ليس كل رجل بأهل للمسئولية وإلا لأصبح الناس جميعهم مسئولين!

والمسئول الحقيقي : هو من يتحمل المسئولية متجردا من عواطفه ونزعاته وشهواته حينما يكون أمام تحمل ماتعنيه تلك المسئولية من عدالة وإنصاف وأمانة ونزاهة وكفاءة عالية. ولم تنجح الأعمال العظيمة وتتحقق الانتصارات المميزة، وتتحرر الشعوب المستعبدة، وتتحد الأمم الممزقة، إلا بفضل الرجال الأكفاء الذين تحملوا مسئولياتهم بكل شجاعة وأمانة واقتدار. ولم تفشل المشاريع الناجحة، وتنهار الوحدة القائمة، وتسقط الدول العامرة، وتنقرض الشعوب القادرة، إلا بفعل المسئولين الذين لم يقدروا المسئولية حق التقدير، ولم يكونوا سوى أشباه رجال، خان من وضعهم سوء الاختيار، ربما بسبب الانحياز إلى عاطفة القرابة أو العلاقة، على حساب الجدارة، فوقع المسئول الذي لم يكن كفئا في فخ سوء الاختيار والكفاءة و ربما تحدث الكارثة!

وهكذا سقطت : الأندلس بسبب فساد حاكمها عبدالله الصغير، فلم تنفعه تلك الدموع التي ذرفها باكيا وهو يردد : جادك الغيث إذا الغيث هما.... يا زمان الوصل في الأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما.... في الكرى أو خلسة المختلس

وهكذا : سقطت بغداد وذهب صدام إلى الجحر، وهاهي الأمة لا تعرف إلى أين تذهب؟!

فأما أن تذهب الأمة مع جورج بوش أو مع الزرقاوي، وعليها أن تختار في هذه المرحلة الحرجة الاختيار بين الاثنين فليس لها الآن إلا أحد الخيارين. لأنها لم تختار من قبل المسئولين الأكفاء الذين يذهبون بها وحسب إرادتها إلى كوكب الشمس كي تلامس أكفهم ضوء الأشعة.

والمسئول الذي يتحمل أمانة ومسئولية ما يكون مسئولا عنه، عندما يتعامل مع من يكونون تحت مسئوليته كأعداء لا يعدوا أن يخرج من تأثير أحد الحالات التالية :

* - فأما أن يكون غير كفء لما هو مسئول عنه، وقد أدرك أن من يكون مسئولا عنهم قد تيقنوا من ذلك فيكرههم ويبادلهم العداء.

* - وأما أن يكون لا يفكر في تحمل مسئوليته تجاه من يكون مسئولا عنهم أكثر مما هو يفكر في الانتفاع من كونه مسئولا عنهم، كي يحقق مصالحه الخاصة فقط دون مراعاة للمصلحة الأهم المتمثلة في الحرص بأمانة ونزاهة على مصالح من يكون مسئولا عنهم.

* - أو أن يكون مسئولا بلا مسئولية أو صلاحيات تمنحه ممارسة المسئولية كما يجب، ففضل أن يراعي مصالحه ليخرج بما يشبع احتياجاته الخاصة غير آبه بقيمة المسئولية التي يحمل أمانتها.

* - أو أن يكون تحت تأثير كل تلك الحالات أي أنه : غير كفء، انتهازي، أناني، ولا يملك صلاحية.

لأن المسئول الذي لا يملك كفاءة : هو من يقبل أن يكون مسئولا بلا صلاحية، وهو الذي يفكر بطريقة انتهازية، أنانية، مستغلا الظروف التي أوصلته إلى ما لا يستحق أن يتحمل أمانته ومسئوليته، كي يملك ما يستطيع أن يملكه من مال و غيره، على حساب حقوق من يكون مسئولا عنهم!

وهذا النوع من المسئولين... لا يرتاح له بال، إلا وهو يخلق الظروف التي تهيئ لبروز مشكلة تلو الأخرى مع من يتحمل مسئوليتهم أمام الله والنظام الذي ينتمي إليه، بعكس المسئول النزيه الذي لا يهدأ له بال، قبل أن يحل أغلب المعوقات التي تمنعه من العمل مع الناس لأجل أن يحقق ما يرضيهم، حسب ما يملكه من امكانات، وبناء على خطط معدة مسبقا لخدمة الإنسان والمصلحة العامة.

المسئول الكفء : إبن لتربية محترمة، وتعليم متطور، وقيم راقية، و تحت رقابة نظام قوي، يحارب الفساد، ويعتمد الشفافية، ويحكم الجميع بالعدل.

والمسئول الانتهازي : صورة واضحة لفساد المجتمع، خاصة إذا ما استمر ذلك المسئول في ممارسة فساده دون مساءلة من قانون، في الوقت الذي يصرخ من يخضعون لسلطته وهو لا يسمعهم، لأنه لا يسمع إلا نفسه، وغير مستعد أن يعمل لغير تلك النفس التي تلوثت بحب التملك والتسلط، وكأنها لم تفارق مرحلة طفولتها فلم تكبر، حتى ظنت أن كل الناس والمنجزات لم تخلق إلا لخدمتها، كنتيجة لتربية خاطئة في الصغر لم تتعلم عبرها حب الآخر، بقدر ما تعلمت أن هذا الآخر لم يخلق إلا لخدمتها. بل أن هذا المسئول المريض ربما يلوم الناس على عدم تعاونهم معه، في أن يمنحوه انبطاحا أكثر، وصدورا أوسع في السكوت على تجاوزاته اللانظامية، والتصفيق الحار له على كل ممارساته التي تشعرهم بالغبن وتغرس في قلوبهم الكراهية، المغلفة بمحبة المنافقين والمطبلين والانتهازيين، الذين لا يحبون إنسانا ولا وطنا، نظرا لوضاعتهم، وسوء تربيتهم، وضعف قيمهم، وبؤس ما تعلموه من معارف مزيفة، وحقائق مشوهة، وانتماءهم إلى الباطل، الذي به يتحالفون مع الظلام، كي ينكسر الضوء الذي كلما بدأ في آخر النفق تكالبوا عليه كيلا تتعرى حقيقتهم....ألا تبا لحثالات البشر!!

وإذا كان العرب حريصين على الإصلاح الحقيقي، فإن أول ما يجب أن يعملوه من أجل الإصلاح، اختيار المسئول الذي يملك عقلا مليئا بالفكر الذي يستشعر المسئولية تجاه الإنسان أينما كان، والوطن.

المسئول : الذي يدرك معنى المسئولية كما تعيها كل الشعوب المتحضرة، وليس المسئول الذي يتعامل مع الوطن كثدي يرضع منه، و مع الناس كأرقام يشكلها متى ما أراد، ليجعل منها تارة قيمة تصب في حسابه الخاص، وتارة أصفارا لا قيمة لها، في الوقت الذي قد لا يساوي ذلك المسئول صفرا. لكن المشكلة تكمن في أنه لا يعرف أنه لا يساوي ذلك الصفر الذي يصبح أحيانا في نظر الناس قيمة أكبر من قيمة ذلك المسئول الذي لم يكبر أبدا!

العالم العربي : بحاجة إلى مسئولين كبار في عقولهم وطريقة تفكيرهم على جميع مستويات المسئولية، إن كانوا عازمين على الإصلاح الحقيقي، ويتوقون إلى معانقة الحضارات والتطور. وقد حان الوقت كي يتم إحالة كل مسئول طفل، إلى روضة العجزة كي يمارسوا طفولتهم المريضة بعيدا عن الإضرار بمصالح الناس والوطن.

ومستقبل الوطن : أهم من مصلحة مسئول لم يكبر عقله... اذا كان الناس حقا.. يؤمنون في الوطن!!

سالم اليامي [email protected]