من أغرب ما يقرأ المرء هو ما كتبه السيد بلال شراره، أمين عام الشؤون الخارجية في مجلس النواب اللبناني والمنشور في إبلاف في عددها ليوم 16/1/05. هو الأغرب إذ تحسب أن الكاتب هو أمين عام الشؤون الخارجية في مجلس النواب السوري وليس اللبناني بل أمين وزارة الخارجية السورية أو الأحرى أمين مكتب المخابرات السورية في لبنان. أي لبناني يفكر كما يفكر السيد شرارة لا يجوز أن يشغل وظيفة الأمين العام للشؤون الخارجية في مجلس النواب وهي وظيفة في غاية الحساسية على الصعيد الأمني قبل الوطني والقومي. فهذا الأمين غير أمين عندما يقرر أن لا وحدة وطنية ولا أمن ولا إقتصاد لبنانياً بدون العساكر السوريين.
يقرّ السيد شراره بل ويفاخر بأن سائر الشؤون اللبنانية هي اليوم مناطة بالرئيس السوري وحده وليس بأي مسؤول سوري آخر كما كان الأمر قبلئذٍ!! عجباً أن يقول أمين الشؤون الخارجية اللبنانية هذا فالشعب السوري نفسه لا يقبل أن تكون كل شؤونه مناطة برئيس جمهوريته بل بمجلس نوابه. مثل هذا الإقرار، وهو صحيح تماماً ولا يجوز أن يكون موضع فخار أحد عداك عن أمين للخارجية، لا يعني سوى أن الرئيس اللبناني ليس رئيساً بل ظلاً للرئيس السوري، وأن مجلس النواب اللبناني الذي السيد شراره أمينه للخارجية لا يتشكل من نواب للشعب اللبناني بل من موظفين بالمعاش يعينهم الرئيس السوري ويعملون لديه. ما يعلمه الجميع ومنه السيد شراره هو أن الدستور اللبناني جرى تعديله بأمر مباشر من الرئيس السوري وقد أعلن ذلك الرئيس عمر كرامي قبل ذلك بأيام قليلة وجاء التعديل على مقاس الرئيس الحالي ، ظل الرئيس السوري بإقرار شراره نفسه. ولعل في هذا بعض التقدم فقد عدّل الدستور السوري خلال دقائق فقط لتتم وراثة رئاسة الجمهورية.
أما الزعم بأن القوات السورية هي الحافظة للوحدة الوطنية للشعب اللبناني فهو زعم تكذبه الوقائع فالمطالبة اليوم باستكمال المصالحة الوطنية التي أسس لها إتفاق الطائف تعلو على سائر المطالب الأخرى في لبنان وما يقف حجر عثرة في وجه المصالحة هو المخابرات السوري والكل يتذكر ردة فعلها على مصالحة الجبل وزيارة البطرك. أما إذا كانت الوحدة الوطنية لا تتحقق إلاّ بتواجد القوات السورية فلماذا إذاً يظل لبنان دولة تشغل مقعداً في الأمم المتحدة؟ من حق الولايات المتحدة وفرنسا والحالة هذه أن تطلبا من مجلس الأمن إخلاء المقعد اللبناني بالرغم من أن لبنان كان من مؤسسي الأمم المتحدة وكان دولة متقدمة على سائر الدول في الشرق الأوسط ولم يثلم سيادتها إلاّ التدخلات الخارجية بدءاً بطلب أمريكا من كميل شمعون العمل على إخراج منظمة التحرير من لبنان بالقوة كما كانت قد أخرجت من الأردن.
حجة السيد شراره هي أن سوريا شقيقة لبنان الكبرى وهي لذلك أمينة على كل أموره، لكن العراق كان الشقيق الأكبر للكويت ومع ذلك إغتصبها ولم يحررها من الشقيق البعثي المغتصب سوى العم سام الذي يطالب اليوم بتحرير لبنان أيضاً من الشقيق البعثي. إنتهكت السيادة اللبنانية واحتل العدو الصهيوني عاصمتها بيروت دون أن تلوي القوات السورية المتمركزة قرب بيروت حراكاً. وحجة أخرى هي أن سوريا تحمي لبنان من السلاح الفلسطيني وسلاح حزب الله ؛ أي حجة يستند إليها الأمين العام للشؤون الخارجية في مجلس النواب اللبناني وهو يعلم علم اليقين أن سلاح حزب الله يصل للحزب من سوريا وأن الجزر الأمنية في لبنان هي صناعة سورية. وحجة ثالثة تقول أن الإقتصاد اللبناني يرتكز على الحماية السورية لكنه يعترف بذات الوقت أن الإقتصاد اللبناني مقسم إلى إمارات لكل قسم أميره الخاص المتحكم بكل حركة فيه وريعه يصب في جيب أميره كما يعرف بدون شك أن أحوال الشعب اللبناني باتت في الدرك الأسفل بحماية سوريا إذ تصل البطالة في لبنان إلى ما يتجاوز 25% وأن غالبية شبابه يصطفون طوابير طويلة أمام السفارات الأجنبية طلباً للهجرة وما ذلك إلاّ بسبب الأيدي العاملة السورية الرخيصة والتي يصل تعدادها إلى حوالي ثمانمائة ألف عامل، كما أن المنتوجات السورية التي تدخل البلاد تحاصر المنتوجات اللبنانية وخاصة المنتوجات الزراعية حتى وصلت أحوال فلاحي لبنان لحد الفقر المدقع.
ثمة أشياء أخرى كثيرة يمكن أن تقال في هذا السياق لكننا بهذه العجالة نطلب من الأمين العام للشؤون الخارجية في مجلس النواب اللبناني أن يتفكر، يراجع نفسه أو أن...

عبد الغني مصطفى