الجدل الدائر حول اجراء الانتخابات العراقية فى موعدها حسب الجدول الزمنى المحدد فى قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية و قرار مجلس الامن رقم 1546 او تاجيلها، قسم الاطراف المعنية بهذه الانتخابات الى معسكريين رئيسيين و هما اولا المعسكر المؤيد لاجراءها فى موعدها المحدد ويضم بالدرجة الاولى اكثرية الكيانات السياسية الشيعية و مرجعياتها الدينية و الطرف الامريكى، و ثانيا المعسكر المؤيد لتاجيلها و الذى يضم بصورة رئيسية الاكثرية من الممثلين السياسيين و الدينين للطرف السنى العربى و اكثرية الكيانات السياسية الكردية. و دافع كل طرف من هذه الاطراف وراء موقفه بشان موعد الانتخابات يختلف عن الاخر حتى لو وجد طرفان او اكثر انفسهما داخل معسكر واحد. فاصرار الاكثرية داخل الطائفة السنية لاجراء الانتخابات فى موعدها يعود الى الثقة بالنفس من قبل الطائفة الشيعية اذ هى منظمة تنظيما جيدا و موقفها هذا يحضى بدعم اعلى المرجعيات الدينية لهذه الطائفة كما ان الوضع الامنى المستقر نسبيا فى المناطق ذات الاكثرية الشيعية يسمح بمشاركة اكبر عدد ممكن من الناخبين فى هذه المناطق فى عملية التصويت و لهذا و اعتمادا على الاكثرية العددية لهذه الطائفة فى العراق فانها واثقة بفوزها باكثرية مقاعد المجلس الوطنى و مجالس المحافظات التى تشكل فيها الاكثرية.

الطرف الامريكى يقاسم الطرف الشيعى معسكره و لكنهما فى خنادق منفصلة اذ ان دوافع الطرف الامريكى فى الاصرار على اجراء هذه الانتخابات فى موعدها المحدد غير واضح تماما و لكن يمكن التكهن بعدة احتمالات. الاحتمال الاول هو بان الطرف الامريكى و الطرف الشيعى قد توصلا الى اتفاق مبداى يسمح بموجبه الطرف الامريكى للطرف الشيعى بالحكم فى حالة فوزه بالاكثرية و بالمقابل تكون الاكثرية الشيعية المحتملة داخل المجلس الوطنى المقبل مستعدة لابرام عدة اتفاقات دولية مع الولايات المتحدة الامريكية تمنح الشرعية لبقاء قواتها فى العراق الى ما بعد موعد المقرر فى قرار مجلس الامن رقم 1546 بالاضافة الى مزايا اقتصادية و خاصة فى حقل صناعة النفط. و هذه هو احتمال وارد جدا لو اخذنا بعين الاعتبار وجود كيانات سياسية داخل الكتلة الشيعية كالمؤتمر الوطنى العراقى مثلا و الذى كان يتمتع رئيسه بعلاقات وثيقة بالدائرة الامريكية فى الماضى و ربما لحد الان ايضا. و احتمال اخر قد يكون بان الامريكيون هم على عجلة من امرهم لترك العراق تجنبا للمزيد من الخسائر و لهذا يفضلون اتمام العملية السياسية المحددة فى قرار مجلس الامن رقم 1546 فى موعدها لكى يتسنى لهم الانسحاب تحت مظلة الالتزام الدولى. و هذا هو احتمال ضعيف جدا اذ ان امريكا ستكون فى هذه الحالة هو الطرف الخاسر الذى تحمل الالاف من الضحايا بين صفوف جنودها و انفقت مليارات الدولارات من اموال دافعى الضرائب الامريكيين فقط لكى تنسحب بدون مقابل و يسلم الحكم لاكثرية شيعية لم تكن تعتبر فى يوم من الايام مؤيدة لسياسات الولايات المتحدة الامريكية باكملها.
و احتمال اخر قد يكون بان امريكا هى متاكدة من فوز الكيانات السياسية الموالية لها فى انتخابات المجلس الوطنى و خاصة بعد السماح لعراقى المهجر فى اربع عشرة دولة للاشتراك فى هذه الانتخابات. و احتمال اخر و هو ضعيف جدا و هو التحضير لانقلاب عسكرى بدعم امريكى على غرار الانقلابات التى كانت تدعمها فى الماضى فى امريكا اللاتينية و غيرها من الدول.

و فيما يتعلق بالمعسكر الثانى اى المعسكر المؤيد لتاجيل للانتخابات فان الجانب السنى العربى ينقسم الى قسمين. القسم الاول لا يؤمن اصلا بهذه الانتخابات و يعتقد بانه بامكانه استعادة هيمنته على السلطة و طرد القوة المتعددة الجنسيات عن طريق استعمال العنف، و القسم الثانى يتمثل فى الكيانات السياسية القريبة من هذه الطائفة كبعض الاحزاب الاسلامية و العلمانية و وبعض علماء الدين و ذلك لغرض تهيئة الاجواء الامنية و التنظيمية المناسبة فى المناطق ذات الاكثرية السنية العربية لاجراء هذه الانتخابات و الا فانها سوف لا تتمكن من الحصول على الاصوات التى تعتقد بانها ستفوز بها فى الحالات الاعتيادية.

و الطرف الرئيسى الثانى فى هذا المعسكر هو الطرف الكردى و الذى يؤيد ايضا تاجيل هذه الانتخابات و لكن بدوافع مختلفة اذ هو يؤمن بالوصول الى صيغة توافقية مع كافة الاطراف الاخرى بسبب ضالة نسبتها مقارنة بالاكثرية الشيعية بحيث يمكن تجاهلها من الناحية النظرية داخل المجلس الوطنى فى عملية تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية. و سبب اخر للموقف الكردى هو بان ممثلى الكيانات السياسية الكردية يرون بان هناك اجحافا بحق الناخبين الكورد فى كركوك و اربيل و بعض المناطق الاخرى حيث حرم الكثير من الناخبين الكورد من تسجيل اسمائهم او تم تسجيلهم بصورة غير صحيحة و بهذا سوف لا يسمح لهم بالادلاء باصواتهم مما سيؤثر على تمثيلهم تمثيلا عادلا فى المجلس الوطنى و يصرون على تصحيح هذا الوضع قبل اجراء الانتخابات ما يستغرق وقتا سيتجاوز الموعد المحدد لاجراءها.

و لكن كل الدلائل تشير الى حد الان بان المعسكر المؤيد لاجراء الانتخابات فى موعدها سوف يفوز فى النهاية بسبب اعتمادها على قانون ادارة الدولة العراقية الشرعية الدولية المتمثلة فى قرار مجلس الامن رقم 1546 الذى حدد فى مادته الرابعة الجدول الزمنى لاجراء هذه الانتخابات. و الموقف هذا هو صحيح و له شرعيته فيما يتعلق بموعد الانتخابات و لكن القانون الدولى فى بنوده المتعلقة بالانتخابات يضع شروطا اساسية يجب توفرها فى اية عملية انتخابية ديمقراطية او نظام انتخابى لضمان شرعيتها حسب القانون الدولى.
هذه الشروط او القسم الاكبر منها هى ليست متوفرة الان فى الحالة العراقية بسبب الوضع الامنى و بعض الخلل فى تنظيم الانتخابات المقبلة لذا يجب اعادة النظر فى مسالة موعد اجراء هذه الانتخابات الى ان يتم الاستجابة الى الشروط المطلوبة.

الانتخابات و شروطها فى القانون الدولى

كمبدا رئيسى فان الدول هى حرة فى اختيار انظمتها الانتخابية و لكنها ملزمة بالتقيد بالشروط الاساسية التى وضعها القانون الدولى كالحد الادنى لاعتبار انتخابات ما شرعية لان الانتخابات كوسيلة لترجمة الارادة العامة الى حكومة تمثيلية تحكمها قواعد القانون الدولى و خاصة بعض البنود فى معاهدات حقوق الانسان.
و من ابزر هذه البنود هى المادة الحادية و العشرين للاعلان العالمى لحقوق الانسان حيث جاء: "( 1 ) لكل فرد الحق في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده اما مباشرة واما بواسطة
ممثلين يختارون اختيارا حرا.
( 2 ) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.
( 3 ) ان ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على اساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع او حسب اي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت."

و المادة الخامسة و العشرون من العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية حيث جاء: " يكون لكل مواطن، دون اي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2، الحقوق التالية، التي يجب ان تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
(ا) ان يشارك في ادارة الشؤون العامة، اما مباشرة واما بواسطة ممثلين يختارون في حرية،
(ب) ان ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن ارادة الناخبين،
(ج) ان تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده."


و هناك العشرات من القرارات الدولية الاخرى و العديد من المعاهدات الاقليمة لحقوق الانسان بشان الانتخابات و شروط اجراءها منها قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر فى 17.12.1991 حول دعم و اسناد فعالية مبدا الانتخابات الدورية و النزيهة حيث جاء فى الفقرة الرابعة: " عن ان تحديد ارادة الشعب يتطلب عملية انتخابية توفر فيها الفرص المتساوية لكل المواطنين لترشيح انفسهم و التعبير عن ارئهم السياسية كفرد و جماعات و بالتعاون مع الاخرين.

و فيما يخص بالانتخابات العراقية حيث تشترك فى هذه العملية ايضا اطراف دولية على راسها الولايات المتحدة الامريكية و المملكة المتحدة خاصة فيما يتعلق بتوفير الامن لاجراءها حسب قرار مجلس الامن رقم 1546، يجب الاشارة هنا ايضا الى المادة الثالثة من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لسنة 1950 و المادة الثالثة و العشرون من الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لسنة 1969، و وثيقة كوبنهاغن الصادرة من قمة الدول الاعضاء فى مؤتمر الامن و التعاون فى اوربا لسنة 1990 المتعلقة بشان شرعية الانتخابات و شروط اجراءها و خاصة الفقرات 5-8 التى نتص على ان اجرء الانتخابات فى فترات زمنية معقولة من خلال الاقتراع السرى او ما يعادله و تحت شروط تضمن للناخبين حرية التعبير عن الراى لاختيار مرشحيهم.

و كما ان هناك الكثير من اراء فقهاء القانون الدولى حول شروط شرعية و نزاهة الانتخابات يمكن تلخيصها كما يلى:

1.وجوب توعية الناخبين بصورة كافية خلال فترة الدعاية الانتخابية عن برامج و هوية كافة الكيانات السياسية المشتركة فى هذه الانتخابات من احزاب و مرشحين لتمكين الناخبين من اتخاذ القرارات الواعية تنعكس على نتائج الانتخابات.
2.يكون بمستطاع الناخبين الادلاء باصواتهم بحرية تامة و بدون تدخل من قبل اى شخص او طرف اخر او تاثير ناتج عن الرشوة و الضغط و الاكراه.
3.ضمان حرية الصحافة و الدعاية الانتخابية.

فى حالة تطبيق هذه الشروط المتعلقة بانتخابات حرة و عامة و تعددية و نزيهة بموجب القانون الدولى، على الحالة العراقية يتبين لنا بان هناك فجوة كبيرة بين هذه الشروط و الاوضاع الميدانية السائدة فى العراق سواء فى مجال الامنى و المجال التنظيمى للانتخابات.

الانتخابات العراقية و شرعيتها فى ظل القانون الدولى

ان النظام الانتخابى العراقى ابتداء بقانون ادارة الدولة العراقية الى قرارات سلطة الائتلاف المؤقتة و انتهاء بقرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى العراق تتوفر فيه من الناحية النظرية كافة شروط القانون الدولى بشان الانتخابات الديمقراطية. و لكن مسالة الانتخابات هى ليست معركة فلسفية يخوضها الكتاب و المفكرين بواسطة اقلامهم على الورق بل هى عملية ميدانية واقعية ملموسة تشترك فيها شرائح واسعة من المواطنين ولذلك يجب تهيئة الظروف المناسبة من الناحية العملية ايضا لضمان اشتراك المواطنين المؤهلين فى العملية الانتخابية لجعلها انتخابات عامة و حرة و نزيهة وفقا لمتطلبات القانون الدولى.

ففى الحالة العراقية فان اجراء الانتخابات فى موعدها المقرر سيكون له شرعيته من ناحية التوقيت الزمنى و لكن من الناحية العملية فان هذه الانتخابات يمكن ان تصطدم ببعض المبادئ الاساسية للقانون الدولى المتعلقة بالانتخابات مما قد سيؤدى الى ظهور شكوك حول مصداقيتها و شرعيتها و خاصة فيما يتعلق بالمبادئ التالية:

1.مبدا الانتخابات العامة: هذا هو من اهم مبادئ الانتخابات فى القانون الدولى اذ ينص على حق كل المواطنين المؤهلين قانونيا الاشتراك فى العملية الانتخابية و على قدم المساوات سواء عن طريق ترشيح انفسهم او عن طريق التصويت لاختيار من ينوب عنهم فى حكم البلاد. فى الحالة العراقية فان تحت الظروف الراهنة يستحيل الوفاء بهذا المبدا بصورة كاملة لسببين رئيسيين و هما اولا: الاوضاع الامنية فى بعض المناطق، خاصة فى المناطق ذات الاكثرية السنية العربية و التى سوف تعيق بشكل كبير حق الناخبين من ممارسة حقهم هذا بسبب تهديدات الجماعات المسلحة التى اطلقت تهديدات بالقتل ضد كل من يشترك فى العملية الانتخابية و نفذت بعض تهديداتها بالفعل. و ثانيا: وجود خلل فى تسجيل اسماء الناخبين فى بعض المناطق اذ بلغت نسبة استمارات تسجيل الناخبين الغير الصحيحة فى بعض الحالات الى 85% كما هو الحال فى اربيل مثلا و فى بعض الاحيان لم يتم تسجيل اسماء الكثير من الناخبين المؤهلين اصلا كما هو الحال فى المحافظات ذات الاكثرية العربية السنية و كركوك لاسباب امنية و فى حالة كركوك لاسباب عرقية. لذلك فان الانتخابات العراقية المقبلة سوف لا تكون انتخابات عامة بصورة كاملة كما جاء فى الجزء الثالث الفقرة الثامنة من القانون الانتخابات العراقية بسب حرمان شرائح واسعة من المواطنين العراقين من حقهم فى التصويت.

2.مبدا التمثيل العادل: مبدا التمثيل العادل ينص على ان المجالس التشريعية المنتخبة يجب ان تكون بمثابة مرات للمجتمع ككل بحيث تكون كافة شرائح المجتمع بشرائحه الدينية و الطائفية و العرقية ممثلة فى هذه المجالس تمثيلا عادلا. فى المجلس الوطنى العراقى المقبل سوف يستحيل تحقيق هذا الهدف فى ظل الاوضاع الامنية الراهنة و سوء تنظيم العملية الانتخابية من الناحية الادارية بسبب عدم قدرة النسبة الكبرى من الناخبين فى المناطق ذات الاكثرية السنية العربية و كركوك نظرا للاوضاع الامنية الصعبة او بسبب عدم تسجيل اسمائهم كناخبين اصلا و بهذا سوف لا يكون بوسعهم انتخاب ممثلين لهم يمثلهم فى المجلس الوطنى العراقى المقبل. وكما ان قسما كبيرا من الشعب الكلدواشورىالسريانى و التركمان و الكورد سوف يصعب عليهم انتخاب ممثليهم بسبب تمركزهم السكانى فى بعض المناطق الغير الامنة كالموصل او بسبب حرمانهم من حق الاشتراك فى العملية الانتخابية من جراء الظلم الذى عانوه كنتيجة لعمليات الترحيل القسرية على يد النظام السابق.

3.مبدا المساوات: هذا المبدا ينص على ان كل المواطنين المؤهلين قانونيا يجب ان يتمتعوا بحقهم فى الاشتراك فى العملية الانتخابية حسب القانون الدولى بغض النظر عن انتمائهم الدينى و الطائفى و العرقى و الطبقى و الجغرافى. و لكن هناك شكوك ملموسة حول امكانية الوفاء بهذا المبدا فى الانتخابات العراقية المقبلة لان اكثرية الناخبين فى المناطق ذات الاكثرية السنية العربية سوف يحرمون من هذا الحق بسب الوضع الامنى و بعكس اخوانهم من الشيعة و الكورد حيث تتمتع مناطقهم باوضاع امنية هادئة نسبيا و هذا سيشكل اجحافا و تميزا بحقهم بسبب تمركزهم الجغرافى و انتمائهم الطائفى. و كما ان حرمان الكثيرين من المرحلين الكورد و التركمان و المسيحين بسبب انتمائهم العرقى و الدينى فى كركوك من حق الانتخاب يشكل خرقا واضحا لهذا المبدا ايضا.

4.مبدا الانتخابات الحرة: هذا المبدا ينص على ان الناخبين و المرشحين يجب ان يتمتعوا بكامل الحرية و فى ظل غياب كافة وسائل الاكراه و الضغط و التهديد لممارسة حقهم فى التصويت و خوض الدعاية الانتخابية مما يتطلب ضمان حرية الصحافة ايضا. فى الحالة العراقية سوف يكون من الصعب جدا الوفاء بهذا الشرط فى بعض المناطق المظطربة امنيا اذ هو من المنتظر بان لا تتوجه النسبة الكبرى من الناخبين فى هذه المناطق الى صناديق الاقتراع خوفا من العواقب الوخيمة التى تهدد بها الجماعات المسلحة المعادية للعملية الديمقراطية و ان الدعاية الانتخابية تكاد تكون شبه معدومة فى هذه المناطق و حتى اسماء العدد الاكبر من المرشحين فى هذه المناطق هى غير معروفة للناخبين و لا توجد هناك حرية الصحافة او التعبير عن الراى.

5.مبدا تسجيل كل الناخبين المؤهلين: ان عملية التصويت تتم عادة على مرحلتين، فى المرحلة الاولى يتم تسجيل اسماء الناخبين تسجيلا صحيحا و المرحلة الثانية و الاخيرة هى عملية الاقتراع نفسها حيث يدلى الناخب المسجل سلفا بصوته فى المركز الانتخابى المخصص له. و لهذا فاذا تم تسجيل اسماء الناخبين بصورة غير صحيحة او لم يتم تسجيلهم اصلا فانه يستحيل عليهم الادلاء باصواتهم. الحالة العراقية تظهر فى هذا المجال ايضا عجزا كبيرا اذ لم يكن بالامكان تسجيل اسماء العدد الاكبر من الناخبين فى المناطق ذات الاكثرية العربية السنية بسبب الاوضاع الامنية او احرقت استمارات تسجيل اسماء الناخبين من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة و كذلك فى مناطق اخرى ككركوك و اربيل لم يتم تسجيل اسماء عدد كبير من الناخبين او تم تسجيل اسمائهم بصورة غير صحيحة لاسباب ادارية بقصد او بدون قصد.

6.مبدا الشفافية و المصداقية: شفافية و مصداقية الانتخابات هى من الاركان المهمة لضمان شرعية الانتخابات و هذا يتم عادة التاكد منه من خلال حضور مراقبى الانتخابات من الداخل و الخارج. و لاجل الوصول الى هذا الهدف فلا بد من تهيئة الظروف الامنية المناسبة لحضور هؤلاء المراقبين. و الناحية الامنية تشكل بالتحديد العائق الرئيسى امام حضور مراقبى الانتخابات فى الانتخابات العراقية مما سيلقى بظله على شرعية و مصداقية هذه الانتخابات.

و كما ان هناك مشاكل اخرى عالقة تلقى بظلها ايضا على شرعية و مصداقية الانتخابات العراقية كالمشكلة المتعلقة بتفيذ المادة الثامنة و الخمسون من قانون ادرارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية المتعلقة بحل النزاعات الملكية و العقارية و غيرها من اجل رفع الظلم الذى سببته ممارسات النظام السابق المتمثلة بتغير الوضع السكانى لمناطق معينة منها كركوك و من خلال ترحيل و نفى الافراد من اماكن سكناهم. و من المعلوم بان هذه المشاكل العالقة اصبحت الان عائقا رئيسيا امام اشتراك شرائح واسعة من المواطنين فى المناطق التى شملتها عمليات التهجير القسرى سابقا مما ادى الى انسحاب العديد من الكيانات السياسية من العملية الانتخابية و خاصة فى محافظة كركوك احتجاجا على عدم تنفيذ هذا البند من بنود قانون ادارة الدولة العراقية.


و من هنا يمكن القول بانه اذا كان الغرض الرئيسى من وراء اجراء الانتخابات العراقية كان انتخاب حكومة انتقالية تمثل كافة شرائح المجتمع العراقى تمثيلا عادلا فانه لا بد من تاجيل هذه الانتخابات و الا ستبقى الشكوك على شرعيتها و مصداقيتها ترافقها مما يمكن ان تؤدى بدورها الى المزيد من التدهور فى الوضع الامنى.

و فيما يتعلق بالية تغير موعد الانتخابات من الناحية القانونية فان هذه الالية هى واضحة:

الية تغير موعد الانتخابات العراقية

ان تغير موعد الانتخابات يعنى تغير الجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية كما جاء فى المادة الثانية فى قانون ادارة الدولة العراقية الصادر من مجلس الحكم السابق فى اذار 2004 و هو بمثابة القانون الاعلى للبلاد اى الدستور. و تغير بنود الدستور يحتاج عادة الى اجراءات قانونية خاصة من حيث الاكثرية النوعية لصالح تغيرها فى المجالس التشريعية و النصاب و اجرءات اخرى تحددها دساتير الدول.

ففى الحالة العراقية فان المادة الثالثة من قانون ادارة الدولة العراقية قد حددت الية تغير بنود هذا القانون اى باكثرية ثلاثة ارباع اعضاء المجلس الوطنى و اجماع مجلس الرئاسة و لكن الالية هذه لا تشمل تغير المادة الثانية اى الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية و لهذا فان هذه الالية لا تضمن الغطاء القانونى للمجلس الوطنى لتاجيل موعد الانتخابات. و حتى لو كان الحال بعكس ذلك لكان من المستحيل بالنسبة للمجلس الوطنى القيام بهذه المهمة بسبب قرار مجلس الامن رقم 1546 و الذى اكد فى مادته الرابعة على الجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية الذى يبدا من 30.6.2004 و ينتهى فى موعد اقصاه نهاية الكانون الاول 2005. و من المعلوم بان قرار مجلس الامن هذا قد صدر بموجب الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة و بذلك هو من ضمن اطار القانون الدولى الاجبارى jus cogens لا يجوز التصرف به من قبل الدول و يتصدر القمة فى الهرم القانونى و فوق دستور الدول و بهذا فان هذا القرار هو فوق قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لا يجوز للمجلس الوطنى التصرف به.

لذا سيبقى مجلس الامن هو السلطة الوحيدة للاقرار على تاجيل موعد الانتخابات مما يتطلب سلفا مداولات غير رسمية بين الحكومة العراقية و اعضاء مجلس الامن و خاصة الاعضاء الدائمين لضمان الاكثرية اللازمة لتمريمر قرار جديد بصدد تغير الجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية.
د.كمال سيد قادر
[email protected]