لعل المرحله التي يعيشها العراقيون منذ سقوط نظام صدام شبيهه الى حد كبير بتلك السنوات المريره التي عاشها الألمان بعد إندحار هتلر ونظامه النازي، الشعور بالهزيمه كلل الجميع في أوربا لكن الهزيمه كانت ومازالت وقيعتها أشد وأنكى على الألمان، خرج الألمان وسط بيوتهم ومدنهم المدمره مهزومين ومصدوميين يبحثون عن إجابة لسؤال ظلت إجابته عصيه حتى الآن.
من كان المسؤول عما حدث ؟؟؟
هتلر وكبار مساعديه وأعضاء حكومته ماتوا أو ألقيَ القبض عليهم أو فروا، وكان الناس يبحثون في عيون بعضهم عن سبب ما حدث! كان البحث عما تبقى من أعضاء الحزب النازي وقتلهم أو إلقاء القبض عليهم من قبل قوات الحلفاء البلسم الوحيد الذي يهدأ جراحهم العميقه التي مافتئت تئن من الشعور بالفجيعه، لكن ذلك وحده لم يكن كاف، فهل من المعقول إن النازيه كانت تستمد قوتها من أعضائها الرسميين فقط، المرحله النازيه كانت طويله ومريره أحتضنت أو ورطت الكثير من الألمان مثقفين أو غير مثقفين، فمثلا كثيرا ما كان يقوم الفوهرر هتلر بتكريم أدباء وكتاب وفنانيين وأساتذة جامعات وعلماء ومواطنيين عاديين وكثيرا ماكانت تلتقط صور لهؤلاء وهم يقومون بمصافحة هتلر وإظهار التأييد لهََََ!!.
هناك فيلم للمخرج السويدي الكبير بيرغمان عنوانه ( بيضة الأفعى ) يصور لنا فيه نهاية النازيه برؤيه سينمائيه راقيه لسنا الآن في معرض تحليلها لكن بيرغمان أراد أن بقول بأختصار، إذا ما نجحنا في قتل الأفعى فكيف لنا أن نواجه ماخلفته هذه الأفعى الخطيره من بيوض ؟؟
كثير من الألمان تورط بشكل أو بآخر راضيا أو مكرها في صعود هتلر وحزبه النازي الى سدة الحكم وأمدوه بعوامل الأستمرار ولا سيما في أوساط المثقفين الذين فضلوا البقاء في البلاد ولم يفروا كما فعل أقران لهم.
تعددت الأسباب والموت واحد، الخوف أو الحاجة أو الرغبه في البقاء أو الأنتهازيه أو الخيانه، الأسباب كثيره والنتيجه واحده هي سواء كانت توافقا أو إنخراطا طأطأة للرأس لكي تمر العاصفه.
لكن على الجانب الآخر كانت الملايين التي أنهكتها الحرب هي الخاسر الأكبر ومن بينهم الكثير من المثقفين الذين فضلوا الصمت والسير في ظل ما تبقى من الحيطان المدمره باحثين عن كسرة خبز وبصيص أمل ولم يفكروا أن يدنسوا طهارة أيديهم بنجاسة يد الجلاد الملطخة بدماء الأبرياء أو يضعوا أنفسهم في موقف من لايستطيع أن يرفض مكرمة أو هدية منه.
لم يكن الأمر سهلا فالنفس أمارة بالسوء وغريزة الحياة ووكذلك الرغبه بالنجاح والطموح في بلد كانت فيه الراقصه بحاجة الى تزكيه من الحزب النازي، صنعت للكثيرين ماضيا لم يكن ولن يكون الأنفكاك منه أمرا ممكنا.
ولأتوقف هنا فلست أريد الحديث عن الألمان لأقف وأتسائل
من كان مسؤولا عما حدث في بلدنا العراق ؟؟ من كان شريكا في تدمير البلد وقتل وتشريد شعبه ؟؟
من أسهم في صعود صدام وأمده بعوامل الأستمرار لربع قرن من الزمن ؟؟
هل كان صدام المسؤول الوحيد عما حدث ؟!
وهل كان رجاله الذين في السجن الآن والذين أًَُطلق سراحهم أبرياء مكرهين أو مغرر بهم !!!
وهل كان أعضاء حزب البعث الذين تم شمولهم بقانون إجتثاث البعث والذين لم يتم شمولهم أبرياء مضطرين تحت وطأة الحاجه للعيش أو مكرهين على التدافع بالمناكب على إرتقاء سلم الصعود الحزبي الى الهاويه ؟!
وهل الذين كتبوا وأنشدوا القصائد لصدام وبطولاته التأريخيه ! كانوا مضطرين الى ذلك ؟!
وهل كان المثقفون الذين عملوا أو تعاونوا مع أجهزة النظام الأمنيه والمخابراتيه بصفة مخبرين أو باحثين مضطرين الى ذلك ؟!
ووهل وهلووووووووووووووووووو
حاول صدام في سنواته الأخيره أن يشوه ولا أقول يستميل المثقفين العراقيين بعد أهمال دام طويلا حيث كان يستأثر بأهتمامه وعطاياه المثقفين العرب لوحدهم بينما لاينال المثقفون العراقيون سوى أحتقاره وأهماله، فأمر بصرف الهدايا والمكرمات !! الى الأدباء والكتاب والصحفيين بمناسبة وغير ومناسبه ولم يكن لأحد أن يرد مكرمة لصدام حتى لو كانت نصف دجاجة كما حدث وأهدى كل عائله عراقيه !!
اللجنه العليا لإجتثاث البعث أجتثت نفسها قبل أن تجتث بعثيا واحدا أو على الأقل تحيله الى القضاء، الأسم كبير ومرعب وأثار لغطا كبيرا والأداء فاشل، نسمع جعجعه ولانرى طحينا!
الطامة الكبرى هو قانون الأنتخابات الذي سمح للبعثيين من درجة عضو فرقه فأدنى بالترشيح وكذلك البعثيين المشمولين بأستثناءات هذه اللجنه (المطاطه) جدا!!
الشعراء والكتاب والفنانون وممن مازال يحتفظ بصورته التذكاريه مع صدام أو ممن مازالت جيوبهم دافئة ببعض مما جاد صدام مازالوا يقفون على ذات المنابر ويبيعون كلاما جديدا، هؤلاء الحرباوات يتقنون صناعة الكلمات في كل العصور.
الأكاديميون الذين يضطهدوننا بلقب الدكتوراه بعد إن حصلوا على فرصة الدراسه لا تقديرا لمستواهم العلمي فحسب بل لنضالهم الحزبي !! والذين تسببوا في إعدام أو تحطيم حياة الكثير من الطلبه.
هل كان هؤلاء جميعا مكرهين على فعل مافعلوا ؟؟
نحن لانحتاج الى قانون إجتثاث البعث لأن هذا القانون ولد ميتا ! والملطخون
بدنس صدام لا يستوعبهم حزب البعث فقط، بل هم موجودون الآن حتى في الحكومه العراقيه الحاليه وزراء ووكلاء ومدراء عامون ومدراء أقسام وسفراء ومستشارين الخ
والبعثيون الكبار الذين هربوا من الشباك مالبثوا إن عادوا لنا من الباب وألى أعلى المناصب في الحكومه أو تم تسفيرهم الى خارج العراق مكرمين معززين، وصغارهم دخلوا الأحزاب الجديده ورشحوا أنفسهم في الإنتخابات، ونحن هنا لانتحدث عن ملايين ( المؤيدين) الذين أجبروا على دخول الحزب لسبب أو آخر، بل نتحدث عمن كان مستميتا في الصعود الى هاوية الحزب ( شرف العضويه) فنال العضويه أو كاد وفقد شرفه !!!.

ينبغي أن نكون مثل الألمان في التعامل مع النازيه، إذ يكفي أن يرسم صبي مشاكس علامة النازيه ( الصليب المعقوف ) على جدار لتدخل المدينه بأسرها في حالة إنذار ! يتحسسون من رائحة النازيه والنازيين !!


* كاتب وصحفي عراقي مقيم في ألمانيا