تلاقي احزاب البيئة او مااتفق على تسميتها بالاحزاب الخضر في معظم الدول الاوربية المتقدمة صعوبات كبيرة في ايجاد ملفات ساخنة تخص المشاكل البيئية في تلك الدول لكي تتمكن من خلالها جذب الناخب وكسب الاصوات من اجل تكوين كتل مؤثرة في برلماناتها. ولذالك ليس غريبا ان ترى تلك الاحزاب تجاهد لكي تجعل من موضوع - قد يراه البعض تافها - مشكلة وطنية في غاية الاهمية مسخرة من اجله طاقات اعلامية كبيرة واٍلا فكيف نفهم ان ينشغل الرائ العام في هذه الدول ويقلق ويطالب بالحلول حول مصير شجرة في غابة او مفاعل تتوفر فيه كل شروط الامان او شحنة من المواد المشعة في طريقها من الولايات المتحدة الى فرنسا نُفِذ في شحنها كل قواعد السلامة والامان. ان هذه الاحزاب الخضر قد لجاًت مضطرة الى تبني ملفات سياسية لاتمت بصلة للمبادئ والاهداف التي انشات من اجلها. وفي هذا لاندعي ان وضع البيئة واحترام استحقاقاتها في هذه الدول يرقى الى درجة الكمال لكننا لانجانب الحقيقة في ان هذه الدول قد قطعت اشواطا كبيرة في هذا الجانب كما ان ما ينبغي الاشارة اليه هو الاستجابة العالية والقوية للراي العام تجاه المشاكل البيئية التي تبرز بين الحين والاخر بالشكل الذي يجعل تلك المشاكل تتقدم مياشرة على كل المهام والملفات الوطنية الاخرى

في الوطن العربي وفي العراق على وجه الخصوص نلمس صورة اخرى حيث غياب واضح للاحزاب والحركات التي جعلت من االبيئة ووضعها الماساوي موضوعا اساسيا لها بالرغم من ان هذا الموضوع يشمل ملفات في غاية الاهمية من حيث تعدد العناصر المسببة للتلوث وكميته وكون ذالك يمس المواطن العراقي بشكل عام وبغض النظر عن خلفيته الدينية او المذهبية او السياسية او الاجتماعية الى الحد الذي قد يكون فيه موضوع تلوث البيئة والعمل الجاد لتنظيفها احد الموضوعات او ربما الاوحد فيها الذي يشكُل عامل التقاء مشترك لكل العراقيين الذين بات مايفرقهم هو الكثير من الملفات. لو افترضنا جدلا وجود مايشابه هذا الوضع الماساوي الرهيب للبيئة في العراق في اي من الدول الاوربية فان ذالك كان سيؤدي بالتاكيد الى فوز ساحق للاحزاب الخضر في الانتخابات التشريعية وبالشكل الذي يسمح لها بالوصول الى سدة الحكم. لقد قامت الدنيا في السويد على شكل ضجة اعلامية كبيرة عندما نشرت قبل فترة دراسة علمية تشير الى اصابة مابين 400 الى 500 سويدي في شمال السويد بالسرطان وقد عزت تلك الدراسة اسباب تلك الاصابات الى الاشعاع المتسرب اثر حادثة الانفجار في المفاعل الرابع لمحطة تشيرنوبيل الكهروذرية

ان مقارنة بسيطة بين هذه الدراسة العلمية وبين مقالة قيمة نشرها قبل فترة الاخ الدكتور كاظم المقدادي حول احدث دراسة علمية ميدانية لتاثير اليورانيوم المنضب وارتفاع مستويات الاشعاع في بعض مناطق العراق يتطلب من الجميع ان يقيموا الدنيا ولايقعدوها ابدا بسبب الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العراقي كونه يتعرض لعملية ابادة جماعية من خلال اعتراف المسؤولين الرسميين العراقيين في وزارة الصحة العراقية وفي الحكومة المؤقتة الحالية من ان نسبة الاصابة بالسرطان في بعض المناطق والمحافظات قد بلغت حدا مخيفا حيث يشير الدكتور كاظم المقدادي الى ان حالات التشوهات الولادية، بلغت أكثر من 5 في المائة من مجموع الولادات، اما الحالات السرطانية فقد طالت 12 في المائة من سكان محافظة البصرة، وعلى نطاق العراق يتراوح العدد المسجل لدى وزارة الصحة العراقية ما بين 120 و140 الف مصاب بالسرطان، تضاف اليهم اصابات جديدة بحوالي 7500 اصابة سنوياً

يعيش العراق هذه الايام اجواء الحملات الدعائية في سباق الانتخابات المزمع اجراؤها في الثلاثين من الشهر الحالي ( اذا لم تقرر الولايات المتحدة في اللحظة الاخيرة تاًجيلها). وقد طرحت مختلف الكيانات السياسية المشاركة في هذه الانتخابات برامجها وتصوراتها المستقبلية واذا كان البعض من هذه البرامج قد عرَج على البيئة في العراق ووجد لها مكانا في ذيل تلك البرامج رغبة منها في الاكثار من النقاط التي تعالجها تلك البرامج ولكي تضفي الصفة العامة عليها لكنها بالتاكيد ليست في اي حال من الاحوال هادفة الى جعل هذا الملف الخطير هدفا استراتيجيا لها لابل ان البعض منها ومن اجل اظهار اقصى درجات المحاباة للولايات المتحدة على حساب المصلحة الوطنية يحاول متعمدا طمس الاثار الماساوية التي الحقتها الولايات المتحدة بالبيئة العراقية من خلال استعمال الاسلحة المحظورة او عدم تحمل مسؤوليتها كقوة احتلال. اما الاحزاب الخضر العراقية او الاحزاب التي تهتم بهذا الملف فهي- ان وجدت فعلا وليس اسما فقط - تبدو عاجزة عن فرض ملفاتها في هذه الفوضى السياسية والسيادة الشبه المطلقة على الساحة العراقية لبعض الاطراف المدعومة خارجيا

لانختلف مع اي كان ممَن يؤمن باهمية الملف الامني في الوقت الذي يقع العشرات من العراقيين يوميا ضحية للفوضى الامنية التي تعيشها مدن العراق ولكننا في نفس الوقت ولان النتيجة واحدة حيث الموت واحد يجب ان لاننسى ان هنالك نفس العدد من العراقيين بل واكثر منه يقضون يوميا وبهدوء في البيوت او في المستشفيات بعد ان فعل فيهم التلوث في البيئة فعلا قاتلا

ربما يكون هذا الملف فرصة ذهبية للعراقيين ليجتمعوا على اختلاف مللهم ونحلهم تحت شعار تنظيف بيئة العراق عسى ولعل هذا يكون مقدمة للتكاتف والاتحاد حول الملفات الاخرى بهدف تنظيف ومعالجة الوطن من كل امراضه القديمة والجديدة
[email protected]