عشر نقاط بحاجة للنقاش:


(1)

فشل المشروع الديمقراطي في العراق سيكون كارثة أسوأ من " تسونامي". ماذا يمكن عمله لتجنب الكارثة الكبرى.

(2)

هناك اجماع ان اخطاء جسيمة ارتكبت في تخطيط وتنفيذ عملية غزو العراق والتخلص من النظام الصدامي السابق. ومن المسلمات أيضا أن اميركا لم تضحي بالمال والارواح حبا في الشعب العراقي والديمقراطية، بل لخدمة مصالحها. وكدولة عظمى لها مصالحها وتسعى لحماية هذه المصالح.
لم تغزو العراق بسبب اسلحة الدمار الشامل او سرقة النفط او نشر الديمقراطية

وليس سرّا أنهاغزت العراق لسببين رئيسيين:

الاول:
التخلص من نظام مشاكس ومشاغب ومزعج وخطير على جيرانه وشعبه وأصبح مصدر عدم استقرار في منطقة تهم الولايات المتحدة. وهدد أمن اسرائيل حليفة الولايات المتحدة وهدد أمن الدول العربية المجاورة. ودخل في حروب طاحنة مع ايران واحتل دولة عربية شقيقة. ولا يحتاج أحد لاثباتات وأدلّة على ذلك. كما انه اضطهد شعبه وحكم العراق بقبضة من الحديد واستعمل اجهزة المخابرات لتخويف الشعب والتنكيل بمن لهم رأي آخر. والمؤسف ان هذه الظاهرة لا تقتصر على العراق ويتم ممارستها بدرجات متفاوتة في دول عربية واسلامية مثل ليبيا وسوريا.

الثاني:
تأمين التزويدات النفطية من المنطقة واعطاء الشركات الاميركية حصة من الاستثمارات في مجالات الطاقة. وليس كما يظن البعض انها تريد ان تسرق النفط مجانا وغير ذلك. اذا كان هذا هو الهدف فتستطيع أن تحصل على ذلك من مناطق سهلة وغنية وبدون خسائر كبيرة في الجنود والعتاد والمال.
تعاني الصناعة النفطية العراقية من اهمال دام 30 عاما لانشغال النظام بأمور اخرى مثل الحروب مع الجيران واضطهاد الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب. فالعراق بحاجة ماسة الى استثمارات خارجية من شركات طاقة عالمية وعلى رأسها الشركات الاميركية. لذاأرفض بشدة النظرية التي تقول ان اميركا تسعى لسرقة النفط العراقي. ما تريده الولايات المتحدة هو تزويدات منتظمة آمنة حسب اسعار السوق وان تعطى الشركات الاميركية فرصة للتعاون في مجالات الطاقة مع العراق حسب اشتراطات تعاقدية ومعايير عالمية.

واعتقدت اميركا ان النفط العراقي سيساهم في خفض الأسعار وتهدئة السوق. الا ان اعمال التخريب احبطت هذه التوقعات.

تتميز التكنولوجيا الاميركية في مجالات الطاقة بتفوقها الفني وتاريخها العريق ودول مثل روسيا وليبيا والسعودية ونيجيريا تدخل في اتفاقات مع شركات اميركية في اعمال التنقيب والانتاج للمصلحة المشتركة. ولذا على المدى البعيد سيكون هناك فوائد للصناعة العراقية النفطية من التعاون مع شركات عالمية اميركية مثل اكسون موبيل وشيفرون وكونوكو فيليبس الخ. أي ما نريده هو غزو اقتصادي وتقني وادخال تكنولوجيا حديثة في اعمال التنقيب والانتاج والتسويق. ولا يقبل احد الاحتلال العسكري ولكن حصل ما حصل ولننقذ ما يمكن انقاذه وهذا يجلبنا للنقطة التالية:

(3)

لنتصور السيناريو التالي " تقرر اميركا الخروج من العراق تحت الضغط من الكونغرس والاحتجاجات بسبب تزايد الخسائر في الارواح". ولنفترض جدلا أن القوات الاميركية وقوات التحالف غادرت العراق كليا للأبد.

ماذا سيحدث؟
هل سيتبع ذلك حوار عقلاني بين جميع الاطراف بما في ذلك فئات قطع الرؤوس وتفجير السيارات المفخخة في صفوف العراقيين الابرياء؟ هل سيتم تشكيل حكومة تآلفية لخدمة المواطن العراقي. أم سيواجه الشعب العراقي حرب اهلية ومجازر وارهاب اشد ضراوة من الذي حدث في الجزائر في اواخر التسعينات.

(4)

هل يوجد لهؤلاء"المقاومون" برنامج لاعادة بناء العراق وتحرير المرأة ونشر الوعي والثقافة والقضاء على البطالة. لا نعرف من هم خلف الاقنعة. ولكنن نعرف ان 99% من الشعب العراقي لا يريد هؤلاء ان يكونوا الديكتاتوريون الجدد الذين سيحلوا محل صدام وعصابات تكريت التي نكّلت بالشعب العراقي طيلة 30 عاما. وماذا يريد هؤلاء بالضبط؟ نحن نعرف انهم لا يريدوا ديمقراطية وحرية تعبير وصحافة حرة ونعرف انهم لا يقبلوا بالرأي الاخر او الدين الاخر. الم يستهدفوا الكنائس. وهل يريدوا دولة طالبانية؟ لا يعرف احد هويتهم ولم يفصحوا عن برنامجهم. ولكن نعرف انهم لا يترددوا في قتل الابرياء العراقيين وغير العراقيين من امثال مارغريت حسن وسائقي الشاحنات الاتراك والاردنيين. اذا يمكن تلخيص برنامجهم بأنه "أجندة قتل " باسم الاسلام.

اترك للقاريء أن يتصور العواقب من انسحاب اميركي سريع بدون التأكد من وجود قوات أمن عراقية رادعة وكافية لحماية ارواح وممتلكات الشعب العراقي.
(( القتل الجماعي والارهاب الذي سيتبع انسحاب اميركي سريع قبل ان يتولى العراقيون انفسهم مسؤولية الامن والدفاع عن الابرياء وحماية المدنيين، سيجعل كارثة تسونامي تبدو كانها حفلة شاي في بستان)).

(5)

المقاومة الحقيقية لا تخطف الابرياء ورجال الدين ولا تقتل الابرياء عشوائيا. المقاومة الحقيقية تستهدف العسكريين المحتلين فقط. ولهذا فقدت المقاومة مصداقيتها كحركة تحرير وطنية بسبب سلوكها الاجرامي واحتقارها للقيم الانسانية..

و يمرالعراق الآن في مرحلة دامية وعنيفة وتعم البلاد الفوضى والخوف. والرعب ليس من قوات الاحتلال بل من "الارهابيين" الذين ينتحلوا صفة المقاومة والاسلام. ويتساءل الناس أي مقاومة تستهدف افراد عاديين ليس لديهم اجندة سياسية بل تواجدوا في اماكن معينة بحثا عن العمل ليتمكنوا من توفير الغذاء لعوائلهم. واين كانت هذه المقاومة اثناء عمليات حفر القبور الجماعية قبل غزو العراق. وتشير احصائيات الامم المتحدة ان 80-% من الشعب العراقي يعتمد على منظمات الاغاثة للحصول على الغذاء. ولذا لا عجب ان يحاول عراقيون عاديون من البحث عن عمل في مراكز الشرطة والدوائر الحكومية الاخرى لكي يستطيعوا تأمين لوازم الحياة الاساسية. هؤلاء ليسوا عملاء لأميركا.
لمعرفة من هم عملاء الصهيونية واعداء الاسلام يجب ان نطرح السؤال التالي:

من هو المستفيد من الارهاب وقتل المدنيين باسم الاسلام؟

اذا كان المستفيد الاكبر هو اسرائيل واعداء القضايا العربية والاسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين، لذلك لا تحتاج الى دكتوراة في الفلسفة والتحليل ان تستنج ان العملاء الحقيقيين لاميركا واسرائيل هم " الزرقاوي وبن لادن وكل من يستهدف الابرياء في اعمال قتل وقطع رؤوس ويستهدف مدنيين عراقيين وسواقين وعمّال تنظيف وطباخين، وميكانيكيين، ومترجمين، وعمّال صيانة في قطاعات النفط ومن يستهدف رجال دين شيعة او سنة على السواء، ومن يستهدف الكنائس والصحفيين وعمّال الاغاثة وموظفين الامم المتحدة وغيرهم". هؤلاء هم العملاء الحقيقيين الذين يرتكبوا الجرائم ضدالانسانية. وبأفعالهم يخدموا شارون والمحافظون الجدد واليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة.

( 6)

فشل الارهابيون فشلا ذريعا في كسب تعاطف الشعب العراقي ، وفي استطلاع أجرته جريدة الصباح العراقية وشمل 4974 شخص وجدت أن 88% منهم يؤيدوا عمل عسكري ضد الارهابيين. وفي دراسة ميدانية أخرى قام بها المركز العراقي للابحاث والدراسات الاستراتيجية وجدوا أن اياد علاوي هو افضل قائد مستقبلي للعراق.

(7)

التحضيرات للانتخابات تسير سيرا حثيثا رغم اعمال الترهيب والتخريب والقتل العشوائي.
ومن الداعي للتفاءول ان رجال الدين انفسهم يطالبوا بالديمقراطية. وتصرف قادة الشيعة بعقلانية ومسؤولية عندما طلبوا من اتباعهم عدم الانتقام لآعمال ارهابية ارتكبها ارهابيين من السنّة.
ويتعين على قوى الاعتدال والعقلانية اقناع غالبية السنّة ان لهم مستقبل جيد في عراق ديمقراطي مستقل وعليهم المشاركة في الانتخابات.

اذا تمت الانتخابات بنجاح، يتعين على الحكومة الجديدة ان تتفاوض مع السلطات الاميركية على سقف زمني وتاريخ معين ومحدد للانسحاب. واعادة تشكيل الجيش وقوات أمن كافية يجب ان لا تكون على اسس طائفية بل تشمل جميع قطاعات الشعب العراقي وحتى بعثيين سابقين وربما كتيبة بدر التي تم تدريبها في ايران وخلق قوة رادعة تعمل باسم حكومة وطنية عراقية لمكافحة الارهاب وحماية الشعب العراقي

(8)
العراقيون انفسهم يقرروا مصير العراق. وليس قوى خارجية. اختيار حكومة عراقية من قبل العراقيين هو أفضل وسيلة متوفرة الان في الطريق الى عراق مستقل ومستقر ينعم فيه جميع الفئات بسلام ورخاء اقتصادي. العراق غني بثرواته وشعبه ويجب ان يستفيد الشعب بأكمله من هذه الثروة.
مستقبل العراق يبقى بأيدي عراقية وليس في أيدي اميركية. 95% من العراقيين يريدواالعيش بسلام ووئام وهدوء وعليهم أن لا يسمحوا ل 5% من الضالين والارهابيين ان يخطفوا الاجندة. ويجب هزيمة هؤلاء لانقاذ العراق.

(9)

ما تريده الغالبية الساحقة من العراقيين هو حكومة شرعية منتخبة تستطيع التفاوض مع السلطات الاميركية بشأن الانسحاب الاميركي والاتفاق على تواريخ ثابتة معروفة واقران ذلك بخلق قوة عراقية امنية قادرة على حماية المواطنين. وعلى العراقيين تعبئةالفراغ الامني بعد خروج الاميركيين.


(10)

لا يوجد بديل للمشروع الديمقراطي العراقي. بعض المشككين يسموه المشروع الاميركي. ولهم الحق في ان يطلقوا عليه اي اسماء تليق لهم. ولكن غالبية الشعب العراقي يريد ان يتنفس الصعداء ويستعيد عافيته بعد عقود من الخوف والاضطهاد.

نهاد اسماعيل - لندن