بدأ العام الجديد كأنه عام قديم حاملاً معه هموم ومشاكل السنين الماضية، تلك المشاكل والهموم التى أرهقت الضعفاء وجعلت الفقراء أكثر فقراً، والقوى أكثر بطشاً والغوغائى أكثر غوغائية والمتسلط أكثر تسلطاً، وأستمرت نفس السياسات والأفكار المغتصبة لحقوق الإنسان فى كل مكان بالعالم وخاصة بلادنا العربية أطال " الله " عمرها ورزقها بالخلف الصالح الذى يسير بها فى نفس الإتجاه المعاكس لواقع العصر والتقدم.
نفس اللهجات المعادية للآخر حتى فى دعوات المواطنين العاديين فى العام الجديد، بل وصلت الدعوات حدتها فى المطالبة من الله الذى يعبده هؤلاء إلى إحلال الخير على الأمة العربية الإسلامية وإحلال الخراب والعذاب والقتل على بقية شعوب الأرض معتقدين أن هذا الإله سيلبى طلباتهم وكأنها أوامر وسيحول شتائمهم أو دعواتهم هذه إلى واقع عملى يشفى غليلهم.
وجدت البعض العربى يتمنى الخير والسلام على أستحياء، والبعض الآخر أنشغل بالطقوس والأحتفالات الكرنفالية، وأنشغل آخرون بقضايا فلسطين والعراق دارفور وكهفور ونسى مشاكله الداخلية " شهامة عرب "، أنشغل آخرون بقضايا حوار الحضارات والإصلاح والتغيير والتبدليل والإحلال وغيرها من شعارات سياسية يقدمها الشارع السياسى ليشبع بها معدة الشارع العربى الجوعان إلى رغيف إصلاح.
أنشغل البعض بالتنجيم والتخمين والتوقعات وسط دجل الشعوذة والعلم الحديث، ونسى هؤلاء أنه يكفيهم النظر إلى أنفسهم ومن حولهم ليكتشفوا ويتنبئوا مستقبل الإنسان العربى وما يمكن أن تتفجر عنه قريحته العبقرية من أفكار وأفعال جهنمية لم تخطر على بال أعظم علماء وفلاسفة العالم المسكين.
لكن الصفة المميزة التى تهيمن على الفكر العربى فى أيامنا هذه هى فى أستمرار إزدواجية المعايير التى تقول لك " إنى أحبك " ومن وراءك تلعنك فى سرها، الدول تتكلم عن الإصلاح وحقوق الإنسان وفى نفس اللحظة تعتبره كلام منتديات وإعلام للأستهلاك المحلى وتنتهك حقوق الإنسان بكل بساطة، الفرد العربى ينادى بالوحدة الوطنية وكلنا إخوة فى الوطن ثم ينسى كل هذا فى لحظة إنفعال وتعصب لينسف الآخر الذى يعيش معه فى وطنه ويهدر حقوقه الإنسانية ويتنصل من إخوته له.
ما الذى تغير فى هذا العام الجديد؟ لا شئ، نعم لا يوجد شئ جديد فى عقول القادة والسياسيين والمواطنين العرب، نفس السلبيات الإجتماعية ونفس التعليم والتربية الرافضة للآخر، حكومات عربية أعضائها وصلوا إلى مرحلة الكهولة بكل معانيها ولم يعد لديهم من جديد يقدمونه إلا معسول الكلام حتى ينسى الناس كل هذا وسط الكوابيس الجديدة التى ستنهال عليهم من أرض وسماء العام الجديد عام السياسة العربية التى " رجلها والقبر ".
يؤمن العرب أن العلم نور، لكنهم نسوا أن يحددوا لأنفسهم ماهية العلم الذى يجلب لهم النور، لأنهم حتى الآن ما زالوا يتخبطون فى ظلام الجاهلية والقرون الوسطى، يؤمن العرب بأن النقد حق إلهى وهبهم إياه الله ولكن لكى ينقدوا شعوب الأرض كلها لأنهم خير الأمم وواجبهم " قيادة " الأمم، لنتخيل أن العرب يقود العالم فى عصرنا الحالى، ستكون حقاً مصيبة لا يمكن حتى تخيل شكلها ونهايتها المأساوية للعالم أجمع!
لا مانع لدى العرب فى السنة الماضية والحاضرة وفى كل سنة من الأبتهال إلى الله بأن يسترها عليهم ويحفظهم من ظلم الحاكم والمحكومين، وأن يبعد غضبه عنهم ويصبه على بقية خلق الله، وأن يبعد عنهم أولاد الحرام وبقية بلاوى الدنيا الفاسدة، يبتهلوا أن يرحل عنهم هذا الرئيس أو ذلك الملك وأن يشهدوا مقتل ذلك الطاغية وسقوط ذاك النظام، أن يبعد عنهم شر الزلازل والأعاصير ويحول طريقها إلى بلاد أعدائهم ليروا فيهم يوم أسود، وأن ينعم عليهم بالصحة والعافية لينتقموا من أعداءهم شر أنتقام، وهم واثقون بأن الله سيحقق أمنياتهم وأبتهالاتهم هذه وغيرها لأنهم عباده المخلصون له المتواكلون المتكلين عليه.
وسط كل الأمنيات والأبتهالات التى يرفعها العرب إلى الإله الذى يسمى الله، يتم أغتيال براءة العام الجديد لأن الجميع عاجبها حالها القديم والراهن وتقول بأعلى صوتها " نحن على حق والآخرين على باطل "، يعنى الجميع مقتنع بأن أفكاره صحيحة مائة فى المائة وبالتالى ليسوا معنيين بدعوات الإصلاح أو التغيير.
أتمنى أن نتذكر حقاً لو أردنا أن نعتبر هذا العام جديداً فى حياتنا أن نجعل الحب هو القيمة الأساسية التى ستحرك أفعالنا فى هذا العام ولا نطلبها من الآخرين، بل أن نطبقها نحن فى حياتنا أولاً وننتظر ثمارها التى تهذب فهمنا ومعرفتنا بالحياة الإنسانية، فهل نتذكر أن نحب بعضنا بعضاً؟
ميشيل نجيب