لم يبقى على موعد أجراء الأنتخابات العراقية سوى بضعة أيام لن تكون كافية بجميع الأحوال لأعادة النظر في هذا الموعد الذي يبدوا أنه بات مقدساً لدى بعض القوى السياسية العراقية والأدارة الأمريكية التي كانت طرفاً مهماً في تحديده عن طريق رئيس الأدارة المدنية السابق في العراق السفير بول بريمر لأسباب بدأت تتضح في هذه اليام بالذات.. وبعيداً عن أصرار بعض القوى السياسية العراقية الغير مبرر على هذا الموعد لأسباب باتت مفضوحة ومكشوفة لكل ذي بصر وبصيرة فأن أصرار الأدارة الأمريكية على هذا الموعد يخفي ورائه أسباباً يجب دراستها والوقوف عليها لما لها من تأثير على مستقبل العراق ومصير أبنائه

أن أصرار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على أجراء الأنتخابات في موعدها المقرر رغم علمها الأكيد بصعوبة الظروف التي سترافقها وخطورة النتائج التي من الممكن أن تفرزها هذه الأنتخابات ينطلق من رغبة أكيدة لدى أكبر مراكز صنع القرار في هذه الحكومة على سحب جزء كبير من قوات بلادها المتمركزة في العراق بعد الفشل الواضح لهذه الحكومة في التعاطي مع الشأن العراقي ليس لعيب في هذه القوات التي قامت بواجباتها العسكرية المتمثلة بكسب الحرب وأسقاط النظام العراقي السابق على أكمل وجه وأنما بسبب أقحام هذه القوات وأجبارها على أداء مهمات ليست من صميم عملها أو واجباتها كالقيام بدور الشرطة أو حرس الحدود بعد أن أقدمت سلطة التحالف على خطوة حل أجهزة الشرطة والجيش وحرس الحدود العراقية التي قَصَمت ظهر الدولة العراقية وجعلت من العراق ساحة مكشوفة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وأعدائها في المنطقة

من خلال متابعة مجريات الأحداث وتطوراتها في العراق يتبين بأن الأدارة الأمريكية أما أنها تتخبّط وتعيش مأزقاً صعباً في العراق تحاول أخراج نفسها منه بأقرب فرصة أو أن لها أجندة سياسية تحاول تمريرها في العراق بالتوافق مع بعض الأطراف الأقليمية وبعض القوى السياسية في العراق بعيداً عن أطراف وقوى سياسية أخرى وفي الحالتين فأن مستقبل العراق كدولة في خطر.. لذا وبعيداً عن بعض القوى السياسية العراقية التي بدأت تنتهج الطائفية والعنصرية في تعاملها مع الوضع السياسي في البلاد فأن على القوى الوطنية المخلصة أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية وتتصدى لما يحاك للوطن من دسائس من قِبل من يبحثون عن مصالح خاصة يحاولون تحقيقها في العراق على حسابه وحساب أبناء شعبه

أن أجراء الأنتخابات في هذا الموعد بالذات مع تهميش شريحة معينة في البلاد والتغاضي عن المطالب القومية المشروعة لشرائح أخرى وبدون حد أدنى من التوافق الوطني بين الأطراف والقوى السياسية في العراق يشكّل خطراً حقيقياً على وحدة العراق ومستقبله الذي يراد له أن يكون ديموقراطياً تعددياً يضمن الحياة الحرة الكريمة لجميع أبنائه ومكوناته الأجتماعية وبالتالي فأن أحتمال أنفراد طائفة أو قومية بعينها بمقاعد البرلمان القادم أو بخطوة بناء الدستور الدائم للعراق من شأنه أن يكون الفتيل الذي سيشعل حرباً أهلية راهن الجميع على أندلاعها في العراق ألا أن طيبة وسماحة الشعب العراقي أفشلت وأجهضت هذا المخطط منذ 9 نيسان 2003 وحتى هذه اللحظة كما أن أستبعاد وتهميش بعض شرائح الشعب العراقي من المشاركة في وضع الدستور الدائم للبلاد من شأنه أن يُضِر بمصداقية البرلمان والدستور القادم وأن يؤدي بالتالي الى تقسيم العراق أو تحوله في أفضل الأحوال الى لبنان ثانية وهو ما قد يكون مخططاً له من قبل الأدارة الأمريكية.. ولكن وفي نفس الوقت هنالك من الضمانات ما يكفي لطمئنتنا على مستقبل العراق يأتي في مقدمتها كما ذكرت يقظة ومناعة الشعب العراقي تجاه المخططات التي تسعى لتقسيمه على أساس الطائفة أو العرق بالأضافة الى أن القوى الديمقراطية وأن توزعت على عدة قوائم أنتخابية فبأمكانها في نهاية المطاف أن تتوحد لتشكل أغلبية في البرلمان القادم قاطعة الطريق على القوى الأخرى ذات الرؤى الآيديولوجية المسلفنة التي تريد تجربتها في العراق وأخيراً وليس آخراً هنالك الفقرة 62 في قانون أدارة الدولة للمرحلة الأنتقالية والتي تنص على أن من حق ثلثي عدد السكان في أية ثلاثة محافظات تشكل وحدة أدارية واحدة والأعتراض على صيغة الدستور الدائم قبل أقرارها وبالتالي أحتمالية حل البرلمان القادم نفسه وما سيفرزه من حكومة وهو ما لا نتمنى حدوثه ألا أذا أقتضت مصلحة العراق ذلك

أن تأجيل الأنتخابات خلال ما تبقى من الوقت ليس منطقياً خصوصاً وأن ذلك سيخلق فراغاً دستورياً كان بالأمكان ملئه لو تم أتخاذ مثل هذا القرار قبل هذا الوقت بأبقاء الحكومة الحالية أو بأجراء تغييرات جذرية في بعض الدوائر والوزارات التي فشلت في تحمل مسؤوليتها خلال الفترة السابقة ألا أن الأيام القادمة ستكون وبكل تأكيد ملئى بالمفاجئات التي نتمنى أن تكون سارة وذات نفع لأبناء شعبنا.. وفي حال أجراء الأنتخابات فأن على كل القوى السياسية وجميع شرائح الشعب العراقي حتى تلك التي كانت تدعوا الى تأجيل الأنتخابات المشاركة فيها وبفاعلية لدعم وأنتخاب القوى الوطنية الديمقراطية والليبرالية ولتضييع الفرصة على من يريدون مسخ العراق وأختطافه من تأريخه وشعبه وأدخاله من جديد في دوامة لن تنتهي من القمع والديكتاتورية

وأن حصل وفاز الديمقراطيون الحقيقيون في الأنتخابات القادمة نرجوا أن لا ينقلب ديموقراطيوا ما قبل الأنتخابات ويظهروا على حقيقتهم الشمولية الأقصائية التي لا تعترف بالآخر ويشككوا بنتائجها وشرعيتها كونها لم توصلهم الى السلطة التي يتسابقون اليوم ويدوسون على كل ما يقف في طريقهم وأن كان العراق كلّه للوصول أليها

فاليقضة اليقضة والحذر الحذر.

مصطفى القرة داغي

mftl2004@hotmail. com