مازلت صورته خنجراً يطعن اعماق روحي‘ لطالما عذبني مشهد ذلك الشيخ الكردي الفار من شمال العراق والتائه في شارع الرشيد ببغداد بعد ان قتل كافة افراد عائلته في جريمة قصف منطقة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية!!


يتصف المجتمع الكردي بالبساطة ‘ والقدرة على اداء مختلف الاعمال الشاقة بفضل الطاقة الجسدية التي يمتلكونها وروح الصبر ‘ فهم اكتسبوا من الجبل صفة الصلابة ‘ وهم يمثلون أحد وجوه من الامل لبناء العراق الجديد ‘ والمجتمع الكردي بسبب الظروف القاهرة التي تعرض لها عانى من قلة انتشار التعليم ‘ وكذلك انعدام مؤسسات المجتمع المدني المستقلة مما مكن الاحزاب الكردية وساستها من الهيمنة على ارادته واستدراجه الى المهالك.


سبب مأساة الاكراد ساستهم.. وليس السلطة:

النقطة المركزية الغائبة عن العقل السياسي العراقي هي أن سبب مأساة ابناء شعبنا الكردي طوال فترة التاريخ المعاصر للدولة العراقية يرجع بالدرجة الاولى الى تلاعب ساستهم بمستقبلهم وجرهم الى الدخول في صراعات وحروب مع السلطة العراقية غير مبررة بالمرة ‘ فقد كان اكراد العراق يتمتعون بكافة حقوقهم ولم يكن يعانوامن اضطهاد السلطة العراقية ‘ لولا رعونة الاحزاب الكردية وساستها التي ادخلت الاكراد في محرقة الحروب من أجل شعارات شوفينية عنصرية انفصالية لايعرف عنها شيئا المواطن الكردي المكسين ولايطالب بها أصلا.


فما جرى في جريمتي حلبجة والانفال حدث نتيجة إقدام الاحزاب الكردية على مساعدة الجيش الايراني على دخول الاراضي العراقية اثناء الحرب مما تسبب في تهييج وحشية نظام صدام ضد ابناء شعبنا الكردي الذي راح ضحية خيانة احزابه لوطنها العراق.


وكذلك الحال مع مسلمسل حروب الاستنزاف التي كانت تقوم بها الاحزاب الكردي ضد العراق وماسببته من دمار اقتصادي وازهاق للارواح... لماذا لم يتعلم الاكراد من درس اتفاقية الجزائر عام 1975 حينما غدرت الاحزاب بهم وانهارتمردها المسلح خلال ساعات وهرب قياداتها الى ايران حيث وضعها شاه ايران تحت الاقامة الجبرية في إصطبل مهجور لسباق الخيل.


لا ادري هل يناقش الاكراد هذه الحادثة ويتساءلون: لو كانت احزابهم مخلصة لهم لماذا لم تستمر في الاحتماء في الجبال وكان لديها مايكفي من السلاح؟.. لماذا بمجرد إشارة بسيطة من شاه ايران لهم بالتوقف أنهاروا وهربوا؟!


والاحزاب الكردية هي من اشعل فتيل الحرب الاهلية في التسعينات بين الاكراد وذهب ضحيتها ألالاف منهم بسبب اطماع قادة الاحزاب وصراعهم على جباية ضرائب الجمارك دفعت البعض الى اطلاق تسمية : حرب أم الجمارك عليها لدرجة دفعت مسعود الى طلب مساعدة جيش صدام لقتل ابناء جلدته!


وساسة الاكراد هم أول من أصدر عفواً عن جرائم صدام في حلبجة والانفال حينما هرعوا عام 1991 بعد احادث الانتفاضة الشعبية وقابلوا صدام واحتضنوه بالقبلات الحميمة التي نقلتها شاشة التلفزيون في وقتها.. فأذا كان صدام مجرماً بحق الاكراد لماذا هذا العناق والحب والغرام ‘ في الوقت الذي كان المجتمع الدولي كله متعاطف مع الاكراد ولم يكونوا بحاجة للتفاوض مع صدام!


و الدولة العراقية اليوم مدعوة الى توفير فرصة عمل لاستعياب الايدي العاملة الكردية لفك ارتباطهم واعتمادهم اقتصادياً على الاحزاب ‘ واشعارهم ان من يضمن لهم الكرامة والعمل والحماية وكافة حقوق الانسان هي الدولة العراقية وليس الاحزاب الكردية‘ وكذلك من أجل خلق مشاعر الانتماء الوطني لدى ابناء شعبنا الكردي للوطن الام العراق ‘ فبعد زوال صدام أصبح الوطن وخيراته للجميع ولم يعد مقبولاً تفضيل المواطن الكردي مصلحته العرقية القومية على مصالح العراق.


من الاخبار السعيدة التي رشحت مؤخراً.. ان الادارة الامريكية تجري اتصالات مستمرة مع شخصيات كردية معتدلة ترفض التوجهات الانفصالية العنصرية الشوفينية التي تنادي بها الاحزاب الكردية التقليدية من اجل العمل على انهاء الانفصال العملي الراهن والقضاء على التمرد على سلطة الدولة العراقية.


يدرك الاكراد انهم بعد زوال نظام صدام أصبحواً في أضعف حالاتهم ‘ فقد زال المبرر الاخلاقي والقانوني الذي كانوا يتعكزون عليه في تبرير تمردهم وانفصالهم عن الدولة ‘ وما حادثة قصف الطيران الامريكي لبعض مناطقهم ألا مجرد وخزة خفيفة كي تستفيق الاحزاب الكردية من أوهام الغرور وتصحوا على حقيقة حجمها الحقيقي ‘ وتدرك طبيعة المشروع الامريكي في العراق القائم على أساس تأسيس عراق موحد علماني ليبرالي لجميع المواطنيين بالتساوي بعيدا عن الطائفية والعرقية.

[email protected]