ها نحن مرة أخرى نودع ونستقبل، ليس اخا ولا قريب تاه في ضياع المنفى كما هو حال العراقيين، بل نودع عاما ونستقبل آخر، نرفع ايادي الوداع للذي مضى، ونستقبل القادم بباقات الورود.. من حقنا ان نفرح او حتى نصطنع الفرحة، فنحن بشر كما هو حال البشرية في هذا الكون.. اننا عالم انسيّ وان طوقه الالم ستبقى في اعماقه انشوده للفرح تتحين الفرص حتى تقفز مغنية ، تنشد ابتسامة على وجوه الاطفال، وقديما قالوا:
( ما انبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه ان يغني انشودة مع القلوب الفرحة ).
في الثمانينات من القرن الماضي ونحن في مقتبل العمر كنا نلمس همسة الاخاء والشعور الانساني المحبة بين الناس، نشعر بالترابط الوثيق لا نعلم ما هو مل هي طبيعته من اين اتى؟ متى نشـأ ؟
كل ما نعرفه اننا نحب الجار ونشتاق الى القريب ولنا ارتباط وثيق الى ما يسمى بـ (اهل المنطقة ) ونشعر انهم جزء منا رغم جميع ما بيننا من سوء للفهم، حيث انهم لا يتجاوزون في الغالب خطوط ( العشرة والطيبة ) الحمراء.
ليس الحياة وردية بكل تاكيد، لكنها كانت مختلفة الى حد بعيد عما هي عليه اليوم... حيث اختفت البسمة وجفت الدمعة رغم كثرة الثكالى في بلدي رجالا ونساءا، ان ذلك هو الجفاف والتصحر العاطفي، وهي مرحلة خطيرة جدا من الناحية الاجتماعية والنفسية.
لقد اصبحنا اليوم مكائن لا تعمل ولا تفكر ولا تهتم الا بالمال، لم تعد العلاقات بين الاصدقاء والارحام الا وجه اخر للمصلحة المتخفية وراء مقولات لا زالت متوارثة من قبل، لكنها لم تعد الا مفردات فقط مفرغة تماما مما تعنيه.. انها الغربة في الوطن، انها المأسات بغض النظر عن الاسباب والدوافع فالخوض في تفاصيل ذلك متروك لعلماء الاجتماع فهم اصحاب الشان في ذلك المجال.
لقد اصبح الكثيرون منا على استعداد تام ان يقدموا مصلحتهم الشخصية فوق مصالح الجميع، بدون ان يشعر الفاعل بادنى تانيب للضمير... هذه طامة كبرى نزلت من قبل من نصبوا انفسهم على ذمم ومصالح الشعوب.
ظاهرة الفساد الاداري انعكاس فاضح لذلك المشهد، وتفشيها بهذه الصورة الصارخة يستدعي معالجات ذات افق ابعد مما تعنيه الرقابة، انها مرتبطة بإسفين بين الوطن والمواطن الذي لا يعنيه الوطن الا الويلات، وحينما ان يجد فرصة مناسبة فهو على استعداد للانتقام من الوطن... هذا بالضبط ما هو حاصل في اغلب دوائر الدولة العراقية... ان العراقي الان يعتبر المسؤلية التي بين يديه فرصة ذهبية قد لا تتكرر، مما يدفعه كي يستحوذ ما يطمئن مستقبله وعياله لعقود قادمه.
الوضع لم يعد قابلا للتداوي بالترقيع، بل لابد من استنفار النخبة وفتح الملف امام المعالجات، والا فالسئ ما هو حاصل وفي الطريق ما هو اسوء من ذلك في حرمان كبير يلف الاغلبية من هذا الشعب، اننا نواجه موت الاحساس والتصحر الانساني حتى اصبح العراقي آلة مفرغة من العاطفة والمشاعر بل هو قنبله موقوته معبئة للانفجار قد تنفجر في اي لحظة تدمر نفسها والاخرين ولا غرابة ان يذبح ويدمر في لحظة من الزمن فقد قضى عقودا من الضغوطات لازالت حتى هذه اللحظة.
لذلك فالجميع مطالب بمعرفة كيفية المحافظة على شعرة الضمير
جمال الخرسان
كاتب عراقي
[email protected]