أو
صناعة الإستبداد في الو طن العربي!!!!

يبلغ الرئيس حسني مبارك الآن السادسة والسبعين من عمره، وأمضى فى الرئاسة المصرية أربعة ولايات، بلغت مدتها حتى الآن ثلاثة وعشرين عاما فقط...وحسب ما أفاد به مصدر في الحزب الديمقراطي الحاكم في مصر قبل أيام قليلة، فإن الحزب سيقدم ترشيح حسني مبارك لولاية خامسة إلى مجلس الشعب في آيار – مايو القادم، وإذا سارت الأمور حسب تخطيط الحزب الحاكم - وهي غالبا كذلك – فإن حسني مبارك سيبدأ ولاية خامسة في أيلول – سبتمبر القادم، مدتها ستة سنوات، وإذا إمتد به العمر، والأعمار بيد الله، فإنه سيبقى في الرئاسة وهو في الثانية والثمانين من عمره، وفي ذلك العام ( 2011 )، فإن لم يترك الرئاسة برغبته وإراداته، فمن المؤكد أن الحزب الوطني الحاكم سوف يرشحه لولاية سادسة. وهذا ليس رجما بالغيب، ولكن الدراسة الموضوعية لصناعة الإستبداد في الوطن العربي، تؤكد أن الإنسان العربي مغرم بالكرسي، سواء كان في المطبخ أم كرسي الرئاسة، فما إن يصل إليه وغالبا بطرق غير ديمقراطية أو بإنتخابات شكلية إما مزورة أو صوتت فيها الغالبية العظمى خوفا كما في أغلبية إنتخابات الرؤساء العرب، وتحديدا إنتخابات القائد الضرورة، حارس البوابة الشرقية صدام حسين (سابقا )، فيتمسك به مستخدما كافة الوسائل بما فيها الإجرامية واللاأخلاقية، وبشكل فطري كعادة التنفس، تتحول الحاشية في كافة مرافق الدولة خاصة الأمن والمخابرات والجيش إلى جوقة تسهر على صناعة القائد الرمز، وهي في الواقع صناعة الإستبداد والظلم، وتنتقل العدوى إلى الغالبية العظمى من الشعب، فتتحول هذه الغالبية إلى مطبلة مصفقة بحياة الرئيس ( بالروح..بالدم...نفديك يا....)، قافزة على برك الدم التي أسالها ذلك المستبد في سجونه وأقبية زنزاناته، والدليل على ذلك أنه لم يحدث في تاريخ العرب أن ثار شعب على طاغيته و أسقطه، بدليل:
* حسني مبارك في السلطه من عام 1981 وما زال....
* معمر القذافي في السلطة من عام 1968 وما زال.... * علي عبدالله صالح في السلطة من عام 1978 وما زال... * زين العابدين بن علي في السلطة من عام 1987 وما زال...
ومن قبلهم لم يتخلى رئيس عربي عن السلطة بمحض إرادته، فعن طريق الموت ترك السلطة: جمال عبد الناصر، و أنور السادات، و حافظ الأسد، و ياسر عرفات، و عدة رؤساء يمنيين، وعن طريق الإنقلاب العسكري عليه ترك السلطة: جعفر النميري، و الحبيب بورقيبة، وعدة رؤساء سوريين وعراقيين، وعن طريق التدخل الخارجي ترك السلطة صدام حسين. و مقابل هذا الإستبداد والطغيان، ماذا يوجد لدى الشعوب الأخرى؟؟.

أولا: الشعوب الأوربية الغربية، والإسكندينافية، و الولايات المتحدة الأمريكية، إما أنظمة ملكية دستورية، الملك مجرد رمز شكلي لوحدة البلاد وتنوعها، ويتوالى على رئاسة الحكومة الحزب الذي ينال الأغلبية في إنتخابات نزيهة، لا يحدث مطلقا تشكيك في نزاهتها، لأن الديمقراطية أصبحت تربية يومية في تلك البلاد، وإما أنظمة جمهورية في القوة العظمى الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، لا يجوز للرئيس أن يمكث في السلطة أكثر من ولايتين أي ثماني سنوات، والولاية الثانية أيضا عن طريق الإنتخاب، والعديد من الرؤساء الأمريكيين في القرنين الماضيين، لم يمكثوا سوى ولاية واحدة، أي أربع سنوات فقط.

ثانيا: العديد من الشعوب الأخرى في أوربا الشرقية و آسيا، ثارت وهي مجردة من السلاح على طغاتها ومستبديها، وأسقطتهم بطريقة أذلتهم مقابل طغيانهم وجرائمهم...الشعب الإيراني أسقط شاه إيران ( محمد رضا بهلوي )، وفرّ هاربا ذليلا ولم يجد من يستقبله إلا أنور السادات. الشعب الروماني أسقط الديكتاتور تشاوشيسكو، وهرب ذليلا، ولحقته جماهير الشعب على حدود رومانيا، وبعد محاكمة سريعة نفذ فيه حكم الإعدام. والشعب الجورجي منذ عام فقط، أسقط الطاغية ( شيفرنادزه )، بالتظاهرات الشعبية ومحاصرة قصره....

الشعوب العربية فقط، من يصل منهم إلى السلطة يبقى فيها حتى الموت أو حتى التدخل الخارجي، والشعب يطبل و يصفق ويقبل الطاغية وطغيانه!!!. هل أصبح الغرام بالإستبداد والمستبدين ( جينة عربية ) من الصعب القفز عليها؟؟. والكارثة أن العرب مستبدين وشعوبا، يخلقون تنويعات للإستبداد، أصبحت صناعة عربية بإمتياز وبراءة إختراع، وأهم هذه التنويعات (توريث الأبناء ) في أنظمة إسمها فقط ( جمهورية )، كما حصل في سورية فعلا، وما يحاوله حاليا القذافي وعلي عبدالله صالح، وهذه الكارثة غالبا ماتستدعي تغيير الدستور، وتغيير الدستور يعني أنه ليس دستورا، ففي سورية تم تغيير الدستور على مقاس وعمر بشار الأسد.....لماذا الشعوب العربية فقط؟؟.

هناك أسباب عديدة، وأتوقف في هذه المقالة أمام سبب منها، أرى أنه الأساسي والرئيسي، وهو الموقف المنافق للديكتاتور / الطاغية من فئات المجتمع التي يعول عليها في التغيير، وهي:

أولا: الكتاب والصحفيين

هذه الفئة في المجتمعات العربية في غالبيتها إما ساكتة على الظلم والظالمين، وكأن القتل والطغيان والجرائم الفردية والجماعية التي تحدث أمامها، وتطال أحيانا أفرادا من عائلاتهم وأصدقائهم، تجري في كوكب آخر!!. وأقلية منها باعت الضمير والخلق والشرف، وتخصصت في مديح الديكتاتور / الطاغية، مما أوجد موضوعا لابد من دراسته، وهو ( المثقفون العرب و صناعة الديكتاتور )، والمادة الأساسية لهذه الدراسة موجودة في بعض كتب: فؤاد مطر و أمير إسكندر و هاني وهيب و حسين عجلان و أنمار لطيف نصيف جاسم وغيرهم عن ( صدام حسين ) ومعها اشعار عبد الرزاق عبد الواحد وشفيق الكمالي وغيرهما، وكتب حميده نعنع عن طارق عزيز و زين العابدين بن علي...والسلسلة التي أصدرتها وزارة الإعلام العراقية بعنوان ( صدام حسين: سلسلة الفكر الريادي )، و كنموذج على هذا الإبتذال في (صناعة الديكتاتور )، يكفي إستعراض بعض عناوين موضوعات الجزء الثاني من هذه السلسلة الذي صدر عام 1989، وأنا أنقلها من الكتاب مباشرة الذي هو أمامي لحظة الكتابة، لأن مستوى النفاق والكذب على الحقيقة والواقع، من الممكن أن تجعل بعض القراء، يعتقد أنني أفتري على الأساتذة والكتاب التي سأورد عناوين كتاباتهم فقط.....
* خصوصيات الممارسة الديمقراطية خلال الحرب، صباح ياسين. * دور الرئيس القائد صدام حسين في بناء الإنسان العراقي الجديد، كامل علوان الزبيدي. * سياسة تحفيز الشعور بالمسؤولية في ضوء فكر الرئيس القائد صدام حسين، عبد المهدي
المظفر. * موقع صدام حسين في خارطة الفكر السياسي العربي الحديث، شفيق عبد الرزاق السامرائي. *العمل العربي المشترك: قراءة في فكر الرئيس القائد صدام حسين، العميد الركن فوزي حميد حسن. * دور الرئيس القائد صدام حسين في ميدان العمل القومي، محمد عطاءالله. * مفهوم الإعلام ومنطلقاته في فكر الرئيس القائد صدام حسين، ياس خضير البياتي. * بلاغة المفردة في قول القائد، طالب الزوبعي. * البعد الأخلاقي لمسألة الضمير في فكر القائد صدام حسين، علي حسين الجابري. * قراءة في إدارة الموارد الإقتصادية بفكر الرئيس القائد صدام حسين، رسول الحربي. * مفهوم التنمية في فكر الرئيس القائد صدام حسن حفظه الله، عبد المهدي المظفر. * إقتصاد الحرب في فكر الرئيس القائد صدام حسين، عدنان مناتي صالح. * العلم والتكنولوجيا في فكر القائد صدام حسين، خضير عباس العنبوري. * الرموز المعمارية في فكر الرئيس القائد صدام حسين، عباس فاضل محمد.
من يتخيل هذا المستوى من النفاق والكذب والإبتذال؟؟. وبعد هذا هل من المستغرب أن يتحول صدام حسين إلى ديكتاتور وطاغية ومقابر فردية وجماعية وأسلحة كيماوية ضد شعبه وجيرانه. و ضمن نفس الجو والسياق كتابي حميدة نعنع عن طارق عزيز و زين العابدين بن علي، ولا داعي لقراءة الكتابين، إذ يكفي معرفة إسميهما:
* طارق عزيز...رجل و قضية. * بن علي: العقل في زمن العاصفة.
ثانيا: شيوخ و علماء الد ين.
هذه الفئة في المجتمعات العربية، تتحمل المسؤولية الأولى في صناعة الديكتاتور، وإستمرار المتسلطين والطغاة، فهذه الفئة التي درست وتدرّس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )، بدلا من الوقوف أمام هؤلاء الطغاة والمستبدين من الحكام العرب، نجدهم كل يوم جمعة وفي مئات الآلآف من المساجد يدعون لهذا المستبد بطول العمر والنصر على أعدائه، متناسين أن شعوبهم العربية هي أعداؤهم، وبالتالي يدعون الله تعالى أن ينصر هؤلاء الطغاة على شعوبهم. وقد إفتتح غالبية هؤلاء الشيوخ سوقا يمكن أن نسميه ( بازار الفتاوي )، ففي كل موضوع فتوى و فتوى مضادة، ولم تسلم حتى ( الدروس الخصوصية ) من هذه الفتاوي، وانشغلوا بذلك عن مهمتهم الأساسية في محاربة الظلم والظالمين، و السطو على السلطة والحكم حتى الموت!!!
ضمن هذا السياق، يأتي ترشيح الحزب الوطني الحاكم في مصر للرئيس حسني مبارك لولاية خامسة، أي أن يبقى في السلطة حتي الثانية والثمانين من عمره، وكأن السبعين مليونا من المصريين لا يوجد من بينهم من هو قادر على قيادة الشعب المصري، وهذا ما يفهم من قول الأمين العام المساعد وأمين التنظيم في الحزب كمال الشاذلي: ( إن الحزب الوطني الديمقراطي حزب الأغلبية يشرفه ترشيح الرئيس حسني مبارك زعيم الحزب لفترة رئاسية جديدة، لأنه القائد القادر على مواصلة العطاء من أجل شعب مصر بكل فئاته وأحزابه وكل توجهاته، وإن مصر مازالت في حاجة إلى الرئيس مبارك وإخلاصه وعطائه ونقائه )...وهل يختلف مضمون هذا التصريح، عن مضامين الكتب عن صدام حسين و زين العابدين بن علي، التي إستعرضت عناوين بعضها؟؟. والكارثة – المصيبة، أنه وفقا للإجراءات المعمول بها حاليا في مصر، فإن مجلس الشعب يقوم بتسمية مرشح وحيد لرئاسة الجمهورية بأغلبية الثلثين، ثم يطرح إسم هذا المرشح في إستفتاء شعبي، ولكي يتقدم أي شخص إلى مجلس الشعب بترشيحه لرئاسة الجمهورية، يتعين عليه الحصول مسبقا على تأييد ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ).
ونظرا لتعسف هذا القانون وإستبداديته، هناك دعوات عديدة في مصر من أجل تعديل الدستور حتى يتم إختيار رئيس الجمهورية بالإنتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح، كما صعدت المعارضة المصرية حملاتها من أجل هذا الغرض، وفي ديسمبر من العام الماضي، شهدت القاهرة مظاهرة جريئة، رفعت لأول مرة شعار ( لا للتمديد للرئيس مبارك لولاية خامسة، لا لتوريث الحكم ).

فهل تتوقف الشعوب العربية عن صناعة الإستبداد والمستبدين، وتحذو حذو الشعوب الأخرى؟؟؟.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو [email protected]