لا أحد يعرف هذه الأيام كيف يشعر قادة البعث السوري و كيف ينامون وماذا تراودهم في لحظات يقظتهم و في نومهم و هم يرون نظرائهم قادة البعث العراقي خلف القضبان مع أنهم ما يزالون يسكنون القصور الوارفة و يركبون السيارات الفارهة و ماذا يخيم عليهم مع ما يثقل ظهورهم من تراث ثقيل و تركة سوداء تراكمت عبر سنين من ممارساتهم الرعناء.

رصيدهم كبير حول بعث الأمة ـ إعادة ولادتها ـ الذي ورثوه أو استوردوه و استلهموه من الفاشية الإيطالية و النازية الألمانية في تناغم كارثي تراجيدي بين الكلمات و الكلمات و الأحداث و الأحداث و لا أحد يدري كيف تصل الأمور إلى هذا التشابه بين الشعارات و المنطلقات إلى حد التوأمة أو التزاوج أو التوريث ـ فالبعث قدر الأمة العربية ـ كما هي ـ الفاشية قدر الأمة الإيطالية ـ أو كما هو الحق الإلهي عند هتلر و ـ عقيدة البعث لا يمكن الوصول إليها بالعقل و لكن بالإيمان وحده ـ مثلما ـ الفاشية لا تناقش إنها تدرك بالإحساس ـ و ـ القدر الذي حملنا رسالة البعث أعطانا الحق في أن نأمر بقوة و نتصرف بقسوة ـ و ـ البعث هو الطليعة و على الجماهير أن تمشي ورائها ـ مثلما ـ الفاشية هي حكم الصفوة المختارة و عليها أن تقود الجماهير ـ و قد قال حافظ الأسد يوما لأخيه رفعت ـ تريد أن تطلق النار على النظام، أنا النظام ـ مثلما قال هتلر ـ أنا الشعب ـ.

إنه اختصار للوطن في ـ الطليعة أو النخبة ـ أو ـ الصفوة المختارة ـ و اختصار حاضرها و مستقبلها و حياتها و طموحاتها و حقوقها و واجباتها و التصرف و التفكير بدلا عنها و قسرا لها و من ثم اختصار الطليعة في ـ الزعيم الأوحد المؤبد الملهم المقدس ـ أو ذو الوجه القدسي الذي يجب أن يكون قبلة ـ الأمة ـ....الخ من حكايات الأدب البعثي.

و لقد كان هذا الاختصار اختصارا قسريا لم يعرف حرمة لشرع و لا لدين و لا لمروءة و لا لشرف تماما كما قال عفلق ـ إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة خولنا أيضا حق الأمر و الكلام بقوة و العمل بقسوة لفرض تعليمات الحزب ـ و لذلك أبدع فرسان البعث في دك البيوت فوق ساكنيها بمجرد الشبهة و ارتكاب المجازر التي لا يحصى ضحاياها و أبدعوا في مسرحيات الموت من حلبجة إلى حماة إلى البصرة إلى تل الزعتر إلى جسر الشاغور..الخ و قادوا سورية الى التخلف و التخليف و الفقر و الخارج تاريخية بفضل سياساتهم الثورجية و العنترية و الارتجالية مما قلب السورين على وجوهم في القارات الخمس مما دعا أحد كبار الأدباء السوريين لأن يطالب بأن تعامل الحكومة الشعب كما يعامل الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين.... و لكن المسرحية متعددة المشاهد و متقلبة الوجوه كأنها ـ فلم هندي ـ فبعد أن كان شاعر البعث ينشد أمنت بالبعث ربا لا شريك له نرى من صدق المرحوم علي الوردي ـ بتسميتهم وعاظ السلاطين ـ يتسابقون في تبرير جرائم البعث فهاهما زياد الأيوبي و محمد سعيد رمضان البوطي ـ يتسابقان في و صف كل ما حدث بالأعمال النبيلة التي تبتغي مرضاة الله و تستند الى فقه مسؤولية الحاكم عند جمهور العلماء السلف و الخلف السنة و الشيعة. إذا كل شئ كان ابتغاء مرضاة الله و لكن الله يغفر و التوبة واردة فهل هي مقبولة من جميع المعتقلين و المنفيين و المفقودين و هل إن تاب هؤلاء حسب فقه الأيوبي و البوطي سيعودون الى أهليهم أم أنهم سيصلون الجحيم رغم توبتهم...


rien.doc (Binary attachment)