من قصص تراجيديا الكورد جريمة 1 شباط 2004

سامي عبد الرحمن، ماموستا سعد، شوكت شيخ يزدين، مهدي خوشناو،ديدوان، خسرو شيره وشاخوان عباس وغيرهم كثيرون من خيرة المناضلين الكورد أيا كانت مواقعهم الحزبية او نوع نشاطاتهم الفكرية ومهما تباينت او اختلفت مذاهبهم و الذين لا يتسع المجال لذكر كل الاسماء فهم بالعشرات فقدوا حياتهم بعمل أرهابي جبان في الاول من شباط عام 2004 وفي يوم عيد الاضحى المبارك، انها جريمة دولية عمدية، هذا هو وصف العمل الارهابي من الناحية القانونية في قواعد القانون الدولي سواء ممن نفذ الجريمة او افتى بتنفيذها او حرض عليها او شارك فيها. أنه فصل من فصول تراجيديا الشعب الكوردي الذي لن تذهب تضحياته سدا، يسطرها بناته وابنائه في سفر التاريخ لتتذكره الاجيال جيلا بعد جيل لكي لا تكرر المأساة.

ان ما سمعناه من قصص قبل وبعد الحادث الاجرامي اقرب الى الخيال منه الى المعقول حيث فقد الشعب الكوردي في هذه الفاجعة كوكبة من خيرة الشجعان البشمركة ايا كانت انتماءاتهم الحزبية للحزب الديمقراطي الكوردستاني ام للاتحاد الوطني ام من الشخصيات المستقله، فهم كورد ناضلوا من اجل هدف اوحد هي حريتهم التي استردوها بقوة السلاح وشجاعة الكلمة وحكمة الكورد وصبرهم على الاذى طوال عقود، هؤلاء الابطال كان فقدانهم خسارة لكل من يؤمن بحرية الشعوب وحقهم في العيش بسلام وخسارة للعراق وللكورد.

اعرف اغلب هؤلاء الضحايا عن قرب وتربطني بهم المودة والاحترام والاعجاب والعمل المشترك قبل سقوط النظام من أجل بناء عراق فيدرالي تعددي ينعم بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان، شخصيات تحمل هموم الملايين المعذبة وتسعى لبناء السلام والامن والاستقرار، شخصيات قاومت ابشع نظام دكتاتوري في التاريخ منذ سقوط النازية في الحرب العالمية الثانية فاستحقت بجدارة احترام العدو قبل الصديق وكيف لا وهم جزء من امه تعرضت للتجزئه حرب الابادة، ترفض الذل وتقاوم العبودية والاستعباد في نضال طويل عمره اطول من عمر الدولة العراقية.

وليست هذه التراجيديا هي الاولى ولكنها نرجو ونأمل ان تكون الاخيرة في حياة الشعب الكوردي، وهناك مئات القصص التي تعد فصلا من سفر تضحيات شعب من اجل ان يصنع تاريخه، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، قصة الضابط الذي استبسل على قرية أمنه في طريق مانكيش في بداية الحرب التي شنها قائد النازية العربية على الشعوب الايرانية في عام 1980، فقد روى لي احد الكورد ممن كانوا يؤدون خدمتهم الالزامية العسكرية في جيش الهزائم انه في اثناء مرور قافلة عسكرية في الطريق المذكور، شاهد الضابط ( حامد الدليمي ) اطفالا يلعبون وفلاحين يتجولون بين بيوتهم ومزارعهم، أصدر أمرا باطلاق النار العشوائي فورا وابادة جميع أهل القرية دون سبب وبعد ان انتهى من ذلك اصدر امرا بابلاغ القيادة ان وحدتنا العسكرية ابادت جميع (( العصاة...!)) في المنطقة لان رتلنا تعرض الى اطلاق النار منهم؟ ويذكر لي الشخص المذكور انه لم تطلق ايه اطلاقه من القرية وان الضابط كان مثل سيده ساديا يتلذذ بموت الاخرين وكانت هذه الحادثة سببا لفرار الجندي المذكور من كل حروب طاغية العصر.

وفي واقعه اخرى في اثناء الحرب ضد ايران مطلع الثمانيات كذلك ذكر لي شاهد عيان ان رتلا عسكريا في منطقة سرسنك تعرض الى اطلاق نار وحين جاءت ما يسمى ب القوات الخاصة لجيش الدكتاتور المهزوم تم جمع كل شباب وشويخ اهل المنطقة وقام أحد الضباط بذبح مختار القرية أمام أهلها وعلى ذات النمط من طرق الذبح الجارية الان في بعض مناطق العراق كما ضرب احد الشباب ضربه قوية ببسطاله العسكري هشمت رأسه كجزء من سياسة اسياده المهزومين في كل المعارك المفتعله.وليس من باب المصادفة ان يقتل الضابط المذكور بعد حين في معركة ام المهالك كما ليس من باب الصدفة ان يظهر علي كيمياوي في استعمال نفس الاسلوي في شريط فيديو وهو يوجه ضربه الى احد الثوار المنتفضين في الناصرية عام 1991.

هذه القصص وغيرها كثير انما تشكل جزأ لا يتجزأ من قصه شعب يسعى لنيل حريته امام نظام حكم نازي يؤمن بعلوية العنصر العربي على غيره ببطولات زائفه.فهناك عشرات بل مئات القصص التي لم نسمع عنها سواء تلك القصص تخص ضحايا المقابر الجماعية التي تكتشف بين فترة واخرى ام قصص من قلعة دزه التي ضربت مدارس الاطفال بالنابالم المحرم دوليا في السبعينات ام من حلبجة الشهيده والانفال وباليسان وكرميان وبارزان وحرير وميركه سور وغيرها من مناطق كوردستان التي تخضبت بدماء الابرياء من المدنين والبشمركة الابطال الذي ضحوا بحياتهم من اجل ان تبقى الامه الكوردية عزيزة وقوية لا تنحني.
لقد زرت اكثر المناطق في كوردستان و التي كانت مسرحا لجرائم البعث – صدام وشاهدت العديد من المناطق تحذر الناس من الاقتراب اليها او السير علي طريق او الدخول في مزرعه او الاقتراب من نهر لان هناك ملايين الالغام زرعها نظام النازية العربية في ارض كوردستان هدية الى الشعب الكوردي..! وهذه الالغام لا طاقه للحكومة الكوردية ان تتخلص منها او تطهر الارض منها لان عملا مثل هذا يتطلب خبرات واموال وامكانات فنية وميكانيكية كبيرة، كما شاهدت العديد من القبور الجماعية وضحايا النظام السابق ومئات الالاف من الايتام وعوائل الشهداء و المعوقين الذين تضرروا من حروب الطاغية ففقدوا اطرافهم او عيونهم وهم بحاجة للعناية والرعاية الخاصة اسوة بما نراه في بلدان العالم من احترام لذوي الاحتياجات الخاصة بما يتناسب مع قيمة الانسان.

قصة شعب يصنع التاريخ وينشد للسلام

وعلى الرغم من اختفاء 188 الف كوردي وبينهم 8 الاف من عشيرة بارزان و37 شخصا من اقارب الدرجة الاولى والثانية للاخ الرئيس مسعود البارزاني وعلى الرغم من جريمة حلبجة التي لا تغتفر ورغم وجود 15 مليون لغم هدية من حكم البعث – صدام الى شعب كوردستان زرعت في اراضيه لكي لا يزرع الكورد زهور النرجس في نوروز او يرقصون الدبكة الكوردية في نوروز بملابسهم الجميلة الزاهية وعلى الرغم من الجرائم الاخرى الى لا تحصى ولا تعد والتي هي جزء من تراجيديا الكورد، فان القيادة الكوردية ومن موقع المسؤولية والحكمة تنشد للسلام في كل فرصه وتسعى اليه لان السلام هو قانون الحياة الاول وان الحرب هي استشناء تتخلف عنها المأسي التي عانى من ويلاتها كل العراقيين ودول الجوار.

واذ اذكر مثالين على ذلك، اولهما، ان ارض الكورد كانت وما تزال ملاذا أمنا لكل من يطلب الامان وللاحرار المضطهدين الباحثين عن الحرية والحياة الحرة الكريمة وقد كانت كوردستان ملاذا لكل قوى المعارضة العراقية قبل سقوط الطاغية والجميع يعرف ذلك جيدا، وثانيهما، ان القيادة الكوردية كانت عامل وحدة لا عامل تجزئه بين صفوف العراقيين وقواهم الوطنية والدليل على ما نقول ما بذله الاخ الرئيس مسعود البارزاني والاستاذ مام جلال طالباني من دور كبير وبحكمه وصبر لوحدة القوى الوطنية العراقية في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي انعقد في الفترة من 15-17 ديسمبر 2002 ولولاهم لما انعقد المؤتمر اصلا والذي اعلن فيه الاخ العزيز البارزاني انه وعلى الرغم من انه جاء وهو يحمل هموم شعب مثخن بالجراح والمأسي والجرائم الكبيرة من سياسة عدوانية الا انه مع قيم التسامح ومع بناء الديمقراطية والاتحاد الاختياري في عراق جديد ينعم فيه الكل بالتساوي كمواطنين عراقيين وتحترم فيه حقوق الانسان ويسود حكم القانون، اذ ليس من السهل ان تنطلق دعوات التسامح والمصالحة من قائد تعرض شعبه الى جروح بليغة وجرائم فضيعة، ومن الطبيعي ان التسامح والمصالحة التي قصدها ليس مع اركان النظام من المتهمين بجرائم دوليه اذ ان هؤلاء لا يجوز التسامح معهم ولا المصالحة او العفو عنهم بسبب نصوص قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وحتى القانون الوطني التي تمنع العفو عن المجرمين الدوليين ومرتكبي ابادة الجنس البشري الا ان المقصود كان هو التعاون بين كل القوى الوطنية من احزاب وحركات وشخصيات مستقله لبناء العراق الجديد وفتح صفحة جديدة للعيش المشترك وللتأخي والبناء من خلال المشاركة العادلة في الحكم الجديد وفقا لدستور دائم وكذلك تفعيل القانون بمحاسبة كل المتهمين بالجرائم الكبرى ضد الكورد والعرب والتركمان والكلدو – اشور.


نعم، رحل سامي عبد الرحمن ومهدي خوشناو وماموستا سعد وشاخوان عباس وخسرو شيره وغيرهم من الكواكب ولكن حبهم لم يرحل عن قلوبنا وذكراهم ماتزال في صدورنا باقية مع نبضات القلب فهم مشاعل على طريق الحرية.

انها ترجيديا الشعب الكوردي وجزء من مأساته الكبرى على طريق الحرية اذ ان للحرية ثمن، انه شعب يصنع التاريخ في تضحياته وبطولاته، شعب لم ولن ينكسر فاستحق باعجاب كل التقدير، شعب قاتل ببساله وجلست قيادته الى طاولة المفاوضات بحكمة وقوة تنشد صنع السلام مرات متعددة فالسلام قانون الحياة الازلي، انه قدر الكورد في هذا الزمان ومن لا يصنع تاريخه يبقى تحت قسوة الجلاد وقد ولى الجلاد وقسوته الى غير رجعه فهناك زمن جديد أت لا ريب فيه... ومع كل فجر تغرد عصافير كوردستان أي رقيب...أي رقيب...أي رقيب....بينما يرفرف علم كوردستان على قمم جبال كورك وقمم سفين وسره رش وكركوك في دولة كوردية حدودها القبور الجماعية وأثار جرائم النازية العربية.
الدكتور منذر الفضل
www.alfadhal.net