لو كنت صدام حسين لا سمح الله، وأردت أن أصفي خصومي وفي المقدمة منهم الأكراد لمنحتهم دولة كردية مستقلة وعاصمتها كركوك ولوافقت وأنا مغمض العينين على منحهم جمهورية كردستان الديمقراطية، أو جمهورية مهاباد، أيا كان الإسم.. وبهذه الطريقة وبدون أسلحة كيمياوية ولا بيلوجية أتخلص منهم وبتوقيع وتخويل من قادتهم!
هذا هو غباء صدام حسين سابقا (من وجهة نظره الفاشية) الذي كان بإمكانه أن يدمر الشعب الكردي عن بكرة ابيه بمنحهم دولة كردية على حدود تركيا تقوم هي بإفنائهم ويتخلص هو من المسؤولية التأريخية والأخلاقية وهو طبعا بدون أخلاق.. وفي خضم هذا الغباء، فهو أيضا غباء قادة الشعب الكردي في المرحلة الراهنة بشكل معكوس فهم يريدون تطبيق ما فات على صدام حسين في تدميرهم، في تدمير أنفسهم.
أنا مع الحق الكامل للشعب الكردي وقوميته الكردية، فهم شعب له تراث وتأريخ وهوية ولا يستطيع أي مجرم في الأرض أن يحول دون حقهم في إقامة دولتهم بين دول الأمم. ولكن أين يكمن خطؤهم التأريخي؟
إن خطأهم يكمن في أنهم متعجلون في إقتناص فرصة يعتقدون أنها تأريخية ولكنها فرصة القضاء عليهم إذا لم يتحلوا بالموضوعية وقراءة الظرف الموضوعي قراءة واعية. إن تدمير الشعب الكردي لا سمح الله يكمن (الآن) في تأسيس الدولة الكردية التي تسارع تركيا في إنهائها قبل ولادتها! لأن هذه الدولة الكردية سوف تخرج من رحم مريض مثخن بالفايروسات الممثلة بظروف العراق الراهنة والتي لا يزال عدو الكرد الأول صدام حسين يلعب ورقته فيها وهو في السجن الإفتراضي لدى عشاقه الأوائل الأمريكان الذين يلعبون على بليارد محاكمته!
إن حقوق الشعب الكردي التأريخية وأنا كنت من الذين عانوا وعذبوا في سبيل نصرة قضية الأكراد، تكمن في أن يولد التأريخ جمهورية مهاباد ولادة طبيعية وليست قيصرية وأن يخرج وليدهم من رحم صحي وليس من رحم مريض يموت فيه الوليد لحظة صرخته الأولى.
أيها الأخوة الأكراد..
العزيز مسعود برزاني..
العزيز جلال طالباني..
العزيز برهم صالح..
العزير محمود عثمان..
العزيز هوشيار زيباري..
العزيز عدنان المفتي..
الأحباب كل الأحباب.. أناديكم أنا الذي زرتكم عاشقا.. والذي عانى بسبب قضيتكم ولا يزال يعاني كأول المنادين بجمهورية كردستان الديمقراطية.. أرجوكم أن تنظروا بعيدا، وأن لا يتحكم فيكم القرار غير الكردي، قرار المصالح الخارجية.. أن تنظروا بعيدا في بناء عراق مستقل وقوي لا تستطيع فيه دول الجوار التحكم بمستقبله، عراق لا تغريكم فيه هبة الإرتباك التي رسمت له والتي ستكونون فيه الضحايا أو ربما أول الضحايا!!
أريد أن أكلمكم أنا بإسم العراق وأظن أنني الوحيد الذي يستطيع أن يتحدث بإسم العراق عربا وأكرادا لدوافع تأريخية ودوافع ثقافية ودوافع معرفية ودوافع قناعية ودوافع نقائية بحق الكرد في دولتهم أكثر مما هم يعتقدون.. ولكن دمار العراق وتدميره الآن هو دمار الكرد قبل العرب فإحذروا اللعبة. مطلوب منكم الآن أن تساهموا في عراق موحد فيديرالي ديمقراطي حقيقي. وأن تساهموا في ترسيح كيان الوطن العراقي. بعدها يأتي الدستور رصينا معترفا به دوليا وقانونيا وليس دستورا إبتزازيا.
أقول لكم.. بالأمس.. الأمس القريب، كان جلال الطالباني يفرح أن تنشر صورته وهو يقبل الدكتاتور الطاغية الذي دمر قرية حلبجة بالأسلحة الكيميائية. وبالأمس، بالأمس القريب سأل مسعود البرزاني صدام حسين عن مصير 182 الف كردي مفقود فقال له ( يرحمهم الله) ولم ينبس البرزاني ببنت شفة، كلاهما لا مسعود البرزاني ولا جلال الطالباني نبس ببنت شفه. اليوم وسط الفوضى تثيرون المشاكل معتقدين أنها فرصة الإقتناص.. هذه والله ليست سياسة، هذه إنتهازية، معذرة، سادتي وإحبائي، هذه نظرة قصيرة الأمد ومحدودة التفكير ومضمونة النتائج الكارثية للشعب الكردي. توقفوا لحظة وإجتمعوا وتدارسوا الأمر.. عراق قوي تزول منه مظاهر العنف ويهرب القتلة منه أو يموتون، أو ينسحبوا نحو عالم مجهول ويبقى العراق مستقرا (تساهمون أنتم في إستقراره، بعد أن ساهم هو في إستقراركم) يومها يصاغ الدستور بلحظات إسترخاء ووعي، فيأتي دستورا متماسكا صريحا وواضحا وتحصلون فيه على حقوقكم القومية المشروعة وتؤمنون مستقبلا مشرقا لشعبكم وليس مستقبلا محفوفا بالمخاطر كما جمهوريتكم مهاباد الأولى التي ولدت ميتة. تحققون جمهورية تعترف بها الأمم المتحدة ويباركها ويدعمها المجمع الدولي.
لا يغرنكم الإنتصار السريع فهو إنتصار مؤقت. الإنتصار الحقيقي هو الإنتصار القومي وليس الإنتصار السياسي. الإنتصار القومي هو الإنتصار المتأمل والإنتصار السياسي هو الإنتصار السريع وهو الإنتصار اللحظوي، فلا يغرنكم. أنتم بتصرفكم الذي أراقبه تقودون شعبكم الكردي الجميل نحو الهاوية! سوى في حالة واحدة أنكم تنفذون مخططا خارجيا.. هذه مسألة ثانية! أفهم منها أنكم بيدق في شطرنج يتم إستخدامه لعملية إنتصار شطرنجية محضة، سرعان ما تجمع البيادق وتوضع في العلبة وتغلق العلبة على بيادق الشطرنج وتوضع على الرف.. فأحذروا من لعبة الشطرنج أيها الأصدقاء الحمبمون.. أكراد العراق.. هذه هي المعادلة الصعبة ولكم الخيار في أن تقودوا شعبكم نحن الشمس أو نحو المستنقع الآسن.. قرروا.

كاتب عراق مقيم في بانكوك.

\

قابيل وهابيل

سالم المرزوك

زارني في بانكوك شخص من وطني العراق، وكان مرعوبا. سألته ما به؟ قال، بعد غياب طويل ذهبت إلى وطني العراق فخفت من مدينة بغداد وناسها وحملت نفسي عائدا إلى عمان وأنا أسكن في لندن ولم أجد طائرة تقلني سوى ترانزيت عن طريق بانكوك. وحكى لي حكايات غريبة عما يحصل في العراق. توسلت به أن يبقى في بانكوك.. سألني لماذا قلت له لكي نبني وطنا من جديد، أنا وأنت كما نشأت البشرية الأولى مثل قابيل وهابيل فخاف مني وقال ولكن قابيل قد قتل أخيه هابيل ولم يعرف ماذا يصنع بجثته حتى أرسل الله له غرابين وقتل الغراب صاحبه ثم بدأ يحفر التراب بأظافره وعندما حفر حفرة دفع صاحبه بها وأهال عليه التراب! ففعل قابيل بهابيل مثل ما فعل الغراب بصاحبه. وهكذا بدأت الجريمة بين الأخوين!
ثم غادرني ضيفي قبل أن يقتل أحدنا الآخر.. ولم أكن أدري لو بقي في بانكوك، من منا سيلعب دور قابيل ومن يلعب دور هابيل.. من القاتل ومن المقتول.. من المجرم ومن الضحية!؟
هذا ما يحصل في العراق اليوم.. سوف لن تعرفوا أيها العراقيون كيف تدفنوا موتاكم حتى يأتيكم غراب من المجهول!
بعد أن روى لي صاحبي ما يحصل من رعب في العراق.. أسألكم:
هل من الضروري أن تراق كل تلك الدماء وتخرب كل تلك البيوت وتجف كل تلك الأنهار لكي نستيقظ على مصالحة ونصحو على ندم ونحاول إعادة بناء الكثير مما تهدم وبشكل أساس بناء الإنسان والجيل الآتي حيث يصبح ذلك من ضروب المستحيل؟!
من يدعو لهذا الخراب؟
السنة؟
الشيعة؟
الأكراد؟
الطوائف والأقليات؟
المثقفون؟
من له مصلحة بخراب العراق؟
وأين تسكنون أيها العراقيون لو تهدمت منازلكم؟
من أي دجلة أو فرات تشربون الماء لو جفت مياه دجلة والفرات؟
من أين تشربون الماء وهي الآن ملوثة بالإشعاعات والمواد السامة وستزرع في جيناتكم لملايين السنين، فهل تشتهون المزيد من جينات أكثر تلوثا لولادة أجيال عقولهم لا تنمو وطاقاتهم تخبو وشكلهم غريب؟
أو تعلمون أن هناك طرفا يريد لكم كل ذلك؟
ألا تعرفون من هو هذا الطرف؟ وأين يسكن؟ ولماذا يريد خراب منازلكم وتجفيف مياهكم أو تلويثها؟
أليس بينكم عقلاء؟ رؤوساء عشائر يتميزون بالحكمة؟
أليس بينكم كتابا وشعراء ينثرون في مضافاتكم الكلام الجميل؟
أين دلال القهوة المرة في مساءاتكم؟
أين الشاي المعطر بالهال؟
أين العناق الجميل وشعيرات الذقن توخز الذقن (ومساكم الله بالخير)؟
أين اللغط الحلو في مقهى الزهاوي؟ وأين لبن أربيل مقابل وزارة الدفاع؟
أين كبة سوق السراي وسط رائحة الكتاب والوراقين؟
أين أيام الكسلة في شط العرب؟
إنني أسأل الله فيكم المحبة يا أبناء وطني وأسأل فيكم الحكمة والعقل يا أهل عراقي الأحباب، فلقد خفت من ضيفي بعد أن قرأت فيه صورة الوطن المدمر فأرجوكم لا تدمروا المزيد من بلاد ما بين النهرين ولا تستجيبوا للكراهية التي زرعها فيكم الحمقى والمجانين.. وأحذروا أحذروا أن يدخل داركم قوم يزرعون فيكم رغبة الطلاق وتهديم العائلة وتيتم الأطفال.
أنا خفت من صورة الوطن في وجه ضيفي.. فكيف لو شئت أن أرى الوطن وجها لوجه؟
لم تبق لكم سوى الحكمة يا أهل العراق!
فلا تلعبوا أدوار قابيل وهابيل.. لأن الله سوف لن يرسل لكم غرابا يعلمكم دفن موتاكم!

كاتب عراقي مقيم في بانكوك