شعوب العالم كافة لا تستطيع أن تنام على ظيم الاحتلال لذا نجدها ترخص الفداء.. وترخص الدم في سبيل أستقلالها المنشود والنظال ضد الاحتلال بأخذ شكلا واشكالا.. أساليب المطلوب منها الاخذ بتلابيب المحتل عن طريق الثورة المسلحة كما حصل في كوبا بدعم من جيفارا أو بأسلوب آخر وهو العصيان المدني والامتناع عن دفع الضرائب.. أو مقاطعة بضاعة دولة الجيش المحتل كما حصل في الهند على أيام غاندي.

بعض الاحيان في بعض الدول تختلط الاوراق ولكنها لا تختلط كما خلطها نفر منا تقدموا قافلة عريضة من جواز الاحتلال للعراق... حتى يتخلصوا من نظام صدام حسين.

والعجيب في الامر وبدافع اليأس والقنوط الذي طغى بموجته القاسية على الذين أضطروا مكرهين لمغادرة الاوطان والنأي عن الاحباب والاصحاب.. وصوت الظلم والقسر والاذلال لا زال يضرب ظهورهم وهكذا تجمع الاغراب في مراكز متعددة في العالم.كان بعضهم محضوضا بالوصول عن طريق عصابات التهريب وآخرون أصبحوا طعاما لسمك القرش ومنهم من تعفنت أقدامهم من سراديب السجون في الدول الاوربية ومع ذلك أستمرت الهجرة والهجرة حالة وحاجة ملحة تتلازم بحب الانسان للبقاء حتى أصبح مجموع العراقيين أكثر من 5 ملايين في المهجر هم عراقيون مواطنة وعراقيون شعورا وعراقيون جذورا لا الزمن ولا الظروف يجعلهم مقطوعي الصلة بالوطن الاصلي وطن الكل جامع الكل في بودقة الحياة المستمرة لاعظم حضارة هو العراق.

تجمع أولائك وهؤلاء وكأن كل الطرق تؤدي الى لندن كما كان سابقا تؤدي الى روما والاسباب معروفة منها يسر وليونة القوانين الانكليزية في تعاملها مع اللآجئين ومنها الدعم المادي الذي تقدمه الدول من مسكن وطب ودراسة مجانية حتى أصبحت الجالية العراقية في لندن بمستوى الجالية الهندية.

ما هي نفسية المغتربين هؤلاء الآن وبعد أن تخلصوا من صدام حسين وهم بدأوا يواجهون قسوة الاغتراب والحنين الى العراق ومشاكل تربية الاولاد في هذه المجتمعات الغريبة عن حواضرهم ومفاهيمهم وتقاليدهم وخشيتهم كانت على بناتهم المراهقات.

وكان الواقع يقول على المغتربين أن يرضوا ما صاروا عليه وهم قياسا أحسن بكثير من اللآجئين في باقي الدول العربية والمجاورة. وخاصة أن هيمنة مخابرات صدام كانت قوية ونافذة في لندن لدرجة أنه أستطاع كما أوضح السيد رئيس الوزراء بالاعتداء عليه وضربه بالفؤوس هو وزوجته ووالد زوجته في غرفة نومه. وكأن العراقيون كانوا نياما سباتا حتى أنتفاضة شعبان التاريخية.

فتفتحت أوراق الامل الوردية وجددت الآمال وشحذت الهمم وتكاتفت الارادات بوجوب الخلاص من نظام دموي أرهابي وبدأت سلسلة الاجتماعات التداولية والتجمعية والتوعوية في كافة أنحاء بريطانيا. الكل يعمل تحت شعار واحد

عراق ديمقراطي مميز وسقوط نظام فاشي دموي.....

ثورة شعبان بعثت الامل للخلاص الوطني حتى أن الهوس في هذا الخلاص جعل الكثير يعلنون عن تشكيل الوزارات وتعيين الوزراء والكل متحمس والبعض منهم هيأ حقيبة سفره لتولي السلطة.

الا أن الرياح لم تجري كما يشتهي السفن وبخطة أمريكية وبتمكين الحرس الجمهوري من فك طوق حصار الجيش الامريكي الذي كان على مشارف بغداد. أستطاع صدام مع علي كيمياوي وزمرة المافية على قمع الانتفاضة بقسوة ما بعدها قسوة متجاوزين كل الحدود الدينية والاخلاقية حتى أنهم لم يتورعوا عن قصف مرقد الحسين الشهيد. وهكذا بدأت مرحلة القتل العشوائي والجماعي وبدأت التصفيات المذهبية وكل من يناوىء النظام ودفنوا الضحايا في مقابر جماعية ولا يزال التنقيب مستمر للتعرف على باقي المقابر الجماعية.

لله درك يا صدام كيف أستطعت أن تكون هولاكو العصر الحديث وكيف أستطعت أن تدفن الآلاف وهم أحياء حتى أنك بقسوتك المتناهيةهذه فقت قسوة اليوغسلاف ضد المسلمين الالبان في كوسوفووهم يختلفون في الدين والعنصر.

في حين أن المقابر الجماعية لا تحتوي الا فقط على جثث المسلمين العراقيين.

ولله درك يا ضمير صدام كيف تدع صاحبك أن ينام وأنت مثقل بهذه الجرائم التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر وتركت في كل دار ثكالى، يتامى،أرامل يبكون بدمع من دم على القتلى والضحايا هؤلاء الملايين يتساءلون كيف يطلب صدام من المحامين العرب أن يدافعوا عنه في المحكمة العليا الخاصة، أي دفع يستطيع هؤلاء المحامين أن يقدموه ليرجعوا حياة الضحايا وشهداء التعذيب والذين ماتو وهم أحياء في المقابر الجماعية وكيف نستطيع أن نرجع جميع هؤلاء الى ذويهم المفجوعين.

بدأت هذه المعارضة تجد لها فسحة في تطبيق العدالة والسعادة في الاعمار والبناء. ورغم أن الاحتلال قاسي ومرير ولكن تبقى ذكريات أنتهاء حكم صدام لذيذة في ذهن الذين تضوروا من الظلم على مدى ثلاثون عاما.

أنا لست مع الذين أرادوا أقرار قانون يجعل سقوط نظام صدام يوم أستقلال وتحرير فلا زال الطريق طويلا طويلا لان يصل الشعب الى هذه الامنية العظيمة.

لنكن منصفين مع التاريخ ومع أنفسنا شمس الحرية المفروض تواجدها يوم سقوط النظام الفاشي لمن هذه الحرية.. لشعب لم يمارسها.. بل لم يألفها لفترة أربعة عقود عاش بين القبر بعد موت يخطط له صدام وزمرة صدام ومخابراته وبين القنوط والقنوع يسيران في طريق الذل والطاعة كما تسير النعاج الى مصيرها.

لا أستطيع أن أرى شعبي وأناسي العراقيون الا وهم في كهف مظلم وظلام دامس معصوبين العينين فاقدي الارادة يتحكم بهم جلاد مجنون تعاونه مرتزقة يحترفون القتل ويصدرون الموت ويبنون المقابر الجماعية.

هذا الشعب حين غفلة صطعت أمام عينيه اضواء شديدة الانبهار قوية ساطعة كنور الشمس فاختلت موازينه وأخذ يتخبط ويحاول أن يجد أهداف تخدم المصالح العليا للشعب وهكذا وجدنا صدور 186 صحيفة وأنبثقت مئات الاحزاب وأن تشابهت في أنظمتها ولكنها أختلفت في الرؤيا وتخطيط المستقبل منها ما يعتقد أن الامريكان الذين أزالوا صدام لا بد من بقاءهم ليكملوا المسيرة نحو التطور ونحو الديمقراطية والآخرون لهم رؤيتهم الاخرى التي تطلب ذهاب الاحتلال والتمتع بأنجاز الاستقلال السريع وبناء العراق من جديد. وبين هذا وذاك ضاع الكثير في متاهات هذه الرؤيا وتلك النظرة.

فبدأت ركامات المصلحة الشخصية والتغلب الفئوي والصراع الطائفي والعنصري يظهر بشكل أوضح.

هذه الحالة وتخبط الشعب العراقي وعدم قدرته على معرفة مصلحته الآنية خلق حالة خطرة وبائسة أولها شجع ذوي الاطماع الاستراتيجية والمذهبية من دول الجوار أن تمد خرطوم مصالحها عبر الحدود، وهكذا نلاحظ تصاعد التصريحات من هنا وهناك وكأن العراق لا يعود للعراقيين وأنما هو مزرعة لذوي المصالح من الدول الاقليمية وغيرها. وثانيها تفرد الاحتلال بفرض أرادته المنفردة على كل مفاصل الحياة العراقية تشريعا أن أصدروا 90 تشريعا أقتصاديا أن فسحوا المجال للاقتصاد الحر وفتحوا أبواب الاقتصاد العراقي أمام كل جهة نستطيع أن لا نستثني أسرائيل من هذا السماح اذ لم يرد نصا أستثنائيا فيه.

برأيي هل نستطيع أن نوجه اللوم الى أمريكا لاتخاذ هذه الخطوات نحن أذا ما وضعنا أمام هذه الحقائق أهداف أمريكا من الاحتلال سواء أن كان أستراتيجيا أو تكتيكيا فأن أمريكا وهي تبذل المليارات على هذا الاحتلال وبقاء جنودها وضحايا هذه الحرب 1600 جندي أمريكي مع آلاف الجرحى كل هذا لم يكن من أجل سواد أعيننا أنما هي مصلحة أمريكية عليا لتكون اللاعب الوحيد في الساحة.

علينا وجوبا أن نتحد ونتراصف ونحدد مطالبنا بأنهاء الاحتلال أو تحديد مدة بقاءه والا سيبقى اللاعب الامريكي يلعب في مصائر شعبنا.

رئيس منظمة محامين بلا حدود

ونائب رئيس جمعية المحامين البريطانية/العراقية

E mail [email protected]