مقدمات ونتائج ما قبل اسقاط النظام
----------------------

عقب العمليات الارهابية التي ضربت عمق الولايات المتحدة الامريكية في 11 سبتمبر 2001، التي كسرت هيبتها وعنفوانها او جبروتها كقوة عظمى لا تقهر،ظهرت تداعيات وردود أفعال أنية ومستقبلية من صناع القرار في الادارة الامريكية لمواجهة الخطر الجدي القادم من قوى التطرف السياسي والديني والقومي المقترن بالعنف. وقد كنا نتوقع اجراءات سريعة ومباشرة ضد بؤر طالبان والمناصرين لهم في افغانستان والخلايا الارهابية النائمة في العديد من دول العالم اذ لم يكن هذا التهديد موجها من قوى الارهاب ضد الولايات المتحدة الامريكية فقط وانما كان مهددا للاستقرار العالمي وأمن الانسان على هذه البسيطة امام تنوع وتعدد الاسلحة الفتاكة واسلحة الدمار الشامل التي يمكن ان تستخدمها هذه التنظيمات الاجرامية.
وفي شهر اكتوبر من عام 2001 توقعنا في محاضرة ألقيناها في معهد المشاريع الامريكية AEI في واشنطن وفي مناسبات متعددة اخرى في السويد ولندن وهولندا والدنمارك بان الهدف القادم سيكون نظام صدام الذي مارس سلسلة من التجاوزات والجرائم المضرة بمصالح الولايات المتحدة الامريكية وشكل مصدر الخطر على أمن اسرائيل والعالم من خلال تطرفه القومي ونهجه العدواني ضد العراقيين بمختلف قومياتهم واتباع دياناتهم وافكارهم وضد دول الجوار وضد العديد من دول العالم.
وفعلا حصل ما كنا نتوقعه، فقد شكلت وزارة الخارجية الامريكية مجموعة عمل بناء الديمقراطية في العراق لمرحلة ما بعد نظام صدام عام 2002 وقد اطلق عليها تسمية DWG وقد ضمت هذه المجموعة عددا من الخبراء العراقيين في المنافي وعددهم 32 خبيرا. وقد تم مناقشة كل القضايا الحيوية التي تلي ساعة سقوط نظام صدام واعد تقريرا مفصلا عن كل الاحتمالات والتوصيات المطلوبة لبناء عراق فيدرالي ديمقراطي تعددي موحد وقدمت التوصيات والاقتراحات الى مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في الفترة من 14-17 ديسمبر 2002 كما كانت كل المؤشرات تدلل على سقوط النظام في اواخر شهر شباط من عام 2003 غير ان الاشكاليات التي حصلت بين الادارة الامريكية والجانب التركي الذي كان منقسما داخليا بخصوص استخدام القواعد العسكرية ومنها قاعدة انجرليك في الهجوم على العراق دفع الادارة الامريكية الى تغيير خططها والدخول من الكويت والخليج بدلا من تركيا مما اخر العمليات الهجومية على نظام صدام بعض الاسابيع وبدأت عمليات اطلاق النار يوم 17 اذار 2003 وانتهت في 9 نيسان 2003 وتوقفت حالة الحرب في 1 مايس 2003 بأعلان من الرئيس بوش من على ظهر احدى البارجات العسكرية.
فهل يبقى العراق موحدا ما بعد التحرير وهزيمة الدكتاتورية وفي ظل الفوضى وحالة الاضطراب السياسي ؟

مقدمات ونتائج بعد سقوط النظام
-------------------

في بغداد وعقب سقوط نظام البعث – صدام مباشرة كانت الفوضى في كل شىء والضبابية في المواقف وتباين القرارات وتعدد مصادرها هي السائدة حيث الخراب والتدمير كان واضحا بسبب حرق وسرقة وتدمير مؤسسات الدولة واغلب البنى التحتية في العديد من مناطق العراق عدا وزراة النفط في بغداد. غير ان هذا لا يشمل منطقة أقليم كوردستان التي تتمتع منذ عام 1991 بالاستقرار بفعل وجود مؤسسات دستورية ومرجعية حزبية لخصوصية المنطقة الكوردستانية ولان العمليات العسكرية كانت خارج نطاق حدود اقليم كوردستان.
ثم تشكل مجلس الحكم من الاحزاب والشخصيات والحركات السياسية العراقية الفاعلة على الساحة وتلى ذلك تشكيل مجلس الوزراء ومن ثم انتقلت السيادة الى الحكومة العراقية الجديدة وفقا لقرلر مجلس الامن الدولي الى جانب صدور قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية يوم 8 اذار 2004 وصدور ملحق وهو بمثابة خارطة الطريق للعملية السياسية والتداول السلمي للسلطة مع صدور قانون للمحكمة المختصة بمحاكمة رموز النظام السابق الذي صدر يوم 10 ديسمبر 2003 وتحدد ايضا يوم 30 كانون الثاني 2005 يوما وطنيا للانتخابات يشمل كل العراقيين ممن هم في داخل العراق ام خارجه لتاسيس الجمعية الوطنية وانتخاب برلمان كوردستان.

والهدف الاول من انتخاب الجمعية الوطنية هو كتابة الدستور الدائم للبلاد وانتخاب رئيس للدولة ورئيس للوزراء والحكومة العراقية الانتقالية لغاية كانون الاول 2005 حيث ستجري انتخابات جديدة لتاسيس حكم دولة القانون وبناء مؤسسات الدولة الفيدرالية على اساس التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الانسان وبناء مقومات المجتمع المدني. ولكن هل يمكن ان يتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر ؟؟ أي هل ان كل هذه الخطوات يمكن ان تبقى الدولة العراقية موحده رغم المشكلات الجوهرية التي تنخر بها ؟ وهل تجري الرياح بما تشتهي السفن حتى تصل شاطيء الأمان بسلام ؟ وهل يمكن ان يحصل التوافق بين القوى الاسلامية – السياسية مع القوى العلمانية والتيارات والاراء الاخرى على دستور مقبول من الجميع ؟

تذهب اغلب الطروحات الى الاجابة بنعم أي، سيكون حساب الحقل مثل حساب البيدر،وان الدولة العراقية ستبقى موحدة رغم تغير شكلها طبقا لقانون ادارة الدولة وقرار مجلس الامن رقم 1546 من دولة بسيطة الى دولة مركبة فيدرالية،حيث عارضت جميع الاحزاب والحركات والشخصيات العراقية السياسية فكرة التقسيم للعراق قبل التحرير وما بعده الى وقت قريب اعتمادا على مبدأ الحل الفيدرالي واعتماد الشراكة العادلة في الاتحاد الاختياري وفقا لاسس بناء الديمقراطية وقواعد التداول السلمي للسلطة وعدم احتكار اي طرف سلطة صنع القرار وترسيخ حكم القانون من خلال انشاء مؤسسات دستورية لم تكن موجودة في العراق طوال عقود وبخاصة في عهد البعث- صدام.

الا اننا نعتقد ان الامر مختلف هذه المرة حيث تنخر في الدولة والمجتمع عدد من المشكلات التي تشير الى ان العراق لن يكون موحدا في العام 2005 ونعتقد ان وجود عراق غير موحد ينعم اهله بالامن والاستقرار افضل بكثير من عراق ضعيف وموحد على الورق تضرب بجذوره مشكلات جوهرية في ظل الفوضى وعدم توفر الامن والاستقرار وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد المالي والاداري وتزايد الاعمال الارهابية وضعف الدولة ومؤسساتها فضلا عن ان عملية التوافق بين مختلف القوى السياسية العراقيى على كتابة دستور دائم للبلاد قضية لن تكون بتلك السهولة بسبب تعدد وتباين وجهات النظر السياسية والفكرية والاهداف والغايات المختلفة ما بين التطرف الديني والمذهبي والقومي والمعتدل والعلماني وغير ذلك، ولكن ما هي هذه المشكلات التي تعد سببا في تفكيك وحدته ؟ ألا يمكن ايجاد الحلول لها ؟

تتصدر قضية الشعب الكوردي و حق الكورد في تقرير المصير والتعويض عن الاضرار التي لحقت بهم من سياسة النظام السابق في مقدمة الاولويات التي يجب عدم القفز عليها او تجاهلها حيث ( يطمح ) الشعب الكوردي الى تاسيس دولة مستقله عاصمتها كركوك الغنية بالثروة النفطية ذات الاغلبية الكوردية. اذ ما يزال الرأي العام الكوردي والقيادة الكوردية غير راضية عما يجري في حكومة المركز في بغداد بفعل وجود العديد من الملفات الساخنه دون حلول رغم موافقة البرلمان الكوردي يوم 15 كانون الثاني 2005 على العدول عن مقاطعة الانتخابات في كركوك والموافقة على المشاركة لقاء تعهدات خطية من رئيس الدولة المؤقت ورئيس الوزراء للحكومة المؤقته والسفير الامريكي والسفير البريطاني، اي بوجود الضمانات الداخلية والخارجية بحل عقدة كركوك وتفعيل نص المادة 58 من قانون ادراة الدولة للمرحلة الانتقالية وتطبيع الاوضاع في المدينة المنكوبة بسياسة التعريب والترحلي والمصادرة ومختلف الاعمال العدوانية من النظام السابق.

فالتجذاب مايزال قوميا بالهوية العربية للعراق من منطلق ان العراق بلد عربي وهو محض استفزاز للقوميات الاخرى لان الصحيح هو ان الشعب العربي في العراق جزء من الامة العربية وما تزال النظرة الاستعلائية على القوميات الاخرى موجودة وبقوة في الدولة والمجتمع حيث يرتدي السيد رئيس الجمهورية المؤقت الشيخ غازي الياور الزي العربي، ونحن لا اعتراض لدينا على ذلك وله منا كل الاحترام والتقدير ولكن نتساءل هل ان العقل العربي في العراق يتحمل ان يرى سياسيا كرديا قديرا يرتدي الشروال ويحتل منصبا سياديا حيويا كمنصب رئيس الدولة او رئيس الوزراء ؟ وهل يقبل العقل العربي والرأي العام ان تقود العراق سيدة كلدانية بملابسها القومية طبقا لقواعد العملية السياسية السلمية وطبقا للانتخابات الحرة ؟ أم ان الفتاوى سوف تنهال مثل الرماح وبسرعة السهام لتقول ان الولاية لغير المسلم لا تجوز على المسلم ؟ فاي بناء ديمقراطي هذا الذي يقال فيه ان الحكم لمذهب دون اخر وان المناصب السيادية لقومية دون اخرى ؟ ومن الذي يقبل بذلك في وقت ولت فيه علوية العنصر او عقدة الجنس وتفوقه على الاخر.

تشير كل المؤشرات الى ان الانفلات الامني وضعف واختراق في المؤسسات الامنية العراقية ووجود العديد من الارهابين والمتعاونين معهم دون حل ناجع وفعال وقضية شيوع الفساد المالي والاداري وانتشار عصابات الجريمة المنظمة في كل مناحي الحياة يشكل عقبه جوهرية امام تقدم الدولة والمجتمع ويشير الى تعذر تماسكها بل الى احتمالات نشوب الحرب الاهلية وتقسيم العراق ليكون امرا واقعا.ومما يعزز كلامنا هذا ما نقلته وسائل الانباء والصحف من نقل صدام الى قاعدة العديد العسكرية في قطر بحجة حماية صدام من احتمالات نشوب الحرب الاهلية اما حالة مقاطعة العرب السنه وتزايد الاعمال الاجرامية الارهابية وازدياد المخاوف من هذه الحرب الاهلية التي ان اشتعلت سوف تكون الكارثة الكبرى ونكون امام خيار التجزئه لا محال.

فالكل يعرف بوجود احساس قوى من العرب ومن القوميات الاخرى في جنوب العراق بالظلم والاضطهاد واندفاعهم الى تشكيل كيان سياسي مستقل وخاص بهم تحت غطاء الفيدرالية في جنوب العراق وتمت خطوات اخرى من 5 محافظات في الفرات الاوسط لانشاء كيان او اقليم على غرار اقليم كوردستان لادارة شؤونهم بانفسهم ضمن الفيدرالية ووفقا لقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية فصار هناك حتى الان ( اقليم كوردستان، اقليم الفرات الاوسط واقليم الجنوب وربما يتم انشاء اقليم الغرب من بعض المحافظات الغربية ). كما ان التدخل الاقليمي الكبير من بعض دول الجوار في الشان الداخلي العراقي وصل الى حد تجاوز الخطوط الحمراء حيث ظهرت العديد من التنظيمات والاحزاب والشخصيات ما بعد تغيير النظام مرتبطة مباشرة بهذه الدول وتنفذ سياستها وتابعة لها ماليا وسياسيا وفكريا مما يؤثر بقوة على التجانس السياسي والفكري والجغرافي والديني في ظل دولة موحدة تتصارع فيها الافكار والمصالح.

ومما يعزز قولنا ايضا في اتجاه تقسيم العراق هو وجود الضبابية وعدم الوضوح بل عدم الجدية في تفعيل محاكمة الرئيس السابق صدام حسين واركان نظامه وتطبيق القانون والانتصار لضحايا النظام سواء ممن هم في القبور الجماعية ام ممن هم في منافي الارض ام ممن هم على الارض ينتظرون الانصاف وحكم القانون. ونحن نعتقد بان هناك محاولات للالتفاف على موضوع المحاكمة وتظهر من خلال التحايل على التكييف القانوني لوضع الرئيس السابق من مجرم دولي عادي الى وصف اسير حرب بينما الحرب كانت قد انتهت بقرار الرئيس بوش منذ 1 مايس 2003 في حين تم القاء القبض على صدام يوم 13 ديسمبر 2003 اي بعد 7 شهور من وقف العمليات العسكرية وفي نقل صدام مؤخرا الى سجن خارج البلاد في احدى القواعد العسكرية.

وهذا الشعور بالخيبة والتأخير في اجراء المحاكمة العادلة يزعزع ثقة المواطن بالعدل والعدالة التي يجب ان تسود ويرسخ مبدأ الثأر والانتقام وقانون القوة بدلا من قوة القانون في وقت تتوفر فيه الحماية لعدد من اركان النظام السابق ومن المتهمين بجرائم دولية في بعض الدول وبحوزتهم ملايين الدولارات التي سرقوها من اموال خزينة الدولة العراقية. والا مالذي يفسر وجود حرية كاملة للعديد من اتباع النظام السابق دون قيود ولا خطوات جدية في المطالبه بهم من خلال الشرطة الدولية وفي اعادة الاموال المسروقه من خزينة الدولة ؟ وهذا الشعور بالحيف يحفز المواطن الى ان يختار العيش تحت مظله العشيرة او حكم خاص ووضع متميز سواء في الجنوب ام الوسط ام في كوردستان.

يضاف الى كل ما تقدم، ان هناك تجاوزات بليغة ضد حقوق الانسان من قوات التحالف منذ يوم وصولها وحتى الان وارتكاب مخالفات واضحة تتعارض مع اتفاقية جنيف لعام 1949 وقواعد القانون الدولي الانساني وبروز رأي عام بين العراقيين وحتى الكورد يحمل الكراهية للقوات الاجنبية التي ارتضت لنفسها وصف الاحتلال دون وصف التحرير طبقا لقرارات مجلس الامن الدولي. وكان من بين العمليات العسكرية الخاطئة ضرب بعض المواقع في مدينة اربيل يوم 5 كانون الثاني 2005 ومن ثم اعتذار قائد القوات الامريكية للقيادة الكوردية عما حصل من اخطاء فضلا عن تدهور اوضاع حقوق الانسان في مختلف المناطق.

ثم ان التراجع عن عمليات اجتثاث البعث De-Baatification وتطهير الدولة والمجتمع من الفكر النازي العربي ومن البعثيين واعادة المئات منهم الى اعمالهم السابقة في مرافق الدولة المخابراتية والامنية والجيش والدوائر الاخرى هو مؤشر خطير ومصدر خطر كبير لا علاقة له بقضية التسامح والمصالحة الوطنية وسوف يدفع في اتجاه اذكاء روح الانفصال وتاسيس الكيانات المستقلة لاسيما وان كل من العرب الشيعة والكورد ذاقوا مرارة الجرائم الدولية من البعث وقيادته وما تزال اثار هذه الجرائم لم تعالج رغم مرور وقت كاف على سقوط النظام السابق، فهناك ضحايا النظام من الكورد والعرب الشيعة والذين تعرضوا الى جرائم الابادة وهناك ضحايا القبور الجماعية التي تشكل علامة استفهام كبيرة في دراسة الموقف لكي لا تتكرر المأساة، وما يزال نصف مليون كوردي مهجر دون ذنب وسلبت منه حقوقه بسبب هويته القومية والمذهبية ومايزال عشرات الالاف من المهجرين والمرحلين دون حل لقضيتهم وهناك مئات الالاف من العوائل التي فقدت معيلها بسبب صدام ونظامه الاجرامي فضلا عن ان هناك اعدادا غير معروفه ربما تتجاوز المليون من المختفين والمفقودين ومنهم ضحايا الانفال والكورد الفيلية والعرب الشيعة وبخاصة ممن ساهم في مقاومة الدكتاتورية اثناء وبعد الانتفاضة عام 1991، وهناك مشكلة كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى التي تعرضت الى عمليلت التعريب التي مازالت تنتظر الحل.هذا فضلا عن ظهور مافيات وجماعات الجريمة المنظمة في العراق مؤخرا بصورة ملفته للانتباه وهو ماكده كذلك السيد نائب رئيس الوزراء برهم صالح في مقابلة صحفية اشار فيها الى ان عصابات المافيا تعشش في اجهزة الدولة :
http://www.pukonline.com/hewall/arabicnews/janu/165.htm

اما الاضطهاد الديني الذي يمارس ببشاعة في العديد من المناطق فقد تجاوز هو الاخر حدود المعقول حيث ان مئات الالاف من الاخوة المسيحيين واتباع الديانات الاخرى هاجرت بفعل الاضطهاد الواقع عليهم و بسبب التهديدات ضد حياتهم وهم لا يشعرون بالامان في الموصل و الوسط والجنوب بسبب بروز ظاهرة التعصب والتطرف الديني وتدخل رجال الدين في السياسة ووجود المليشيات المسلحة المنتشرة لاغلب الحركات والاحزاب السياسية عدا قوات البشمركة الكوردية التي تعد جزءا من الجيش النظامي فضلا عن البطالة المتفشية التي وصلت حدا غير معقول ولا مقبول، مما جعل الارضية خصبة لقتل روح الانتماء والمواطنه للعراق في ظل اجواء فرض حالة الطوارىء التي اعلنها رئيس الوزراء السيد اياد علاوي في كل انحاد العراق عدا اقليم كوردستان.
ولاشك ان مثل هذه الاوضاع الشاذة تجاه اتباع الديانات الاخرى غير موجودة في كوردستان فالتعايش الديني والمذهبي والقومي موجود دون ايه اشكاليات، بينما صار الكورد يتعرضون للقتل على الهوية في مناطق الموصل والشرقاط والحويجة واللطيفية وقد بلغ عدد الشباب القتلى في مدينة الموصل وحدها حتى شهر كانون الثاني 2005 حوالي 70 شخصا لا ذنب لهم سوى انهم كورد، وذبح 3 شبان من الطلبة في منطقة اللطيفية، فهذه الجرائم وغيرها تدفع بالقيادة الكوردية الى الاستجابة للضغط الذي يفرض عليها من الرأي العام الكوردي باتخاذ الخطوات اللازمه لحماية الكورد. بل ونحن نكتب هذه السطور عصر يوم 14 كانون الثاني ارتكبت جريمة قتل ثلاثه من الشباب الكورد من تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الموصل يفتح النار على سيارتهم وهم عزل دون سبب سوى انهم من الكورد.وصار القتل ضد الكورد ممارسة يومية في مناطق الموصل والحويجة والشرقاط وغيرها من البؤر التي يعشش فيها الارهابيون.

صحيح ان الكورد هم واقعيون ويعترفون بوجود فارق بين الاماني او التمنيات وبين الواقع، فالقيادة الكوردية تسعى الى ترسيخ اسس الاتحاد الاختياري وتثبيت قواعد الشراكة العادلة والمساواة في الحقوق والواجبات ضمن عراق فيدرالي تعددي ديمقراطي موحد، الا ان الواقع العملي يفرض على القيادة الكوردية ان تتخذ موقفا جديا واضحا وقويا لاسيما وان هناك العديد من الملفات ما تزال عالقة دون حل ومنها موضوع تطبيع الاوضاع في كركوك وفق المادة 58 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية وعودة المرحلين وتعويض المتضررين وكذلك وقضية الميزانية الخاصة بحكومة اقليم كوردستان وغيرها.

انا نعتقد ان تكوين الدولة العراقية كان مصطنعا ولم يقم على اسس قانونية صحيحة حيث الحقت كوردستان قسرا بالدولة العراقية بعد نكث العهود التي قطعت للكورد في تاسيس دولتهم على اراضيهم طبقا الى اتفاقية سيفر لعام 1920 في ظل عصبة الامم ومن ثم تم التخلي عنها في معاهدة لوزان عام 1923 بفعل مصالح وعوامل عدة خلافا لرغبة الشعب الكوردي الذي كان ينبغي ان يستفتى ويتم التعرف على موقفه ورأيه قبل الضم او الالحاق، وهو ما لم يحصل خلافا لقواعد القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير، ولهذا فان للكورد كامل الحق في اعلان الاستقلال وانشاء دولتهم المستقله على ارضهم التاريخية لاسيما وان مقومات تاسيس الدولة الكوردية متوافره وهي – كما بيناها في مقالات سابقة – من ( ارض، وحدودها معروفه للجميع جغرافيا وقانونيا وتاريخيا، وهي كوردستان التي تدخل كركوك ضمنها، وشعب يرجع تاريخه الى اكثر من 2000 عام، وتنظيم سياسي اي حكومة ومؤسسات دستورية معترف بها وفقا للمادة 53 من قانون ادراة الدولة للمرحلة الانتقالية ).

ان الاتحاد الاختياري والتعايش بين القوميات في العراق الجديد لن يكون صحيحا بالقسر او دون رغبه صادقة وارادة حرة سليمة تقبل الاخر وتعترف به، فللشعوب حق ثابت في تقرير المصير واختيار نوع العيش مع الاخر لاسيما وان هناك حركة استفتاء قوية من الكورد، وقدمت تواقيع الشعب الكوردي الى الامم المتحدة لكي تحترم ارادته في تقرير مصيره، فقد ولى زمن العبودية وبزغ فجر جديد يكون فيه للشعوب ان تقرر نوع الحكم وطريقة العيش والاسس الاخرى وفقا لمصالها المشروعه وطبقا لقواعد القانون الدولي.

اننا نعتقد ان الصواب هو في تاسيس دولة كوردية مستقلة تكون صديقة للعرب وهو الحل الافضل الذي يحقق السلم والاستقرار والامن ويعزز قيم حقوق الانسان واحترام ارادة الشعوب اذ لا يجوز بعد الان الركون الى المعايير المزدوجة في السياسة، فكما يعترف بالصومال وموريتانيا وجيبوتي وقطر وتيمور الشرقية وغيرها كدول مستقله ذات سيادة ويكون لها تمثيل في الامم المتحدة مع ان بعض هذه الدول لا يوزاي سكانها نصف ضحايا الشعب الكوردي في جريمة الانفال وحلبجة والحروب التي دارت عبر مختلف العهود السوداء، فقد حان الوقت في ان يحصل الكورد أيضا على حقهم في العيش بحرية على ارضهم التاريخية، ولا يعقل بعد الان ان يبقى الكورد شعب بلا دولة بينما هم أمة مجزأه ومغبونه تاريخيا متوزعة على خمسة دول او اكثر ونفوسها يتجاوز ال 40 مليون نسمه.

لا نعتقد ان وحدة العراق ستبقى كما كانت في ضوء العديد من المشكلات التي تطفو على السطح، وربما نكون من المخطئين، اذ ان كل المؤشرات تدلل على ان التجزئة ستكون هي الحل، فالدعوات من أهالي الفرات الاوسط و ابناء الجنوب في ادراة شؤونهم بأنفسهم والتمتع بثرواتهم صارت تطلق بصوت عال، وهم على حق حين يصرخون طالبين الماء والكهرباء والحياة الحرة الكريمة، وهم يتساءلون كيف ولماذا يسكنون على ارض تجري من تحتها بحيرات البترول وهم محرومون من التمتع بهذه الثروة بعد أن تم تبديدها واهدارها من جانب اركان النظام البعثي المقبور ؟
كما ان الدعوات من الكورد مستمرة في ضرورة احترام بنود قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ولكن لا حياة لمن تنادي، أما الاقلية السنية وبقايا النازية العربية الذين فقدوا الحكم والسلطة التي كانت بيدهم منذ عقود فقد صاروا يتشبثون بالعودة اليها بشتى الطرق، تارة بالدعوة الى مقاطعة الانتخابات ومرة اخرى بالتعاون بين بعض هذه الاطراف مع قوى الارهاب وبعض دول الجوار، وهم مازالوا يمنون النفس بأن يتحقق الحلم وتسنح لهم الفرصة المناسبة لعودتهم للسلطة التي ضاعت من أيديهم بسبب ظلمهم وكفرهم، ولكي يحكموا الناس بالنار والحديد من جديد وفي اعادة عجلة التاريخ واعادة انتاج الماضي وهو لن يحصل.


الدكتور منذر الفضل
16 كانون الثاني 2005