لو فرضنا أن طائفة من الطائفتين الإسلاميتين جاءت إلى السلطة شيعية كانت أم سنية، وإن فرقة مسرحية عراقية أرادت أن تقدم ملحمة كلكامش على المسرح. مخرج وصاحب رؤية مسرحية يخطط لقراءة واعية معاصرة لملحمة كلكامش التي هي ذاتها تضم كل مفردات العصر ومضامينه، وكأنها كتبت اليوم.
عندما ذهب الصياد وأخبر كلكامش عن أنكيدو الذي يعيش مع حيوانات الغاب والذي يأكل العشب مع الظباء ويرد الماء مع الحيوان، أخبره كلكامش أن يأخذ معه بغيا.
أبصرت البغي المارد الآتي من أعماق البراري فأسر إليها الصياد، هذا هو يا بغي فأكشفي عن نهديك . إكشفي عن عورتك ( والكلمة مذكورة في النص الأصلي بالإسم) وأبعثي فيه الهيام فإنه متى رآك وقع في حبائلك. أنضي عنك ثيابك لينجذب إليك. علمي الوحش الغر فن المرأة، ستنكره حيواناته التي ربيت معه في البرية، إذا إنعطف إليك وتعلق بك. فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عورتها فتمتع بمفاتن جسمها. نضت ثيابها فوقع عليها وعلمت الوحش فن المرأة فأنجذب إليها وتعلق بها ولبث أنكيدو يتصل بالبغي ستة أيام وسبع ليال.
( إنتهى حوار المشهد)
ترى لو حكمت العراق مؤسسة دينية، ماذا سيكون موقفها من هذا المشهد المسرحي وهي التي قبل أن تتسلم السلطة هجم عناصرها على دكان للحلويات لأن علبة الحلويات عليها صورة فتاة!؟ هذا لا يعني أن المؤسسة العراقية ستهدم العمل المسرحي وتهدم الحركة المسرحية فحسب، بل أنها ستهدم التاريخ وتهدم عظمة الأوائل الذي أسسوا بلاد ما بين النهرين، وستعم المكتبات في داخل العراق كتب وكلها مجلدة بالجلد الأسود وعليه الحروف الذهبية ولا تجد على أوراقها غير ( قال فلان عن فلان عن أبي فلان عن عمه عن إبن عمه المنتفكي صاحب الأسرار في جملة الأسفار قال .. إلى آخر المقال ) وستمنع الأفلام وتتحول صالات السينما إلى مؤسسات دينية شيعية أو سنية وستتحول شاشة السينما البيضاء أو الفضية إلى شاشة سوداء وعلى جانبيها سماعتين نسمع منهما اللطم أو المولد مع الخرخشة.
صورة مأساوية سوداء لعراق قادم في حال نجحت المؤسسات الدينية في تسلم السلطة.
هنا يأتي دور المثقف العراقي. وبشكل أساس المثقفون العراقيون الذين يعيشون خارج الوطن من البلدان الإسكندنافية إلى بريطانيا مرورا ببانكوك حتى وإن ضمت مثقفا عراقيا واحدا. المثقفون العراقيون خارج العراق غير قابلين للإبتزاز وسيكون لهم دور أساسي في تأكيد هوية العراق مطلوب منهم أن يؤدوه للمحافظة على هوية الوطن العراقي، وبدون هذه الهوية وبدون رسالة ثقافية واضحة سوف يتراجع الوطن نحو سنوات من الظلام، الله وحده يدري متى يمكن التحرر منها. هنا تأتي خطورة اللعبة الإنتخابية المتسرعة وهي لعبة غير مفهومة بالنسبة لي على الإطلاق. طبعا أنني سوف لن أنتخب أحدا ولا أحد سينتخبني. أنا مرمي في بانكوك أراقب ما يدور في وطن بقلب جريح دام. أدعو الشعب العراقي أن يعيدني إلى أيام الملكية الدستورية حيث نمت الثقافة نموا جميلا وإزدهرت، لكننا كفرنا بهذه النعمة وسمحنا لسياسيين خونة أن يخدعونا ويجرونا إلى صفوفهم تحت شعار محاربة (الإمبريالية) وأطلقوا علينا نحن – المثقفين - إسم (شغيلة الفكر) وهي الترجمة الحرفية للنظام الشيوعي الروسي البائد. هؤلاء هم الذين أدخلونا في النفق المظلم الذي وصلنا إليه ويصعب علينا الخروج منه، وها هم اليوم يعلنون قوائمهم الإنتخابية ومطلوب منا أن ننتخبهم وخيارنا الثاني البديل هو القوائم الدينية. والقوائم الثالثة قوائم السلطة. عندها سوف لن تقوم لنا قائمة!
إن كل هذه القوائم تزدري الثقافة والمثقفين لذلك أناشد المثقفين العراقيين وكل محبي الثقافة أن لا يصوتوا للأحزاب وأعلن لكل الذين يقرأون مقالتي هذه، بأني وإن لم يكن بإستطاعتي الإنتخاب من بانكوك لأنني الوحيد الذي يعيش في هذه المدينة وفي الفترة الحالية التي دمرنا فيها الزلزال، أن أعطي صوتي عبر موقع (إيلاف) إلى الملكية الدستورية، وأرجو منهم سواء جرت الإنتخابات في موعدها أو تأجلت أن يعطوا الثقافة والمثقفين في برنامجهم فسحة هامة ، وأن يعتمدوا تمكين الجيش من بسط نفوذه على البلاد وتحقيق الأمن ، وأن يتضمن برنامجهم حقوق الطوائف والقوميات والأقليات حقوقها وإعطاء وسائل تعميم الثقافة حقها، وفي المقدمة منها العملية الإعلامية، وأن يكون للعلم والعلماء موقعا متميزا في برنامجهم ، لأن العراق بلد ملوث في البيئة والمياه تركتها عقول النظام الصدامي العفنة وقوات الإحتلال البغيضة لكي تميت العراق.
الإهتمام بالثقافة الحرة الواعية المسؤولة هي المسألة المركزية التي تحقق تأسيس الذاكرة العراقية عبر الأرشفة وتأسيس البنى التحتية للثقافة على غرار ما حصل في البلدان التي تحررت من الفاشية ومنها التجربة الأسبانية والتجربة الألمانية والتجربة الإيطالية.
فليتفق الجميع إذا كانت ثمة وطنية حقيقية في العراق على إنتخاب القائمة الملكية الدستورية وإعادتنا إلى ما وصلنا إليه في الثالث عشر من تموز 1958 يوم الأحد اليوم الذي سبق الإنقلاب الذي قاده ذلك النبيل المتورط عبد الكريم قاسم يوم الإثنين الرابع عشر من تموز1958 والذي كان ضحية اللعبة الشيوعية التي قادت إلى تأسيس حزب البعث من قبل الأمريكيين كنتاج متواز يصارع الحزب الشيوعي الروسي على الأراضي العراقية وبسببهما نحصد اليوم الخراب والدمار لشعبنا ولوطننا دونما وازع من ضمير ودون أن يخجل السياسيون من تأريخهم ودون أن يفكروا بأن يعرضوا أنفسهم للمساءلة أمام القضاء، بل يصرون على قوائم إنتخابية تحمل أسماء مثل قائمة (وطني) التي يقودها لصوص الوطن على (المدى) القريب والبعيد!
هنا أقدم هذا النداء لمثقفي العراق.
أيها المثقف العراقي
يا إبن دجلة الخير
أحييك وأعذرني أني بعيد عنك.
أحييك معاتبا أنك نسيتني وأنا أعمل في صيد (الدبيب) في غابات تايلاند لأبيعها على باعة المشويات في شوارع بانكوك بعد أن كنت في الستينات أتجول ناعسا في شارع أبي نؤاس في آخر الليل وأتوقف عند (جبار أبو التكة) تلسع النار ذلك اللحم المشوي غير الملوث بأشعة اليورانيوم مع البصل المشوي والطماطة المشوية بقشرتها المحروقة تتناثر على أطراف صحن (الفافون) إلى جانب (الكراث) صرت اليوم أبيع كل ما يدب على الأرض في بانكوك لأسلمه إلى باعة المشويات وأركض هاربا من رائحة المشويات لا أعرف طعما للأكل ولا رائحة للغرين المنبعث من (لوذ الحمائم بين الماء والطين).
أعتب عليكم أيها الأصدقاء حاملي مشاعل النور أن تتحولوا إلى (روزخونية) تعملون تحت عناوين الصحف التي خانت الوطن وتدمر فيه دون أن تدركوا جسامة المسؤولية التأريخية. سوف لن تشفع لكم رواياتكم الكاذبة ولا شعركم المدعي ولا لوحاتكم المفتعلة .. كل شيء واضح فلماذا تبيعون أنفسكم للصوص الثقافة الذين باعوكم وباعوا الوطن وتاجروا بدماء الأبرياء .. المثقف هو مثل ينظر إليه الناس بعين الإعجاب. وعندما يسقط المثل فإن الصورة تتمزق في حلم المواطن الطيب البسيط. والثقافة أصدقائي مسؤولية إنسانية فأرجوكم أن تدركوا وزن هذه المسؤولية ولا تخونوا الوطن الجميل .. أنتم تروجون الخلل وتروجون الدمار وتروجون الخيانة إن أنتم واصلتم العمل في مؤسسات صحفية أو تلفزيونية لخونة باعوا الضمير وجعلوا الأبرياء يصعدون المشانق وهم يهتفون وجمعت الأموال بأسمائهم وسرقت لتسهم اليوم في تكريس ثقافة الإحتلال وثقافة الفضائح وثقافة كرة القدم تماما مثل ما عمل النظام الدكتاتوري البشع في تعميم ثقافة كرة القدم وثقافة عدنان القيسي وأبو طبر التي نظر لها سفير العراق في دمشق حاليا عندما كان مستشارا للدكتاتور العراقي فأصبح سفيرا لوزير خارجية العراق!
إنني إسترسلت في الحديث إذ لابد من الإسترسال فهذا ليس مقالا إنما هو جلسة سمر في شارع أبي نؤاس في بار الشاطئ الجميل في الكردادة على شاطئ نهر دجلة. يحتسي فيه الولهان بحب العراق كأسا من عرق الزحلاوي مع (لبلبي).
لينسحب كل إلى موقعه .. الشيعة إلى الحسينيات والسنة إلى الجوامع والمثقفون إلى شارع أبي نؤاس في جلسة سمر عراقية!

كاتب عراقي مقيم في بانكوك