مصادر صحافية لبنانية كشفت عن أن غبطة البطريرك صفير تبلغ من رسول سوري رفيع المستوى بأن دمشق حسمت قرارها بعدم التدخل بقانون الانتخاب الجديد وبمسار العملية الانتخابية اللبنانية الربيع المقبل، وقالت صحيفة السفير 15/1/2005 في نفس السياق "إن غبطته تبلغ أيضاً أن أسلوباً سورياً جديداً في التعاطي مع الوضع اللبناني أحد تعبيراته تكليف نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالملف السياسي المرتبط بالقرار الدولي الرقم 1559 وأن المعلم سيتردد على العاصمة اللبنانية وسيلتقي عدداً كبيراً من القيادات الرسمية والسياسية". وذكرت انه رغم كل التشكيك الحاصل بالموقف السوري سيتبين للجميع أن سورية اتخذت قراراً نهائياً في هذا الصدد ولا عودة عنه أبداً.
لكن، وطبقاً لكل المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية فتنفيذ القرار الدولي 1559، لا عودة عنه أبداً، لا أميركياً ولا فرنسياً ولا دولياً، ولا حتى عربياً. لقد أتُخذ هذا القرار ليُنفذ، وسيُنفذ خلال أشهر معدودة، شاء متعهدو مظاهرات المليون والسواطير والسيوف، وبمعيتهم المداحين والقداحين بالإجرة، أم أبوا.
إن رايات "وهوبرات" المسار والمصير والمقاومة، ومقولتي، "شعب واحد في بلدين، والخاصرة الرخوة": أمسوا شعارات بالية "أكل الدهر عليها وشرب ونام".
بناءً عليه لم يعد أمام سوريا البعث سوى خيار الطاعة إن أراد حكامها البقاء في سدة الحكم والمحافظة على نظامهم الستاليني، لأن القوى التي أوكلت لهم احتلال لبنان وسكتت وقهر شعبه قررت متفقة متعاضدة سحب هذا التكليف.
من هنا لن تُجدي كل سجالات سورية العكاظية وهروبها إلى الأمام من السياديين اللبنانيين. كما أن التقية في مواقفها، وما يرفقها من وعيد وتهديد ووعود أصبحت مكشوفة حتى للعميان سياسياً. هذا ولن تنطلي على أحد محاولات الالتفاف والاحتيال والتجميل "والتمسكن" الطروادية الموكلة "عنجرياً" لفخامة العماد والأفندي، والفرزلي والقنديل والحص والحسيني ولباقي بني طائف الطوائف والربع الخالي.
أما غبطة البطريك صفير المكوي من جمر تطمينات ورسائل الشقيقة الشقية، كما من وعود فخامة العماد المفخخة، فلن ينخدع بعد بكلام معسول وتطمينات فارغة من معناها والمحتوى، ولن يقع في شباك تنصبها دمشق للالتفاف على القرار 1559 ومنع اللبنانيين من ملاقاة الإرادة الدولية والعربية، وضرب وحدتهم، وإفشال سعيهم للتحرير واسترداد استقلالهم والقرار.
من في لبنان يجهل أن سوريا ما تركت وسيلة إلا ولجأت إليها للتدخل سلفاً في الانتخابات المقبلة وجعلها انتخابات بوسطات ومحادل وفانات، على صورة الانتخابات التي جرت بإشرافها منذ إجرامها على حكومة العماد عون الانتقالية سنة 1990 بقوة السلاح، وتنصيب حكام محكومين، رقابهم مربوطة على معالف عنجر، وكراماتهم مخدرة.
إن التدخل السوري فاضح في الانتخابات المقبلة، وهو بدأ مع التجديد الرئاسي للعماد لحود، وتوالى من خلال تعين وزارة الأفندي اللقيطة، محاولة اغتيال النائب مروان حمادة الخسيسة، مظاهرة المليون المهزلة، التأخير اللاقانوني في إصدار القانون الانتخابي، التخوين الصبياني للقادة الذين انضموا إلى صفوف المعارضة، فتح الملفات القضائية كيداً وافتراءً، محاولات تخويف اللبنانيين من بعضهم البعض، زرع روح الشقاق بين مجتمعاتهم والتهديد بإشعال الحروب فيما بينها، توتير جبهة الجنوب، والتسويق للادعاءات الهرطقية "الصُحافية" على لسان متولي الحكم القائلة بأن القرار 1559 هو مشروع فتنة داخلية يخدم مصلحة إسرائيل، يستهدف سوريا، وتنفيذه يتم فقط بعد تنفيذ كل القرارات الدولية الـ 1300المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، وتطول القائمة إلى اللاحدود.
يا جماعة، لو كان في نية بعث القرداحة الانسحاب من لبنان أو تنفيذ اتفاق الطائف لكانوا فعلوا ذلك منذ 14 سنة خلت، ولما كانوا جنسوا نصف مليون طارئ، ضربوا كل مؤسسات الدولة الديموقراطية عطلوا الحريات سورنوا القضاء، قمعوا وأبعدوا وسجنوا وقتلوا الأحرار، شرعوا الحدود، بوروا الحقول، اقفلوا المصانع، أفقروا الناس وهجروهم، أوقعوا البلد تحت طائلة ديون هائلة، أقاموا المحميات الأمنية، زوروا الانتخابات، واحتضنوا ومولوا الأصوليين والإرهابيين والخ.
المهم أن يعي الجميع قادة ومراجع، كما قال الدكتور الياس الزغبي (موقع إيلاف 14/1/2005):
"اليوم نشهد موت الوصاية السورية على لبنان والباقي مراسيم الدفن".
إن "تربيح الجميلة"، والوعود السورية لغبطة البطريرك ولغيره، كما الانسحابات العسكرية الكاذبة وهرطقات الإستراتيجية لحماية الخاصرة الرخوة، كلها أمست عملة مزيَّفة غير قابلة للصرف، أقفل بنوكها القرار 1559 إلى غير رجعة.
هذا القرار الدولي فرصة تاريخية انتظرها شعبنا منذ سنوات، والقبول بتعطيله أو السماح لأي كان الالتفاف عليه بالعودة إلى نغمة ضرورة تنفيذ اتفاق الطائف، ومنع اللبنانيين من ملاقاة الإرادة الدولية، هي مراهنات غبية فاشلة ترقى إلى جرم الخيانة.
لا يجب أن بلدغ المؤمن من الجحر مرتين وحذاري من التكاذب والخوف والتردد.
التاريخ مهما علت المقامات لا يرحم، والشعب مهما عظم القمع والإفقار لا يغفر،
ومن له أُذنان صاغيتان فليسمع.

الياس بجاني
مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية