بقي التطرف في تفضيل المصلحة القومية او الاجنبية على حساب المصلحة الوطنية سمة مميزة للسياسة العراقية على مدى عقود من السنين حيث كان الشعار البائس - العراق اول من يضحي واخر من يستفيد - هو المبداً الرئيسي الذي حرك تلك السياسة التي ادت الى تضحيات جسيمة في الدم العراقي والى تبديد وتبذير في ثروات العراق لم يحصل العراقيون على اثرها حتى على كلمات شكر خجولة من المستفيدين منها لابل على العكس كان حالهم دائما حال سمكهم المسكوف الماًكول والمذموم في ان واحد .

لاناًتي بجديد عندما نقول ان العراق بقي لعقود - يحشر انفه - في كل المشاكل والصراعات على الساحة القومية والعالمية فكان للعراق يد في حركة انقلابية في موريتانيا او في السودان كما حشر نفسه في الشاًن اللبناني او الاماراتي ويبقى الحديث عن الدور العراقي في
القضية الفلسطينية طويلا الى الحد الذي توهم فيه الكثير من الفلسطينيين ان العراقيين هم فلسطينيون اكثر منهم. اما على الصعيد العالمي فقد تم نقل العراق الى كل البؤر الساخنة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية من خلال ماسمي بمساندة حركات التحرر فيها وكان التنافس على اشده بين النظام السابق في العراق وبين النظام الليبي حول اي من النظامين يستطيع ان يحشر انفه في اكبر عدد من القضايا والصراعات وللتاريخ فان النظام الليبي استطاع ان يحسم المنافسة لصالحه من حيث العدد وليس من حيث نوعية التدخل عندما اضاف القضية الايرلندية الى قائمة اهتماماته من خلال علاقاته مع الجيش الجمهوري الايرلندي السري .

ان البعض يملاًهم الفخر والاعتزاز لان النظام السابق رفض وتحت كل الظروف التنازل عن ما اعتادوا بتسميته الثوابت القومية لابل ان البعض لايخجل من الاتيان بامثلة وشواهد تثبت ان النظام السابق كان مستعدا لابداء المرونة في المصلحة الوطنية ولكن موقفه بقي ثابتا ازاء القضايا القومية والمقصود هنا هي القضية الفلسطينية فتذكر مقالة نشرت على احد المواقع الالكترونية ان الامريكان عرضوا على صدام حسين البقاء في الحكم مقابل اعطاء الشركات الامريكية تسهيلات كبيرة في العراق والتخلي عن الصراع مع اسرائيل والمشاركة في عملية السلام ويذكر الكاتب ان صدام حسين ابدى مرونة ازاء الشرط الاول لكنه رفض الشرط الثاني بمعنى انه ابدى استعداده لان يبيع العراق - وهذا ماحدث لاحقا ولو بطريقة اخرى- مقابل الاحتفاظ بالصراع مع اسرائيل. ان السؤال الذي يطرح نفسه هو من من الدول العربية ابدت استعدادا للتضحية بمصلحتها الوطنية من اجل العراق. حتى القيادة الفلسطينية نفسها كان صوتها جهوريا على ارض مطار الكويت وهي تعتذر عن الموقف ازاء غزو الكويت وتشمت بمن غزاها .

وعندما انتهى النظام بالطريقة المعروفة وحل -فرسان- العهد الجديد في بغداد استبشر الناس خيرا في ان عهدا جديدا سيبداً وستكون اخطاء الماضي امام اعين اطراف اللعبة الرئيسيين حيث سيضع هؤلاء المصلحة الوطنية فوق اي اعتبار اخر ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وهكذا عوضا عن ان يذهب العراق الى كل بؤر الصراع قدم الاشقاء والجيران والاصدقاء والاعداء الى العراق يتصارع العراقيون بالنيابة عنهم على ارض العراق وبعدما كنا نتدخل في شؤون الاخرين اصبح العالم كله يتدخل في شوؤننا ونكشف لهم عوراتنا فلا يخجل رؤساء الاحزاب الجديدة عن التصريح بان زياراتهم للدول التي عينتهم سفراء لها في العراق هي بهدف مناقشة الشان العراقي لابل يصل الامر باحد وزراء الحكومة العراقية الاساسيين من اصحاب الحقائب السيادية ان يطلب من احدى الدول الشقيقة التوسط لحمل بعض الفئات العراقية على المشاركة في الانتخابات .

لا نعرف عن اية هيبة للدولة يمكن ان نتحدث والحكومة تطلب من الاخرين التوسط بينها وبين معارضيها او ان اؤلئك المعارضين ينتظرون الضوء الاخضر من جهات اجنبية ليغيروا من سياساتهم تجاه حكومتهم. الم يرى هؤلاء جميعا كي يجلس الرئيس السوداني مثلا او اعضاء حكومته منكسرين خجولين في اجتماعات للمصالحة مع المعارضة تدعو اليها اطراف عربية واجنبية .

نعم لقد حل محل الحزب الواحد رزمة كبيرة من الاحزاب ولكن المؤسف ان جميع الاحزاب من التي تؤثر الان في القرار السياسي العراقي قد ضمنت لنفسها احدى الدول الشقيقة او المجاورة او البعيدة لتقوم مقام دور الراعي - سبونسر - لهذه الاحزاب مع كل مايتطلبه هذا الوضع من حقوق وواجبات للطرفين ففي الوقت الذي لازال في بطن الاحزاب الكردية - بطيخة صيفي - كما يقول المثل المصري كون - السبونسر الامريكي - يتحكم في كل اوراق اللعبة السياسية العراقية الراهنة فان الاحزاب الشيعية قد حسمت امرها ومنذ البداية في اتفاق استراتيجي مع - السبونسر الايراني - في حين تشمل الرعاية الابوية السعودية والسورية والاماراتية والاردنية والمصرية على مجموعة مهمة من الحركات والاحزاب السنية بينما يتكاً التركمان على عصا الوالد التركي في حين لم تجد الاحزاب المسيحية فرصة لدى - السبونسرات الرئيسة - فوجدت في بعض من هذه الاحزاب العراقية لتكون - سبونسرات محلية- لها. ويبدو ان هذه الظاهرة قد استهوت الكثيرين سواء في العراق او خارجه فاصبحت مهمة تشكيل حزب او حركة سياسية او تنظيم مسلح مرهونة بايجاد - السبونسر الخارجي - ولذالك ليس عجبا ان تجد في هذه الفوضى السياسية والعنف المرافق لها احزاب وحركات وحتى مجموعات صغيرة لها راعيها الخاص الذي قد يكون - سبونسرا - كويتيا او افغانيا او ليبيا او قطريا او شيشانيا وهلم جرا مع عدم اهمال دور - السبونسر - الاسرائيلي وتاثيره الفاعل المباشر وغير المباشر على الساحة السياسية العراقية .

نعم قد يكون اي من السبونسرات المذكورة كريما في تنفيذ واجباته تجاه من يقوم برعايته ولكنه بالتاكيد ليس متهاونا في المطالبة بكامل حقوقه لقاء رعايته وعلى هذا الاساس يجب ان - يتدلل - على المصلحة الوطنية للعراق وبالتالي نعود مرة اخرى الى تطبيق الشعار العتيد - العراق في خدمة ومن اجل الجميع عدا ابنائه.

نعم لقد ذهب العراق - رغما عنه- في عهد النظام السابق الى العالم ليفتش ويشارك في الصراعات والان جاء العالم الى العراق من خلال وكلاء له لتصفية حساباته وتنفيذ اجندته وللاسف في الحالين دفع ويدفع العراق كوطن وشعب الثمن واي ثمن

انها دعوة لجميع الاطراف بلا استثناء لاعادة النظر في سياستها وافعالها مع بداية العام الجديد لتكون عراقية خالصة قلبا وقالبا وتكتفي بالشعب العراقي فقط سبونسرا ومعينا لها .

الدكتور وديع بتي حنا

[email protected]