أن ما نراه اليوم من أندفاع محموم وحماس مبالغ فيه لدى الكثير من العراقيين لأجراء الأنتخابات في موعدها المقرر الذي بات شبه مقدساً كان بسبب دعوة أطلقها بعض المراجع الكرام شجعت على أجراء الأنتخابات في أسرع وقت ممكن في حال سمحت الظروف بذلك أملاً في أن تمهد السبيل لأستقرار الوضع في البلاد.. ولكن ما حدث هو أن بعض الأحزاب تلاقفت هذه الدعوة الكريمة وروجت لها بين الناس على أنها فتوى من قبل المرجعية ينبغي أتباعها وتنفيذها بأسرع وقت ممكن وبأي شكل من الأشكال كون أجراء الأنتخابات في هذا الوقت وفي مثل هذه الظروف بالذات يصب في
مصلحة هذه الأحزاب التي تريد أستثمار حالة الغيبوبة التي لا يزال يعيشها الشعب العراقي نتيجة 35 سنة من القمع والديكتاتورية وسنتان من الفوضى وأنعدام الأمن للوصول الى السلطة نتيجة لخوفها من عدم حصول ذلك في حال جرت الأنتخابات في ظل ظروف طبيعية وأوضاع أعتيادية في المستقبل.
أن الكثيرين من أبناء الشعب العراقي ينظرون اليوم الى موضوع الأنتخابات على أنه فتوى أطلقتها وأمرت بها المراجع الأسلامية في البلاد وبالتالي يتوجب على جميع مقلدي المرجعية الألتزام بها وتنفيذها مهما كلف الأمر.. ولو كان الأمر معكوساً أي لو كان رأي المرجعية هو عدم أجراء الأنتخابات في هذا الوقت وفي مثل هذه الظروف لفًهم الأمر حينها على أنه فتوى بعدم المشاركة في الأنتخابات ولرأينا من يُنظّرون لنا الآن عن أهمية الأنتخابات وضرورة أجرائها يتحدثون اليوم بملأ أفواههم عن مثالب هذه الأنتخابات وأضرارها على مستقبل البلاد.. وهو ما يحدث الآن بالفعل مع دعوة أطلقها أحد التيارات الدينية في البلاد دعى فيها الى عدم المشاركة في الأنتخابات أذ نرى أن أتباع هذا التيار ومريديه يتحركون اليوم على النقيض تماماً من تحرك أتباع ومريدي التيارات والمرجعيات الأخرى ولا تفوتهم مناسبة أو خطبة دينية ألا ويتحدثون فيها عن مثالب هذه الأنتخابات وأضرارها.
عُرف عن المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف بُعدها عن السياسة وتجنّبها للخوض في تفاصيلها الدقيقة لذا فأن أستغلال البعض لمسألة دعم المرجعية للأنتخابات كممارسة ديمقراطية في لي أذرع شركائهم في الوطن بشكل غير مسؤول وكذلك الترويج لمقولة أن المرجعية التي عُرِف عنها أحتضانها لجميع أبناء الشعب العراقي على أختلاف مشاربهم وقومياتهم وطوائفهم وحرصها على مصلحتهم جميعاً تدعم قائمة أنتخابية عراقية دون غيرها من القوائم العراقية الأخرى لن يؤدي سوى لشق الصفوف وبث الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد وهو ما لا ترضاه المرجعية أبداً بل
أنني على ثقة بأنها ستقف بقوة بوجه كل من يسعى لذلك. أن الأنتخابات هي وكما قلنا وسنظل نكرر وسيلة يراد منها الوصول الى الديمقراطية
التي تمثل الغاية والهدف المنشود لكل أنسان حر في هذا العالم ولكن قبل البدء بممارسة هذه الوسيلة لا بد من توفر مجموعة من المتطلبات التي من المفترض أن تؤدي الى أنجاح هذه الممارسة وبالتالي أيصالنا الى بر السلامة المتمثل بنظام حكم ديمقراطي.. أذ بدون توفر هذه المتطلبات أو بوجود خلل في أحداها ستسير هذه الممارسة بشكل خاطيء وبالتالي من الممكن أن توصلنا الى بر الندامة أي الى نظام حكم شمولي جديد بأسم وشكل مختلفين ولكن بنفس الأفكار والتوجهات.. وكما تمكنت حفنة من العسكر قبل نصف قرن من الزمان من أستغلال حالة الهيجان الشعبي لدى شرائح واسعة من الشعب العراقي نتيجة تردي الوضع الأقتصادي للقفز على السلطة وتحويل العراق من بلد شبه ديمقراطي يمتلك مؤسسات حكم دستورية الى بلد شمولي
محكوم بأجهزة بوليسية يحاول البعض اليوم أستغلال طيبة العراقيين والوضع الأقتصادي الصعب الذي تعيشه شرائح واسعة منهم للقفز الى السلطة وأدخال العراق من جديد في نفق ديكتاتوري مظلم لا نهاية له في هذه المرة الى أن تقوم الساعة. لذلك يجب التفريق بين الفتاوى الدينية للمراجع العظام التي يتحتم على مقلديهم تطبيقها وبين الممارسات الدنيوية العادية كالأنتخابات التي من الممكن أن تتغير بتغيّر الظروف المحيطة بنا.. فأقوال وفتاوى المراجع هي أشبه بالأمر أو الغاية التي يجب على مقلديهم الوصول أليها وتحقيقها بأي شكل من الأشكال أما الأنتخابات فهي ممارسة تقبل الصواب والخطأ من الممكن أن نحدد موعدأ معيناً للقيام بها أو قد نضطر الى تأجيل هذا الموعد لفترة من الزمن لحين توفر الظروف التي من شأنها
أنجاح هذه الممارسة التي يتقرر على أساسها مصير الأمم.

مصطفى القرة داغي
[email protected]