى السخى الكريم وحتى يرجع إلى مصر أعضاء شباب معافين.
الحياة البرلمانية فى مصر تعانى مثل بقية قطاعات الدولة من الفساد، والحزب الوطنى مثل أحزاب المعارضة الفارق الوحيد بينهم هو أن الحزب الوطنى هو حزب الحكومة، الحياة البرلمانية المصرية مازالت تحتفظ بأعضاء يحملون شهادات محو الأمية، ومجتمع مازال ينتخب نواب محو الأمية لينوبوا عنه فى مجلس الشعب هو مجتمع مازال يحتاج إلى محو أميته، من الخجل أن يتحدث الصغير والكبير عن عصر المعلومات وضرورة محو الأمية التكنولوجية فى الكمبيوتر، وإذا كان هذا حالنا، كيف ينتظر الشعب المصرى من نواب محو الأمية أن يشاركوا فى خطط وبرامج الإصلاح والنهضة الحضارية المطلوب إنجازها فى مصر؟
متى تخرج الإصلاحات التشريعية وتبصر النور إن كانت توجد حقاً نية رئاسية فى إصلاح القوانين التى تقيد الحريات وتنتهك حقوق الإنسان؟ وهل هذا المجلس هو مجلس الشعب أم مجلس الرئاسة المصرية؟
متى يتحرر الإنسان المصرى ليستعيد مكانته الحضارية فى مجتمع مدنى يسير نحو التقدم؟
كل مواطن يحب وطنه فى أنتظار أن تقفز حكومته فوق الجهل الذى يسود البرلمان والمعارضة والحزب الحاكم والهيئات الحكومية وغيرها، الجهل الذى قيد العلم والتعليم بقيود العقول الجامدة التى تعيش بتراث الأقدمين، ذلك الجهل الذى يقيد حرية الإصلاح والتغيير ومسايرة التطور الذى لا ينتظر أحداً ينظر إلى الوراء ويتمسك بتراث أنتهت صلاحيته بأنتهاء زمانه.
ميشيل نجيب