إنّ هذه الكتابة هي ردّ على مقالة للأستاذ فهمي هويدي بعنوان (قدر الأكراد في إختيارهم بين السيء والأسوأ) والتي نُشرتْ في إيلاف في وقت سابق. يقول الكاتب في مقدمة مقالته بأنّ تصريحات بعض زعماء الأكراد ومطالبتهم بالإستقلال تؤدي الى تفاقم المشكلة الكردية ولا تساعد على حلها. إن محاولة شعب كردستان للوصول الى حقوقه المشروعة في العراق هي حق طبيعي له حيث أن الشعوب العراقية تتكون من قوميتين رئيسيتين هما العرب والأكراد بالاضافة الى تواجد التركمان والكلدوٱشوريين في العراق. إن شعب كردستان عانى من حروب عنصرية مدمرة التي اشعلتها الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق حيث إستعملتْ الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب الكردي ودفنتْ اكثر من ‏‏‏مائة واثنين وثمانين الف شخص من أطفال ونساء وشباب أبرياء أحياءً في صحارى العراق وقامتْ بتعريب قرى و مدن كردستان و خاصة في كركوك و خانقين و مندلي و سنجار وكذلك قامتْ بتدمير أكثر من أربعة لاف و خمسمائة قرية كردستانية بدون أنْ نسمع أصوات عربية أو إسلامية تدافع عن هذا الشعب المظلوم أو تفضح الإبادة الجماعية التي تعرض لها. إن الحكومات العربية و الإسلامية ووسائل الإعلام في هذه الدول شاركتْ الحكومة العراقية الفاشية في جرائمها بتأييدها لها والتستر على إبادة شعب كردستان. إنّ أطياف الشعب العراقي في العراق الجديد يجب أن تكون لها حقوقاً متساوية و تحافظ على خصوصيتها القومية والمذهبية و الثقافية والاجتماعية واللغوية والدينية التي هي من المتطلبات الأساسية للشراكة الحقيقية في الوطن الواحد و من الشروط التي يجب توفرها لديمومة هذه الشراكة، لذلك من أجل المحافظة على هذه الشراكة، يجب الإعتراف بحق شعب كردستان في تقريرمصيره بنفسه و الحفاظ على هويته و لغته وتراثه و تأريخه وثقافته. بتوفر هذه الشروط الموضوعية يمكن للشعبين العربي والكردي في العراق أن يعيشا معاً ويبنيا عراقاً ديمقراطياً فيدرالياً موحداً تُراعى فيه حقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية و الحريات العامة والديمقراطية والممجتمع المدني. بدون الإعتراف الكامل بالحقوق المشروعة لشعب كردستان فأن العيش بين الشعبين العربي والكردي في العراق سيكون مستحيلا وأنّ أية محاولة لإجبار الكرد على الشراكة غير المتكافئة مع عرب العراق ستخلق مشاكل و مآسٍ لكلا الشعبين والتي هما في غنىً عنها وتجارب الماضي خير شاهد على المخاطر التي تحيق بهما.

يقول الأُستاذ هويدي في مقالته بأنّ الزعامات الكردية أبدت إستعداداً للتعاون مع أي جهة لتحقيق مرادها، الأمر الذي دفع بعضاً منهم إلى إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل. حُسناً، شعب كردستان تعرض للإبادة الجماعية والإذلال والتعريب منذ إنتهاء الحرب العالمية الاولى بينما كان الشعب العربي يتفرج على مأساة شعب كردستان بل يشارك حكامه العنصريين في قمع هذا الشعب و كلنا نتذكر كيف شارك الجيش البعثي السوري في الحملات العسكرية التي قام بهاالجيش البعثي العراقي لإبادة شعب كردستان في العراق في عام١٩٦٣. الحكومات العربية تبيد الشعب الكردي و العرب متفرجون أو مؤيدون أو مساهمون في هذه الجرائم الوحشية. أين كان العرب و المسلمون عندما إستعمل الدكتاتور الجرذ صدام حسين الأسلحة الكيمياوية ضد الأكراد؟ أين كان ضمير ألأُمة العربية و إنسانيتها و رسالتها الخالدة و أبواق إعلامها عندما دُفن أكثر من مائة و إثنين و ثمانين ألفاً من الأكراد وهم أحياء من قبل النظام البعثي؟ إنّ الأنظمة العربية تقوم بإبادة الكرد ويريد العرب في الوقت نفسه من الشعب الكردي أن يتقبل الموت بهدوء وعن طيبة خاطر دون أنين أو صراخ أو مقاومة بل وفوق ذلك يريدونه أن يتضامن مع ويدافع عن الأنظمة العربية العنصرية ضد أعدائها الخارجيين لتتمكن هذه الأنظمة من إكمال مخططاتها الرهيبة في إبادة شعب كوردستان وطمس هويته. إن آلاف الشباب الكردي ضحوا بحياتهم من أجل فلسطين بينما كانت مكافأة العرب للشعب الكردي هي إبادتهم بالسلاح الكيمياوي ودفن أطفالهم و نسائهم و رجالهم أحياءً في مقابر جماعية وإحراق وتدمير مدنهم وقراهم وتسميم ٱبار مياههم وينابيعهم. من هنا أصبحتْ حياة شعب كرددستان ووجوده في خطر وأصبح مضطراً أن يمد يده للشيطان ليحافظ على حياته ويمنع فناءه بيد إخوة له في الدين والعيش المشترك. إنّ القضية الفلسطينية هي قضية فلسطينية أولاً و قضية عربية ثانياً وأنّ عدداً من الدول العربية لها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل ورجال الموساد الإسرائيلي يتواجدون في معظم الدول العربية والأجهزة الإستخباراتية الإسرائيلية والعربية تتعاون وتتبادل المعلومات الإستخباراتية فيما بينها. إنّ معظم المثقفين والكُتّاب والصحفيين العرب يغضّون الطرف عن هذه العلاقات وعوضاً عن فضح الحكومات العربية الدكتاتورية والدفاع عن شعوبهم المضطهدة من قِبل حكوماتها، تبثّ الأكاذبب والإفتراءات حول الوجود الإسرائيلي في كردستان. ومع ذلك أتساءل لماذا يحق للعرب إقامة علاقات مع إسرائيل بينما إقامة علاقات كردية إسرائيلية هي من المحرّمات؟! العرب هم أصحاب القضية وأن هناك مواطنين فلسطينيون هم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي ومع ذلك أنّ العرب يريدون أن يصبحوا أوصياءً على شعب كردستان وفرض إرادتهم عليه دون أن يأخذوا بنظر الإعتبار أن لكل شعب ظروفه ومصالحه الخاصة به وخياراته ودون أن يعوا التغيرات النوعية الكبرى التي حصلت في النظام العالمي منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي وقيادة العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثمّ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبدء الحرب ضد الإرهاب والتي أدت إلى تغيير دراماتيكي في توازن القوى عالميا وإقليميا.

الأُستاذ هويدي يتهم الزعامات الكردية بإذكاء روح العصبية و إعلان الحرب على العرب وعلى لغتهم وإنزال اللافتات العربية والإبقاء على اللافتات االكردية. إن هذه الإتهامات ظالمة حيث أن العلم العراقي يرفرف الى جانب العلم الكردستاني في كردستا ن (رغم أنّ هذا العلم يرمز الى الوحدة بين مصر و سوريا والعراق والتي لم تظهر للوجود بالإضافة الى كتابة عبارة ( الله أكبر) بيد جلّاد العراق لا حُباً بالإسلام وإنما إستغلالاً للدين الإسلامي المتسامح) وأن اللغة العربية تُدرَّس في المدارس والجامعات الكردستانية. طالما أنّ العرب والكرد شركاء في الوطن العراقي، فأن هذه الشراكة تفرض أن يتم تعليم اللغة الكردية في جميع المدارس والمعاهد والجامعات العراقية وأن تتضمن مناهج التعليم في العراق معلومات حول أصل وحضارة و تأريخ و لغة وأدب وفن وتراث الشعب الكردي حيث أن مناهج التعليم في كردستان تجعل الطالب أن يتعلم اللغة العربية والإلمام بحضارة وتأريخ وأدب وفنون العرب. إذا طُبق مثل هذه البرامج الدراسية بالإضافة الى المساوات بين المواطنين العراقيين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن قوميتهم أو طائفتهم أو دينهم، حينئذ يشعر المواطن الكردي و التركماني و الكلداني والآشوري والأرمني والسرياني والشبك و الصابئي والأيزيدي والكاكائي والشيعي و السني والمسلم و المسيحي بروح الإنتماء للوطن العراقي والإخلاص له والدفاع عنه..

يذكر الأُستاذ فهمي هويدي في مقالته المذكورة أنّ الأحزاب الكردية إنتهزت فرصة إنهيار النظام العراقي وضعف الحكومة العراقية الحالية لكي ترفع سقف مطالبها الى الحد الذي دفعها لإضافة فقرة الى القانون العراقي المؤقت تقضي من الناحية العملية بتمكين الأكراد من مصادرة أو نقض أي قرار تقرّه أغلبية الشعب العراقي، وهو ما أثار الإنزعاج والقلق في مختلف الأوساط العراقية حسب قوله. إن المفهوم المعاصر للديمقراطية هو تمتع كلاً من الأكثرية والأقلية في مجتمع ما بحقوق متساوية والإشتراك معاً في صنع كل القرارات التي تخص ذلك المجتمع بحيث تتمتع الأقلية المتواجدة في مجتمع ما بنفس الحقوق والواجبات التي تتمتع بها الأكثرية وذلك بإتباع الصيغ التوافقية بين مختلف مكونات ذلك المجتمع والتي بدورها تمنع تسلط الأكثرية وتحكّمِها بمصير الأقليات القومية والطائفية والدينية. إن الشعوب العراقية تتألف من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية بالإضافة الى القوميات التركمانية والكلدانية والآشورية. كما تتواجد في العراق أديان مختلفة كالإسلام والمسيحية والأيزيدية والكاكائية والشبك والصابئة وغيرها من الأديان التي تتواجد في العراق منذ زمن سحيق. ويتشكل المسلمون العراقيون من الشيعة والسنة. من هنا نرى أن الشعوب العراقية مؤلفة من أطياف قومية و دينية ومذهبية مختلفة تحتاج الى نظام سياسي ديمقراطي فيدرالي يحفظ حقوق كل القوميات والأديان والمذاهب الإسلامية في العراق وأن يقرر كل قومية مصيرها بنفسها دون فرض وحدة قسرية عليها والتي تخلق وحدة ركيكة سرعان ما تتهاوى وخاصة عندما يختل ميزان القوى الداخلية أو الإقليمية أو الدولية بالإضافة الى التسبب في خلق حروب داخلية مريرة تؤدي الى تدمير البلاد و إزهاق الأرواح وتدمير الإقتصاد العراقي وإيقاف عجلة التطور والحياة في البلاد وأنّ النتائج الكارثية للحروب العنصرية على شعب كردستان خير دليل على ذلك. لنفرض أن إستفتاءً أُجريَ في العراق حول تمتع شعب كردستان بحكم ذاتي ضمن نظام فيدرالي وصوّتَ أكثرية سكان العراق ضد الحكم الذاتي لأقليم كردستان. هل سيكون هذا الإستفتاء عبارة عن عملية ديمقراطية وهل نتيجته تكون عادلة وصائبة؟وهل تكون هذه النتيجة مقبولة لدى شعب كردستان؟! كلا، لأنّ الأكثرية في هذه الحالة تفرض إرادتها وتقرّر مصير شعب آخر هو شعب كردستان الذي له خصوصيته الخاصة به تأريخياً و ثقافياً ولغوياً. إنّ مثل هذه النتيجة سوف تُحرّم الكرد و التركمان والآشوريين والكلدان من الإحتفاظ بخصوصيتهم ومن تقرير مصيرهم بأنفسهم وتُلغي المساواة بين الأطياف العراقية وتجعل العرب العراقيين يتحكمون بمصير شعب كردستان. لذلك يجب على الشعب العربي في العراق وقادتهم أن يقرّوا بحق شعب كردستان أن يحدّد بنفسه الصيغة التي يختارها لعلاقاته مع الشعب العربي في العراق في إستفتاء يُدلي فيه شعب كردستان برأيه حول كيفية و نوعية العلاقة التي يريدها مع الشعب العربي في العراق وأن تحترم الأطياف العراقية الأخرى خيار شعب كردستان..

يتحدث السيد هويدي في جانب آخر من مقالته عن مدى حزنه بسبب إحتواء الدستور العراقي المؤقت على الفقرة التي تقول أن الشعب العربي في العراق هو جزء من الأمة العربية وليس الشعب العراقي كله جزء من الأمة العربية وحسب رأيه أنّ هذه الفقرة تُخرج الأكراد والتركمان وأحزابهم من الإنتماء العربي رغم أن الجميع يتحدثون اللغة العربية. أنا أعترض أيضاً على هذه الفقرة في الدستور العراقي المؤقت لأنّ واضعي هذه الفقرة يأخذون الجانب العاطفي من المسألة و يجعلون من أنفسهم أوصياء على الشعب العربي في العراق كما تعمل الحكومات الشمولية وإلا مَن يتأكد من أن الشعب العربي في العراق يعتبر نفسه جزء من الأمة العربية؟ يجب أن يُجرى إستفتاء لمعرفة مدى قبول الشعب العربي في العراق لهذا الإنتماء. إن أكثرية الأكراد والتركمان لا يعرفون العربية ما عدا قسم من المتعلمين منهم حيث أُجبروا على تعلم اللغة العربية في العهود السابقة ومُنعوا في نفس الوقت من تعلم لغاتهم الأُم. إنّ سكان الأرياف من التركمان والكرد يجهلون اللغة العربية ويستعينون بمُترجمين في مراجعاتهم للدوائر الرسمية. أُريد أن أُنوه هنا أيضاً بأنّ الإنتماء القومي لا تُحدده اللغة فقط بل أن شعور الإنسان بالإنتماء لأُمة ما يسبق اللغة في أهميته لتحديد قومية الإنسان رغم أهمية اللغة في تحديد هويته وهناك الكثير من الأكراد الذين يتكلمون الكردية أو هم من أصل كردي إلاّ أنهم لا يعتبرون أنفسهم أكراداً من أمثال طه الجزراوي نائب الدكتاتور السابق. إنه لأمر غريب ومؤسف يدلّ على التخلف والعنصرية أن تُرغم شعوب لها أ وطانها و لغاتها وحضاراتها وتأريخها وتقاليدها الخاصة بها بالإنتماء الى قومية أخرى كما عملها الدكتاتور صدام حسين مع الأكراد والتركمان وكما يدعو لها السيد هويدي. كما نعرف، أن اللغة الرسمية في جمهورية إيرلندا هي اللغة الإنجليزية والغالبية العظمى من الإيرلنديين يجهلون التكلم باللغة الايرلند ية الأم. هل يجوز في هذه الحالة أن نعتبر الإيرلنديين جزءً من الشعب الإنجليزي؟ إنّ المواطن الإيرلندي معروف بإعتزازه بقوميته الإيرلندية وحتى أنّ أحفادهم الذين يعيشون في أميركا وهم مولودون هناك و مواطنون أمريكيون عندما يُسألون عن جنسيتهم يجيبون بأنهم إيرلنديون أمريكيون! إنّ مثل هذه النظرة العنصرية الخاطئة تجاه الشعوب الأُخرىالتي تتعايش مع الشعب العربي، قادت الدول العربية الى الحروب والمآسي والكوارث والهزائم والدكتاتورية والفقر والتخلف التي تعيش فيها ولعلها تأخذ الدروس والعِبَر منها إذا يُراد للشعوب العربية العيش بسلام والعمل على خدمتهم وتطوير بلدانهم والإلتحاق برُكب الدول الديمقراطية المتقدمة بدلاً من الإنشغال بالحروب و القتل والدمار وإزهاق الأرواح وتقويض الإقتصاد وإلاّ فأن الشعوب الأُخرى التي تعيش مع العرب، مثل الأكراد و البربر والنوبييين و شعب جنوب السودان، ستضطر الى العمل من أجل الحصول على إستقلالها والتخلص من المظالم والعبودية والإلحاق والتعريب وخاصة أنّ النظام العالمي الجديد خلق ظروفاً مؤاتية للشعوب المظطهدة لإستعادة حريتها وحقوقها..
يستنتج الكاتب المذكور في نهاية مقالته، والذي إعتمد على هذا الإستنتاج في وضع عنوان مقالته، أنّ التشرذم الكردي الذي على ماهو عليه الآن (يعني الكاتب أن تبقى كردستان مقسمة كما هو الحال في الوقت الحاضر ) هو أمرٌ سيئ، أما محاولة لمّ شمل الأكراد في دولة واحدة فأنّ نتائجها ستكون أسوأ حيث أنه حسب رأيه في حالة محاولة شعب كردستان في بناء دولته على الأجزاء الأربع المحتلة من كردستان، ستؤدي الى حروب بين الشعب الكردي من جهة والحكومات التركية و الإيرانية و السورية المحتلة لكردستان من جهة أُخرى ويعتقد الكاتب بأنّ توحيد كردستان يحتاج الى حرب عالمية ثالثة. في رأيي أن التحليل الذي يقدمه الأُستاذ هويدي والإستنتاج الذي يتوصل إليه لحل المشكلة الكردية يكونان صائبين لو توصل إليهما أثناء فترة الحرب الباردة حيث أنه كان من شبه المستحيل لشعب كردستان أن يتمكن من بناء دولته على أرض كردستان في تلك الظروف الدولية والإقليمية التي كانت سائدة آنذاك. أمّا اليوم فأننا نعيش في عصر تهيمن فيه الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كقوة عظمى وحيدة ونعيش في عصر ثورة المعلومات التي جعلت من كوكبنا الأرضي مجرد قرية صغيرة بالإضافة الى الحرب التي تخوضها الإنسانية ضد قوى الإرهاب والتخلف والظلام وإنتشار الأفكار الليبرالية ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية وقبول الرأي الآخر بين شعوب الأرض قاطبة وتزايد نفوذ الرأي العام العالمي. كل هذه المتغيرات العالمية أدت الى وضع استراتيجية جديدة لنظام عالمي جديد لتحرير الشعوب من الحكومات الدكتاتورية والقضاءعلى بؤر الإرهاب في العالم وذلك من خلال تغيير البيئة التي تنمو فيها الأفكار الإرهابية وروح الكراهية وإزالة الأنظمة الدكتاتورية و الشمولية ومساعدة الشعوب المضطهدة التي عانت ولازالت تعاني من التخلف والبطش والجوع والخنوع والإذلال. إنّ النظام العالمي الجديد الذي يلوح في الأُفق سيحرّر الشعوب المضطهدة والمستعبدة في العالم بشكل عام و في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص و التي أصبحت بؤرة للأفكار الإرهابية والشمولية والعنصرية وروح العنف وسفك الدماء. إنّ مشروع الشرق الأوسط الكبير ماهو الاّ خارطة طريق لتطوير الإنسان في هذه المنطقة وتخليصه من الحكومات الجائرة التي دفعت بشعوبها المقهورة الى أتون الحروب العبثية وفي غياهب السجون والى مسخ شخصية الإنسان وحُكمه بالحديد والنار والإستحواذ على موارد دول المنطقة وسرقتها و تبذيرها دون أي وازع أخلاقي أو ديني أو إنساني. لذلك فأنّ هدف مشروع الشرق الأوسط الكبير هو تحرير الإنسان في المنطقة من العبودية والإستغلال والحروب والويلات والفساد، تحرير الإنسان، بغض النظر عن قوميته أو دينه أو طائفته أو جنسه، من الحكومات المستبدة والفاسدة ومن الأفكار والتربية المبنية على العنصرية والشمولية والعنف والقتل والإرهاب وإلغاء الآخر. مشروع الشرق الأوسط الكبير إبتدء من العراق و بعد نجاحه سوف ينتشر الى دول المنطقة تدريجياً وتمرّ المنطقة بمخاض عسير تتمخض عنه تحولات وتغييرات جذرية كبرى مؤدية الى تكوين مناخ ديمقراطي حضاري. عندما تتحول دول المنطقة ومن ضمنها الدول المحتلة لكردستان، الى دول ديمقراطية تعددية فيدرالية،كما بدأ يحصل الآن في العراق الجديد، سيّوفر مثل هذه الظروف المستجدة لشعب كردستان فرصة تأريخية لتحقيق إرادته في تقرير مصيره بنفسه وإختيار الحل الأمثل لمسألته القومية بما فيها حق إعلان دولته المستقلة إذا تأكد من أنّ هذا الحل هو من أحسن الحلول التي يخدم شعب كردستان ويحقّق تقدمه و رُقيّه. يركّز الأُستاذ هويدي في مقالته على الدور التركي لإجهاض مشروع الدولة الكردية، أننا يجب أن نقوم بتحليل علمي واقعي لصورة الشرق الأوسط بعد نجاح التجارب الديمقراطية فيها لكي نتمكن من القيام بإستنتاجات صحيحة لأحداث المنطقة، بعد تحوّل المنطقة الى دول ديمقراطية، يكون النظامان السوري والإيراني قد إختفيا وتحوّلا الى نظامين ديمقراطيين، أمّاالنظام التركي فأنّه سيضطر في مثل هذه الظروف الى التكيّف مع الواقع الجديد في المنطقة بالإضافة الى أنّ تركيا في ذلك الوقت ربما يكون قد نجح في مسعاها للإنظمام الى الإتحاد الأوروبي وحينئذ عليها أن تطّبق المعايير الديمقراطية الغربية في بلادها، أُسوةً بالدول الأوروبية الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، ومنها الإعتراف بحق شعب كردستان في تقرير مصيره بنفسه. مما تقدّم نرى أنّ الظروف الدولية المستجدة وثورة المعلومات قد أنهتْ والى الأبد أحلام العنصريين والدكتاتوريين و الشموليين في إبادة شعب كردستان وقهر إرادته و قتله بالأسلحة الكيمياوية و دفن أطفاله ونسائه ورجاله أحياءً في مقابر جماعية وتعريبه وتعريب مدنه و قراه وإحراق مزارعه وغاباته بدمٍ بارد دون أن يرفع أحداً صوته دفاعاً عن هذا الشعب المظلوم سواءً من شركائه في الوطن أو في الدين تاركينه ليواجه مصيره وقدره لوحده. نستنتج أيضاً أن مستقبل شعب كردستان و شعوب الشرق الأوسط الكبير قاطبة يتوقف على مدى نجاح المشروع المقترح لإصلاح الشرق الأوسط في المدى المنظور على الأقل ويجب أن يُحقّق هذا المشروع النجاح وإلاّ فأنّ فشلها سيكون كارثة و تحدياً خطيراً لمستقبل العالم الحُر بل مستقبل الإنسانية جمعاء..

[email protected]