وقف المرشح على منصة الخطابة، وقد ارتدى اجمل حلته، وتعطر بافخر العطور الباريسية، واحاط به ثلاثة من التابعين الاشداء الذين يحملون البنادق الالية واجهزة الاتصالات، وتخفي عيونهم نظارات سميكة سوداء، فيما سكن الحاضرون انتظارا للحديث الذي سيدلي به المسؤول المهم، والمرشح بقوة للفوز بالانتخابات.. وبعد لحظات الصمت انطلقت حنجرة صاحبنا مغردة بالحديث القيم، الذي ترتفع نبرة الصوت فيه بشكل متزايد حتى يصل حد الصراخ، رغم قوة اجهزة تكبير الصوت..
"لثلاثة عقود قبع العراقيون خلف قضبان سجن كبير، واصبح الشعب كله اسير فئة يسيرة، لم يعرفوا سبيلا للكلام ولا وسيلة للتعبير، غير تنفيذ رغبة القائد (الرمز).. وقد كنا طوال هذه السنين نعمل على تحريركم، نعقد الاجتماعات، ونناقش القضايا المصيرية، وبعد تناول العشاء الفاخر، نتفق على معاودة الاجتماع.. حتى تحقق التحرير فكنا نحن اصحابه وسببه، لذلك عليكم ان تقروا بالفضل وان تصوتوا لمرشحيكم الذين سهروا الليالي في الفنادق الراقية خدمة لاهداف وطنكم، والذين اقنعوا القوى العظمى بضرورة التدخل عسكريا.. صوتوا لمرشحكم الذي ما غابت عن ناظريه قضية الوطن والظلم الذي لحق بالشعب.."
"صوتوا لمرشحكم المفضل، فانه يعدكم بالماء والكهرباء والوجه الحسن.. وبتحسين الخدمات لتصل الى مستوى يتناسب وما يصرف من اموال طائلة في سبيلها.. سوف نبلط الطرق، ونمد شبكات المجاري، حتى تصل الى ابعد قرية وحي سكني.. سوف نصلح شبكات الكهرباء، ونوفر محطات تصفية الماء، ونملأ الساحات القذرة في المناطق السكنية وغيرها بالورود واشجار الزيتون، ونوفر الملاعب في عموم المدن، فلا يضطر شبابنا الى اللعب في الشوارع والارصفة.."
"من اجل عراق اجمل واكثر اشراقا.. صوتوا لمرشحكم المخلص. سوف نقضي على الفساد الاداري، والرشوة المتفشية حتى النخاع في جسم الدولة العليل، ونجعل كل موظف يقنع براتبه الذي تضاعف عشرات المرات بعد السقوط، وسنضرب بيد من (حرير) على يد مرتش لا يشارك رئيسه فيها.. فالخير يخص والشر يعم.."
"من اجل توفير فرص العمل.. انتخبوا مرشحكم الاجدر. سوف نبني المصانع، ونعمر المزارع، ونشيع العمران، حتى لا يبقى خريج كلية يقف على (بسطة) ولا صاحب عائلة يمد يد الشحاذة.. سوف نمتص البطالة والبطالة المقنعة، فتصبح جزءا من التاريخ، كما جعلنا النظام السابق جزءا منه.."
"من اجل عراق آمن.. صوتوا لمرشحكم الامثل.. سوف نقضي على الارهاب، ونحمي الحدود، ونقوي الجيش، ونطهر الشرطة، ونطلب من دول الجوار ان تكف عن التدخل السافر في شؤوننا الداخلية، وتمتنع عن دعم المتمردين والخارجين عن القانون، وسنستحلف هذه الدول بعلاقاتنا (الحميمة) في سابق الايام، ونرجوهم ان يرحموا هذا الشعب المسكين ولا يستهتروا بدمه.."
"من اجل الاستقلال.. صوتوا لمرشحكم المجاهد. سنجبر الامريكان على الرحيل، وسنستحصل قرارا من مجلس الامن يعترف باستقلال العراق لاول مرة في تاريخه، وسنصبح احرارا في حكم انفسنا بعد مشاروة الاخوة والجيران، وسنجعل من العراق واحة للديمقراطية، وجنة للحرية.."
صفق الحضور بفتور، وقال احدهم "هيا الى الطعام" فانصرفوا بقليل من الضوضاء، وفي القاعة المجاورة، كان كل ما يسمع صوت مضغ الطعام، وتأسف بعضهم لمرضه بالسكري الذي يمنعه من التمتع بالاصناف الكثيرة على المائدة.