السؤال الطبيعي الذي يراود أي إنسان مؤمناً كان أم ملحداً هو أي الأديان هو الأصح؟ والجواب غالباً هو نفس الدين الذي يعتنقه هذا الشخص. ورغم الأسئلة الحائرة التي تراوده فيما يتعلق بدينه، فإن أقرب الأجوبة إلى المنطق بالنسبة له هي تلك الأجوبة التي تتضمنها ميادئ دينه الأصلي.

لقد مثلت الأديان السماوية مرحلة متقدمة في تاريخ البشرية لتفسير مسألة الخلق وشريعة الخالق. ومع أن الـديانات السماوية تجعل الله الهدف النهائي لعملية التعبد، فإنها اختلفت في الطريق التي اعتمدته للخلاص، ففي حين جعلت المسيحية يسوع المسيح السبيل الوحيد للوصول إلى الله، جعل الإسلام الإيمان بالرسول محمد ركناً أساسياً لا بديل عنه إذا أراد الإنسان أن التقرب من الله للحصول على رضاه. و الهدف الواحد لدى أتباع الديانتين ووجود الكثير من القواسم المشتركة، لم يشفع لهما بالابتعاد عن المنافسة و اتخاذ أساليب تتعارض مع الأخلاق في نشر هذا الدين، حتى أضحى العامل الأساسي الذي يحرك أتباع الديانتين هو الخوف من انتشار الدين الآخر، لإن هذا الانتشار هو في الغالب على حساب الدين الآخر. و حفلت مواقع التبشير المسيحية والدعوى الإسلامية بأعدادٍ من أولئك الذين اهتدوا بعد الضللال الذي عاشوا به لفترة قد تطول أو تقصر مع ملاحطة أن غالبية المهتدين هم من الشباب. ولا تحرم تلك المواقع قارئها من المقارنة بين حياة أولئك الأشخاص قبل وبعد الهداية والخير الذي من الله به على الواحد منهم بعد أن وجد الطريق السليم، رغم معاداة الأهل أو خسارة بعض الأصدقاء إذا كان عربياً، ولا مبالاتهم أو استهجانهم إذا كان غربياً.

و يتجاهل القائمون على هذه المواقع عقل القارئ ويصرون على الاستمرار فيما يلومون بسببه حكوماتهم بذكر جانب واحد من الحقيقة، ذلك الجانب الذي يدعم معتقداتهم ـ على سبيل المثال الفتيات المسيحيات عندما يقررن الزواج من شخص مسلم يصبحن مسلمات ليس لانهن مقتنعات بأفضلية هذا الدين على سواه بل لإن الظروف الجديدة تحكم عليهن بذلك ـ لكن الدعاة المسيحيون و المسلمون يرفضون التسليم بهذه الحقيقة، ويصر المسيحيون أن ما تضخه الدول المصدرة للنفط من أموال هو السبب في انتشار الا سلام، ولايقف المسلمون بالطبع صامتين أمام هذا الاتهام بل بيحثون عن اليراهين ـ ليست تلك التي تنفي شبهة الرشوة عن انتشار الاسلام، بل بالعكس تماماً ـ التي تثبت أن الغرب يستثمر كافة الفرص لحرف المسلمين عن الدين الحقيقي و تنصيرهم.

بعد انتشار الكلمة المطبوعة وبعدها الانترنيت حلم كل من الطرفين بإيصال رؤيته إلى الطرف الآخر لكن للأسف ثابر كل منهما على رؤية ايجابيات دينه و التزام أفراده به، و تجاهل الأخطاء التي يرتكبها بعض حملة لواء هذا الدين لانهم بنظره قلة ٌ ويرهانه هو ما ورد في كتابه المقدس من آيات ؛ لكن عينيه لن تغفلا بالمقابل عن الهفوات التي يقوم بها بعض أتباع الدين الآخر ولا مانع من جعل سلوك هذا البعض معياراً حقيقياً للدين، وذكر آلاف الأمثلة التي تؤيد معتقده.

يحكى أن رجلاً فارقه النعاس فخرج من منزله في منتصف الليل يتنزه، فصادفه رجلٌ صاح به مستغرباً: كيف تخرج في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ فأجابه متعجباً: تشاركني بالفعل و تنفرد بالتعجب! وهذا ما حدث مع جمعيات الهداية. تزف لقرائها الخبر السار عن اهتداء أحدهم، لكنها تبصره من جهة أخرى بالخطر الذي تحمله منظمات التبشير من الدين الآخر، والعوائق التي تقف قي طريقها. لا تحترم عقل القارئ بالإجابة عن السؤال البديهي: لماذا يحق لنا ما لا يحق لسوانا؟

خير مثال على ذلك ما نشرته بعض المواقع الاسلامية منذ يومين حول خبرٍ يذكر أن أحد الجمعيات الأمريكية الخيرية نقلت أطفالاً إلى دار أيتام مسيحية كخطوة أولى في طريق تنصيرهم. ليس من المهم بنظر هذه المواقع مساعدة الأيتام بل أن ما هو أهم من ذلك هو بقاؤهم مسلمين، ولو تكررت نفس الواقعة مع جمعيات إسلامية لاستغاثت المواقع المسيحية من حملات الدعوى، و أعلنت أن عملها يعاق في حين تتاح كل السبل أمام الجمعيات الاسلامية على اعتبار أن دين الدولة الرسمي هو الاسلام.

أصبح المواطن المسكين الذي يقطن في الدول الفقيرة فريسة حقيقية لتلك الجمعيات، الكل يدعوه إلى الله ويقدم له المغريات كي يضمن حياة أفضل على هذه الأرض و جنة في الحياة الأخرى. ولا عجب من جهة أخرى إذا قرأ المرء في أحد المواقع الإسلامية نصيحةً للشاب المسلم كي يستغل وجوده في دول الغرب لهداية المواطينين الضالين و استعداده لتزويد داعية المستقبل بأفضل الطرق المتبعة، والتي كما يبدو قد أثبتت فعاليتها مع ضالين سابقين وردتهم إلى جادة الصواب.