ليست هذه دعوة لإحراق سفن النفط.
وليست لقتل أحد.
وليست لقطع الأرزاق.
وليست لترويع الصغار في صباحاتهم المدرسية.
وليست للتفخيخٍ أكثر.
ولا هي لهدر 12 مليار دولار جديدة جراء تفجير أنابيب نفط،كان واردها سيبني في كل مدينة عراقية عشرين مدرسة.ومستشفى ومدينة ألعاب أطفال،لا ترى على ملامح روادها الخوف ولا التعب ولا الجوع،لأن مبلغا مثل هذا سيوفر لأربعة أجيال عراقية حصصا في التغذية المدرسية كان نظام البعث قد حرمهم منها طويلا.

وليست هذه دعوى لإغراق السفينة لأن راكبا فيها اشترى مكانا سيثقبه باسم الملكية الفردية..

وما هي بدعوى تشبه ما حير موسى النبي في أمر الخضر وهو يخرق السفينة،فالسفينة كانت لمساكين في البحر،وكان سيأخذها ملك على الساحل ان وجدها سالمة.

وليست لهدم السفن وبيعها (خردة عراقية) حتى أصبحت الأردن اكبر مصدر للمعادن في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة..

وليست دعوة لتعطيل الكهرباء والإمعان في الظلام بعد عتمة العقود الطويلة.. فالصباح العراقي متعَب بشهقات الصبية ولهاثهم من دخان قنينة نفط،انها عراقية لا شرقية ولا غربية،عليها تمرة، كلما أوغلت النار فيها فاحت رائحة أور.وفي التمر فتيل ينفث سمّه طيلة الليل.أما المصباح ففي زجاجه العاطل عن الضوء، ولا من كوكب دري يهجر انتظاره ليبزغ في تيار الوطنية.
ظلام في ظلام، يتلمس الجراح سبيله لإسعاف ميت في غرفة العمليات؛ ما كان ليموت،غير إنها محنة عراقية، لا شرقية ولا غربية.
ظلام في ظلام،وتلد النساء في هندسه العراقي،حتى يضرب العراق الأمثال للناس.
أما القنينة فتدعى اللمبة،و كانت لمساكين من أهل العراق على عهد طويل بسراجها النفطي، وكان للنفط العراقي وزارته قبل ان يتولاها الفضل بن مروان في عهد للمعتصم.وليت الرازي وهو يقطّر النفط كان يعلم ما سيؤول اليه الحال.. ليته وحسرة نوبل بين يديه، يرى إلينا؛لا نعرف من النفط غير آلامه ولعنته وسعال الصباح،وعيون الحسناوات مكحلة برماده الهش.

ليست دعوة لتكفير الرازي، حتما؛ تلك الكلمات..

إنها دعوة لإحراق هذا الماضي العربي النائم في الشعار واللغة. وليست دعوة لإحراق النحوي نفطوية في هجاء شاعر عاصره:
أحرَقه الله بنصف اسمه
وصيَّر الباقي صراخاً عليه
ولتسعد الكلمات، واللغة، والنحو، أكثر من النفط، ان لم يسعد الحال دعما لأول تجارب المنطقة نحو الإنتخابات الأجمل..

إنها دعوة لإحراق السفينة،بغرض مشابه،يوم وقف البحار النرويجي هِِِردال،منكسرا بعد ان بنى سفينة القصب "دجلة" من بردي أهوار العراق،بحثا، في رحلته،عن البداية،حتى وصل الى ساحة الحرب لاجئا قرب سواحل جيبوتي.أحرقها هناك. وامتزجت دموع بحارته بملح البحر،معاتبين في رسالتهم الأمين العام للأمم المتحدة..ومحتجين على الحرب،وعلى وصول الأسلحة الفتاكة للأيدي أناس كانت معاركهم القديمة بالفؤوس والسيوف.

هي دعوة لإحراق سفنينة (طارق بن زياد) مسالم سيرى الإرهاب من أمامه والماضي بكل تبعات الديكتاتور خلفه..ولن يجد بدا غير إحراق كل سفينة مدّخرة للفرار.. بل لتتحطم السفن جميعها الآن، وليصبح خشبها ومعدنها صناديق للانتخابات،فأن من تمسك بها نجى من بؤس الشعارات ولعنة الفرار.

إنها دعوة أيضا لتعليم السيد توماس فريدمان* درسا في الديموقراطية غير ما إراده هذا المسكين في مقال له، يرى فيه؛ان من الموجبات الحتمية لإدارة بوش في هذه المرحلة تعاونها مع الأردن والسعودية ومصر،وربما سوريا،لاستخدام علاقاتهم مع السنة في العراق وحثّهم على المشاركة في الانتخابات. مؤكدا على ان لديهم من (أكياس النقود) الكمية الكافية لإخراج المصوتين بين القبائل السنية (على حد تعبيره).
أقول ليحرق الجميع سفنهم نحو الديموقراطية التي ستقذف بالمحتل بعيدا،فليس حلا ما يراه السيد فريدمان وهو يؤكد على ضرورة "مشاركة السنة" حتى وإن تم"شرائهم"!!.
لأجل دحض ديموقراطية فريدمان( المعارض) لنحرق السفن إذن،نحرقها بجمر ألم عراقي واحد قبل فوات الأوان.

*
http://209.157.64.200/focus/f-news/1304248/posts