إن مؤسسات شعبنا الآشوري وعلى مختلف أنواعها وتوجهاتها، لاسيما السياسية منها، قد غرقت على ما يبدو في فنجان ماءٍ، ليس لعدم قدرتها على السباحة وإنما لشدة غرورها وكبريائها بنفسها، حيث أوصلها ذلك إلى شفير الهاوية، كي لا نقول إلى قتل النفس!...
نقول هذا، ليس من قبيل الشماتة على الإطلاق، وإنما من من قبيل الحرص التام على مستقبل شعبنا وبمختلف انتماءاته المذهبية، فباعتقادنا، ما من مخلص وشريف، إلا ويتألم للحالة المأساوية التي يعيشها شعبنا، دون رقيب أو محاسب أو رادع... فالمستقبل الذي أدى بالبعض ـ هذا البعض الذي نصب نفسه ممثلا أو قائداً لهذا الشعب ـ وسكت الشعب مرغماً، قد أدى به (أي الشعب) أمام حائط مسدود، وذلــك، أقلـّه في المدى القريب المنظور.

فمنذ أكثر من ربع قرنٍ بشكل عام، وفي السنوات العشرة المنصرمة على وجه الخصوص، قد ملّ شعبنا سماع أخبارِ أو نشاطاتِ أغلبية تنظيماتنا، سواء كانت داخل الوطن أم خارجه. فلا المؤتمرات ولا اللقاءات ولا الزيارات، ولا... أدت ولو الحد الأدنى مما كان يتغنى به هؤلاء "الأشاوس" من شعارات حفظها شعبنا وملّ سماعها، فتلك الشعارات وعلى سبيل المثال: "حقوق شعبنا السياسية..." و "المثلث الآشوري" و "الفيدرالية أسوة بباقي مكونات الشعب العراقي" و "تحقيق طموحات شعبنا" و "تشكيل قيادة موحدة" و...ألخ. قد أدت بنا إلى نتائج سلبية وخطرة، حيث زادت الأمور تعقيداً، وبالتالي، أوصلت بقضيتنا، إلى تقسيم المقسّم وتجزأة المجزّء..!.

هل هذا ما كان يتمناه شعبنا، وتعمل من أجل تحقيقه تنظيماتنا السياسية بشكل خاص؟!.

فبالله عليكم يا أيها القادة المسؤولون، سواء كنتم على رأس تنظيماتٍ سياسية أم أندية ثقافية أم جمعيات خيرية... ففي الحقيقة، لقد ضعتم وضيّعتم معكم القضية، لقد تهتم بغروركم وكبريائكم، وأوصلتوا بشعبنا المغلوب على أمره، إلى ما هو عليه اليوم. فبعد أن كانت القضية الآشورية، مسموعة في المحافل الدولية، وسائرةً باتجاهها الصحيح حتى ولو بخطى بطيئة، لكنها كانت تخطو خطواتٍ ثابتة وراسخة.. باتت اليوم تلك القضية المقدسة، بحاجة إلى معمودية جديدة يحاول كل فريق تسميتها على هواه وحسبما تدعو مصالحه الآنية!...
حقاً، هناك بعض التجمعات أو بعض الأحزاب كما تُسمي هي نفسها، والتي لا يزيد عدد أعضائها العشرات، وأحزاب أخرى قد تكون أكثر بفارق بسيط، لا يهمها إلا الدعاية الإعلامية. هذا ما نلاحظه على الأقل، ونتمنى أن نكون مخطئين، كما نتمنى بنفس الوق، أن ينوّرنا مَن يعتقد عكس ذلك!.. وإلا، ما معنى إدراج أسماء بعض تنظيماتنا الآنفة الذكر، في أي بيان أو تصريح صحفي أو ما شابه، حتى ولو كان مناقضا تماماً لبرامجها ورؤيتها المستقبلية.
فلو عادت تلك القيادات الحكيمة!.. خطوات إلى الوراء، وقيّمت بعض بياناتها، تلك التي أصدرتها خلال عامٍ واحد فقط، لاكتشفت التناقضات والأخطاء التي ارتكبتها، والتي قد أدت دون أدنى شك، إلى زعزعة الثقة فيما بينها وبين أعضائها ومناصريها وشعبها.
لكــن، هل من المعقول أن أغلبية تنظيماتنا السياسية، بعيدة كل البعد عن التقييم لأعمالها ونشاطاتها وللوعود التي قطعتها لنفسها ولشعبها. فليس بمجرد إصدر بيان من هنا وآخر من هناك، نكون قد أصبحنا على قاب قوسين من تحقيق طموحاتنا. فتلك ليست بالمسؤولية التي توصلنا كشعب وقضية نحو تحقيق أهدافنا بقدر ما هي وسيلة للوصول إلى الأهداف الضيقة التي تتطلع إليها قيادات معظم تنظيماتنا السياسية. وللأسـف، هذا هو واقع الحال الذي نعيشه، وما يهمنا هو النتيجة، والنتيجة البادية أمام كل واحد منا، هي أكثر من مأساة وكارثة بحق شعب وقضية، وما من قائد حقيقي قادر على انتشال هذه الأمة من محنتها.
إن الأعمال أو الأساليب المتبعة من قبل أغلبية ممثلي تنظيمات شعبنا، سواء في الداخل أو الخارج، قد أوصلت بتلك التنظيمات إلى الحضيض، وبالتالي القضية إلى المجهول..
فاليوم ــ ولئلا نبتعد كثيرا عن الجوهر، كون الذاكرة لدى هؤلاء القادة والكثير منا أيضاً قد تخوننا ــ نرى كافة مكونات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه، منشغلة كخلية نحلٍ، تحضيراً للانتخابات التي باتت على الأبواب، وهذا عين الصواب، والمنطق بحد ذاته، والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منهم. إنه الواجب والضمير والعنفوان.
لكن المؤسف، نرى شعبنا، وبالإضافة إلى موضوع التسمية الذي دُسّ في بيت كل واحد منا، نرى التقسيم والتشتت بدلا من الوحدة والتآلف، مما يصعّف ويعقـّد الأمور ويضر بالمصلحة القومية وبحقوق أبناء شعبنا، فنجد أنفسنا أمام جدار مليء بالحقد والضغينة وعدم الثقة بين بعضنا البعض، وأما المسؤول عن مَن أوصلنا إلى ما نحن عليه، هو هذا الغرور والكبرياء الذي احتل قلوب وعقول معظم قادتنا "الأشاوس"!!..

إن المرحلة، صعبة وخطيرة ودقيقة، أي، إنها مرحلة تاريخية، لا بد لكل واحد منا أن يقوم بالواجب الملقى على عاتقه، لنكون قادرين معاً من اجتياز هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر، والتي من خلالها فقط، أي خلال، تماسكنا وتآزرنا ووحدتنا واحترامنا لبعضنا البعض، يتمكن شعبنا الآشوري بمختلف انتماءاته الكنسية والفكرية والعقائدية من الوصول إلى تحقيق بعض الأمنيات والتطلعات التي راودته ومنذ عشرات لا بل مئات السنين.

إن ما لفت نظرنا منذ أيامٍ معدودة، هو توجيه الدعوات أو ما شابه من أحزابٍ إلى أخرى (طبعاً أحزاب شعبنا!)، مضمونها، عقد مؤتمر، توحيد الصف، المطالبة بالحقوق....ألخ. وكأن المؤتمرات السابقة وما تلاها من مقررات وتوصيات، قد حققت كل ما نادت به!.. وللأسف نقول، لا زال البعض، يلهث وراء مكاسب ظرفية آنية إعلامية.
فإذا كانت المسألة تتعلق بعدد أو كمية المؤتمرات، لكانت مؤسسات شعبنا السياسية، قد ضربت الرقم القياسي بذلك، ونافست بجدارة "جامعة الدول العربية" ــ مع احترامنا لها ــ وبالتالي تمكنت أحزابنا دون منافس، من دخول كتاب "غينيس" للأرقام القياسية..
لكن المسألة أيها الإخوة، ليست بهذه البساطة، وإنما يتطلب منّا جميعاً، أن نترفع قليلا إلى المستوى المطلوب من حيث التعاطي مع بعضنا البعض ولا سيما في القضايا الوطنية والقومية، والتحلي بأعلى درجات الوعي السياسي والرؤية المستقبلية المشتركة لما فيه خير شعبنا ككل. فكل واحد منا، مسؤول عن الحالة التي نمر بها، أجل، كلنا مسؤولين عما نحن فيه، بغض النظر عن حجم المسؤولية التي تقع على عاتق كل واحد منا، سواء فرداً كان أم مؤسسة سياسية أم دينية أم ثقافية أم اجتماعية..
فمن أجل كسب ثقة أبناء شعبنا، يتوجّب علينا وقبل فوات الأوان، أن نتوحـد فعلاً لا قولاً، ونضع نصب أعيننا، مصلحة شـعبنا وقضيتنا المحقة، وننسى الغايات الشخصية ونبتعد عن التفاصيل التي تزيد من تشتتنا وتفرقتنا.. فالحالة التي نتخبط فيها جميعاً، قد وصلت إلى آخر حدودها، ولم يبقَ خط أحمر إلا واجتازته تلك التنظيمات سواء من خلال تصرفاتها الخاطئة أو من خلال بياناتها وتصريحاتها المتناقضة لبعضها البعض أو من خلال ممارساتها اللامسؤولة.
فهل من تنظيمٍ أو حزبٍ أو نادٍ ثقافي أو... قادر على قول الحقيقة ولو أتت متأخرة؟!..