لا أنوي في هذا المقال الدفاع عن عائلة السيد محسن الحكيم أزاء (التهم) التي ساقها ضدهم السيد (خضير طاهر)في مقاله المنشور في (ايلاف) يوم الأربعاء 12-1-2005 تحت عنوان(عائلة الحكيم وفق المعايير الوطنية) لسببين: الأول: تهافت هذه التهم وسطحيتها وعدم ذكر الكاتب لأي (ادلة) حولها، وبهذا تظل مجرد تحامل مذموم يخرج السيد خضير طاهر من نطاق البحث العلمي الى نطاق الدعاية الرخيصة.كما ان هكذا اتهامات لن تهز مكانة عائلة الحكيم في قلوب ملايين محبيهم (وانا منهم) ولاتقلل من المكانة المرموقة لهذه العائلة المجاهدة في تأريخ العراق المعاصر.

والثاني ان عائلة الحكيم بتأريخها الناصع المعروف في كل العالم الأسلامي ليست بحاجة الى دفاع امثالي لتنال (براءتها) وهي في كل الأحوال لديها القدرة على رفع دعوى قضائية ( ان شاءت) امام المحاكم الأمريكية ( حيث يسكن السيد خضير طاهر ) لتعرضها للتشهير والقذف.

ان مايهمني هنا هو موضوعي المواطنة، و (العلمانية الليبرالية) التي قال السيد خضير طاهر انها ( حسمت) كشكل ومضمون ل(هوية العراق الجديد) وهي في الواقع لم تحسم لأن الأنتخابات لم تجر بعد، ولا ادري من اين اتى بهذه المعلومة.


اولا: المواطنة


قال السيد خضير طاهر ان ( الأب) محسن الحكيم رحمه الله ( كان يوقع مؤلفاته بأسم محسن الحكيم الطبطبائي الأصفهاني وليس محسن الحكيم النجفي العراقي( ثم يتساءل) فهل هذا تصرف وطني من رجل احتضنه العراق ووفر له فرص الدراسة والوجاهة الأجتماعية وهو ايراني حسب اعترافه من كتابة لقبه ).

ان هذا الكلام يوضح فهم السيد خضير طاهر للمواطنة وهو فهم (قومي عنصري) لايختلف عن (الفهم) الذي قاد الى طرد مئات اللاف من العراقيين الى خارج الحدود بحجة اصولهم الأيرانية رغم ان اغلبهم مواطنون مخلصون للعراق ولديهم شهادة الجنسية العراقية ولكن ( اعترافات) اسمائهم وشت بهم، فأحدهم مثلا طرد لأن اسم جده (غلوم). ان مفهوم المواطنة الحديث الذي تتبعه الدول (العلمانية الليبرالية) هو مفهوم يحارب التمييز العنصري ويتيح للمواطن الأعتزاز بجذورة التاريخية، ففي امريكا جالية عربية كبيرة لاتستحي من اسمائها العربية ولاتخفي ازدواج ولائها فتسمي ابناءها بالعرب الأمريكيين، وفي كندا حيث اعيش تدعم الحكومة الكندية خصائصنا العراقية وتشجعنا على عرض ثقافاتنا على الجمهور كي تتزاوج مع الثقافات الأخرى، وتعتز كندا بكونها بلد متعدد الثقافات. وتسمح كل الدول الديمقراطية لمواطنيها بأزدواج الجنسية الذي يعني في النهاية ازدواج الولاء، ولا ادل على هذا الكلام من مساعدة دول المهجرالغربية ( لمواطنيها) العراقيين، وهم الذين يحملون جنسياتها، على ممارسة انتخاب مجلس وطني أجنبي (عراقي) على اراضيها. فأي انغلاق اصاب ذهنك ياصاحبي( وانت مدعي الليبرالية) واي عيب في ان يذكر عراقي ان لقبه (اصفهاني)؟ وماذا لو طبّق منطقك عليك في امريكا وانت اسمك ليس بجون ولا اسم ابيك بمايك.وماذا لو هاجمك شخص امريكي بسبب كون اسمك عربي؟ هل تعلم كم ستحصل من الدولارات تعويضا لك عن تعرضك للتفرقة العنصرية؟الا تدري ان عراق اليوم سمح بأزدواج الجنسية الذي يتيح لك حمل الجنسية الأمريكية والعراقية في آن واحد ويسمح نظريا لزيد ان يحمل الجنسيتين الأيرانية والعراقية؟!الا تعلم ان كل العراقيين ينقسمون بين تبعية عثمانية او تبعية ايرانية ولافضل( لتبعية) على اخرى الا بالاخلاص للعراق؟!فكيف يجوز لك ان تعيّر عراقي بتبعيته الأيرانية وقد افنى عمره بين ناس هذا الوطن يشاركهم افراحهم واتراحهم ويخطيء ويصيب حاله حال باقي المواطنين.


ثانيا: العلمانية الليبرالية


احسن السيد خضير طاهر حين خصص العلمانية المطلوبة بتوصيفها باليبرالية لأنه ميزها ( عن قصد او دون قصد ) عن العلمانية الدكتاتورية فأراحنا من عناء التفريق بينهما لأن الفرق بينهما كبير، فصدام كان علمانيا ديكتاتوريا وتركيا علمانية نصف ديمقراطية في حين ان الدول الأوربية علمانية ديمقراطية والفرق بين الثلاثة معروف. ومازال السيد خضير طاهر من عشّاق العلمانية الليبرالية نود ان نذكره بان العلمانية الليبرالية لاتعني فصل المتدينين ورجال الدين عن السياسة وعن الدولة والمجتمع ورميهم في السجون، وانما تعني فصل الدين كتشريع عن الدولة اي جعل قوانين البلد قوانينا وضعية. ان فصل المتدينيين ورجال الدين عن السياسة يعني منع اي متدين او رجل دين عن ممارسة اي نشاط سياسي وفي هذا ذروة الديكتاتورية بل هو ديكتاتورية (لم تلدها ولاّدة) لحد الأن.اما فصل الدين عن الدولة فيعني فقط عدم تطبيق الشريعة الدينية، ولايعني ابدا ما ذهبت اليه بقولك ( التخلّص من شخصيات امثال الحكيم ومحسن عبد الحميد وحارث الضاري والسيستاني وغيرهم، فمن مصلحة العراق تحجيم هذه الأسماء وتنظيماتها ومنعها من ممارسة النشاطات السياسية ). وبالعكس مما تدعي فأن من مصلحة العراق دعم النشاط السياسي للتيار الديني السلمي اسوة بكل فعاليات المجتمع المدني لسببين: الأول ان هذا التيار يمثل في الواقع شريحة واسعة جدا من المواطنين العراقيين( اوسع حاليا من شريحة العلمانيين) ولايجوز بأي حال من الأحوال ( من المنظور الديمقراطي) حرمانهم من حقوقهم الوطنية والسياسية والفكرية. ثانيا ان منع النشاط السياسي للتيار الديني لايعني الاّ شيء واحد هو شق وحدة المجتمع ودفع الممنوعين الى العمل السري المتطرف بما فيه العنفي. ويفترض باليبرالين الحقيقين ان يشجعوا العمل السياسي العلني للتيار الديني مازال هذا التيار سلميا وملتزما باللعبة الديمقراطية، وكما هو معروف فأن هناك العديد من الأحزاب في اوربا (العلمانية) تحمل اسم ( المسيحية) ولم يقل احد امنعوهم لأن (ريحة) دينية تشم منهم، وفي مايخص العراق فأن اغلب عناصر التيار الديني وطنيون مخلصون ومسالمون قدموا تضحيات جمّة في سبيل العراق، وان اختلافنا الفكري معهم يجب ان لايعمينا عن حقيقة بطولاتهم الوطنية واخلاصهم للوطن. قد تقول لي انهم ضحوا في سبيل الدين لافي سبيل الوطن،وهذا غير صحيح، فلو تمعنت في الواقع لوجدت ان صدام لم يحاربهم لأنهم يصلّون ويصومون وانما حاربهم لأعتراضهم على ظلمه،فنضالهم نضال وطني (سياسي واجتماعي) باطار ديني، ولايقلل من فائدة واهمية ووطنية معارضتهم للنظام الصدامي المقبور تأطرها بأطار ديني،لأن نوع الأطار لايحدد وطنية المواطن ولايمكن حصر المواطنة بحملة فكر معين. ان معارضة الأحزاب الأسلامية لصدام كانت معارضة وطنية مخلصة ولايقلل من شأنها( في نظر الليبرالين) تأطرها باطار ديني. ومن الناحية الأجتماعية العلمية يعتبر وجود (المحافظين) في المجتمع ضرورة اجتماعية كضرورة وجود (المجددين) ولاتتطور المجتمعات بدون الصراع السلمي بين الطرفين. فالأول يحافظ على قيم المجتمع وثوابته والثاني يدفع بالمجتمع الى الأمام.بدون المحافظين ينفرط عقد القيم الأجتماعية ويصاب المجتمع بالتحلل، وبدون المجددين يتوقف المجتمع عن التطور والحراك.وبناء على ذلك يمكن القول أن اختفاء احد طرفي المعادلة يخل بتوازن المجتمع.

فاليبراليون( حتى لو كانت لهم الأغلبية) لايسعون الى خنق المحافظين او اقصائهم بل يتعايشون معهم باعتبارهم شركاء في الوطن ويمثلون جزء من المجتمع، كما ان لغة (تخلّص) و (حجّم ) التي استخدمها السيد خضير طاهرهي من مفردات الأنظمة الديكتاتورية فالديمقراطية لاتعرف هذه المفردات ولايحق لأي طرف ان يلغي او يحجم او يتخلص من الطرف الأخر الذي يختلف معه،ان الديمقراطي الحقيقي يقدم حياته ثمنا لتمكين من يخالفه الرأي من قول رأيه بحرية. وهذا لايعني عدم اظهار الخلاف معهم او عدم نقد فكرهم وسلوكهم السياسي، فأنا شخصيا انتقد بأستمرار ما اعتقد انه سلبي في الحركة الأسلامية العراقية من منظور علماني ودعوت نساء وشيعة العراق، في مقالة سابقة ( نشرت في ايلاف واعادت نشرها مواقع عدة بعضها اسلامية)، الى انتخاب العلمانيين وقلت ان انتخاب اغلبية اسلاموية سيؤدي الى اضطهاد المرأة وانتقدت بشدّة سعي الأحزاب الأسلامية الى الغاء القانون 188 لسنة 1959 الذي اعطى للمرأة العراقية حقوق لابأس بها، كما انتقدت سعيهم لجعل الأسلام دين الدولة، وسأستمر بنقدهم لأجتهاداتهم ولسلوكهم السياسي حين ارى ضرورة لذلك، ولكن نقدي لهم لايعني عدم احترامي لهم اواتهامهم بعدم الأخلاص للعراق او التجني على دورهم الوطني وانكار التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل الوطن،كما لا ادعي وانا انقدهم باني املك ناصية الحقيقة لوحدي، بل يعني ممارسة دوري كمواطن في توضيح مااراه صحيحا،مع الأقرار بأحتمال مجانبتي للصواب. اني وانت وهم (نجتهد) ونعرض بضاعتنا على الناس الذين سيقررون من يرغبون، ولانيأس ونلجأ للشتائم ونثر الأتهامات او العنف اذا فشلنا في اقناع الأخرين. ان الصراع الفكري ( لايفسد للود قضية ) اذا كان ذا طابع سلمي ومبني على احترام اراء ومعتقدات وكرامة الأخر وبدون هذا الأسلوب يعود العراق الى البداوة حيث الغزوات والكر والفر. وعلينا للأمانة التأريخية ان نقول ان كل الاحزاب العراقية الأسلامية الرئيسية تتبنى النهج السلمي حاليا وتمارس اللعبة الديمقراطية بصورة سليمة الى حد كبير( لحد الأن) وهذا يشجع القوى الديمقراطية على التعاون معها لبناء العراق،الذي هو بيتنا المشترك.


ثالثا: شهداء الحركة الأسلامية هم شهداء العراق.


قال السيد خضير طاهر ( اما الحجة التي تحاول عائلة الحكيم اضطهاد منتقديها بها واسكاتهم وهي حجة الضحايا من افراد اسرتهم الذين اعدمهم نظام صدام فهي حجة ضعيفة ولن تصمد فعائلة المجرم حسين كامل ايضا قدمت تضحيات)

هنا دخل خضير طاهر المنطقة المحظورة وارتكب جريمة شنيعة بحق الشعب العراقي هي جريمة المساواة بين شهداء الشعب العراقي الذين وهبوا حياتهم من اجل الوطن وبين المجرمين( من آل المجيد). ولا ادري ماهو دافع خضير طاهر الذي دفعه لشتم شهداء العراق ببرودة اعصاب، ولاادري كيف استساغ تسمية مقتل افراد العصابة الصدامية( بتضحية) ليقارن بعدها بين (اقمار) العراق وغرّة جبينه واعني بهم شهداء العراق وبين (جيفه)التي لايليق بها غير المزابل و(الحفر).ان الكاتب لم يظلم عائلة الحكيم وحدها بل ظلم كل عوائل الشهداء العراقيين لأنه اعتبر الشهادة ( حجة ضعيفة ولن تصمد) لأثبات الوطنية والشرف وشكك بقوله هذا بوطنية كل شهداء العراق وساواهم بمجرم كحسين كامل. لقد جرح خضير طاهر بفعلته هذه مشاعر ملايين العراقيين، وكان حري به (اذا لم يحترم ارواح شهداء آل الحكيم لدافع شخصي) ان يحترم مشاعر ملايين العراقيين ( علمانيين واسلامويين) الذين يكنون احتراما وتقديرا كبيرين لشهداء هذه العائلة التي قدمت قرابينها بكل سخاء على مذبح الحرية وكان اخرهم شهيد العراق محمد باقر الحكيم عليه رضوان الله.

اني اطالب السيد خضير طاهر بتقديم اعتذار صريح وواضح للعراقيين عموما وللعائلة العراقية الوطنية الكريمة( عائلة الحكيم) خصوصا فالأعتذار اسلوب حضاري والأعتراف بالخطأ فضيلة.