* هل يمكن تحكيم العقل والقفز على المصالح التنظيمية الضيقة؟؟
* من يجرؤ على دراسة نتائج عسكرة الإنتفاضة؟؟


تسلّم محمود عباس مسؤولياته كأول رئيس فلسطيني، يتم إنتخابه مباشرة من الشعب الفلسطيني، وبأغلبية المشاركين في الإنتخابات، التي لم يشكك في نزاهتها أحد، رغم بعض التجاوزات البسيطة جدا، والتي تحدث في العديد من الدول. وقد كان نجاح محمود عباس بناءا على برنامج سياسي معلن، من أهم بنوده السياسية ( وقف الإنتفاضة المسلحة والعودة لطاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي )، وخلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت أداءه اليمين الدستورية وتسلمه سلطاته الرئاسية، وقبل إعلانه للحكومة الجديدة، بدأت ملامح المأزق الفلسطيني بوضوح عبر التباين بين رؤاه كرئيس منتخب عبر برنامج سياسي معلن، وبين عدة تنظيمات فلسطينية منها كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح بشكل من الأشكال، وحركتي حماس والجهاد، وكانت العملية العسكرية المشتركة في معبر كارني أوضح تعبير عن هذا المأزق، فقد كانت تحديا واضحا لتوجهات محمود عباس، شارك في هذا التحدي أهل البيت ( كتائب شهداء الأقصى )، وقد أعقب ذلك تأجيل محمود عباس زيارته إلى غزة للقاء تلك التنظيمات، وتكليفه العلني لقوات الأمن الفلسطينية في غزة بضبط الوضع الأمني و وقف الهجمات المسلحة ضد إسرائيل...ماذا تعني هذه التطورات وما أعقبها من إجراءات؟؟.
إن البيانات الصادرة في الساعات الأخيرة عن تلك المنظمات الرافضة لتوجهات الرئيس الفلسطيني، لا تعني سوى أنها مستمرة في عملياتها العسكرية ضد إسرائيل...وبشكل نظري مجرد لا يحق لأحد أن يطلب من تلك التنظيمات وقف عملياتها طالما جيش الإحتلال مستمر في عملياته وتوغلاته وإغتيالاته، ولكن حساسية الوضع الفلسطيني وإختلال موازين القوى بشكل واضح، و المواقف العالمية المستجدة، تتطلب فعلا من الجانب الفلسطيني العض على الجراح وتحكيم العقل بشكل حاد وواضح، كي تعطى المفاوضات السلمية فرصة جديدة، وهذا يتطلب من حركتي حماس والجهاد إعلان برنامجهما السياسي بوضوح، فالتنظيمات المقاومة جميعها، لا تطلق الرصاص من أجل الرصاص فقط، ولا تقدم الشهداء يوميا من أجل زيادة عددهم فقط، فالرصاص والشهداء من أجل دحر الإحتلال والوصول إلى برنامج سياسي متكامل على أرض الواقع...فما هو هذا البرنامج السياسي؟. بصراحة متناهية، فإنه من حق الشعب الفلسطيني على حركتي حماس والجهاد، وإحتراما لقوافل الشهداء، أن تعلن هاتان المنظمتان برنامجهما السياسي، هل تريدان إنسحاب الإحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية، تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود حزيران 1967، كما هو معلن في البرنامج السياسي الفلسطيني المستند إلى قرار قيام الدولة الفلسطينية في دورة المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988؟؟. إذا كانتا تؤيدان هذا البرنامج، فالمنطق و مصلحة الشعب الفلسطيني ووقف سيل الدماء وطوابير الشهداء والتخريب الذي طال كافة أوجه البنية التحتية وآلاف الأسرى والمعتقلين والمعوقين، أن يلتزما ببرنامج الرئيس المنتخب بإجماع الشعب،لأن الحكومة الإسرائيلية تعلن أنها مستعدة للإنسحاب والعودة للمفاوضات ‘ إذا توقفت العمليات العسكرية ضدها وضد المدن الإسرائيلية، فلماذا لا نضع المصداقية الإسرائيلية على المحك، ونستثمر هذا الترحيب العالمي، وخاصة الأمريكي بالرئيس الفلسطيني الجديد والإعلان عن الإستعداد للتعاون معه من أجل إستتباب الأمن، وقيام الدولة الفلسطينية.... آخذين بعين الإعتبار أن الرصد لسياسات الإدارة الأمريكية، يؤكد أن القرارات الصعبة غالبا مايأخذها الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية. ومن ناحية ثانية، فإن إلتزام هذه المنظمات ببرنامج الرئيس الفلسطيني المنتخب، ربما يصب في المستقبل في مصلحتها، فإذا قررت في المستقبل خوض الإنتخابات الرئاسية، وفاز مرشحها بالأغلبية الشعبية، فهل تقبل عندئذ أن ترفض بعض التنظيمات الإنصياع إلى برنامج رئيسها؟؟.
وقبل ساعات، تساءل حسن يوسف أحد الناطقين بإسم حماس في الضفة الغربية، وهو في معرض تبريره لرفض توجهات الرئيس الفلسطيني: ماالذي يضمن توقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية، إذا توقفنا نحن؟. وهو سؤال مهم، ولكن الأهم هو في التعامل الذكي مع نتائجه، فضمن كل ماسبق من عرض لخسائر الأعوام الأربعة الماضية، والتعامل الذكي مع المستجدات الدولية،وكسب الرأي العام العالمي، يحتم على الأطراف الفلسطينية أن تتوقف هي أولا عن كل العمليات المسلحة مهما كان نوعها وموقعها، كي يستطيع الرئيس الفلسطيني أن يتحرك علنا مع القوى العالمية المؤثرة، ويضع المصداقية الإسرائيلية على المحك...هذا هو المنطق وعين العقل، إذا كانت تلك المنظمات الرافضة حتى الآن لتوجهات الرئيس الفلسطيني الجديد، لها نفس البرنامج السياسي الفلسطيني المعلن في المجلس الوطني عام 1988، وإستمرارها في رفض هذه التوجهات، يعني أن لها برنامجا سياسيا مغايرا، عليها عندئذ أن تعلنه، لترى هل الشعب الفلسطيني مع هذا البرنامج أم لا؟!.
والسؤال الذي لايجرؤ الكثيرون على طرحه هو: ما الذي سيحدث على الأرض، في ظل إصدار الرئيس الفلسطيني التعليمات لقوى الأمن الرسمية بضبط الوضع الأمني ووقف العمليات العسكرية ضد إسرائيل، ورفض بعض التنظيمات علنا لوقف عملياتها؟. ولا يجرؤ أحد على البوح بالإجابة، لأن الرئيس الجديد وحكومته، إما أن ينفذا توجهاتهاتما السياسية بالطرق التي يرونها مناسبة، أو أن يستمر الوضع الفلسطيني على حالة الفوضى الأمنية والسياسية القائمة، وإذا رفضت بعض التنظيمات التوجهات الحكومية الرسمية، وأصرت على تطبيق توجهاتها الخاصة، فالصدام لن يكون بين هذه التنظيمات والحكومة الفلسطينية، ولكن بين بعضها البعض أيضا، فأي التنظيمات سترضخ للأخرى....وعندئذ أستحضر دعاء جدّي: اللهم نجّ الشعب الفلسطيني مما هو أعظم !!!!.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو [email protected]