شكرا أولا وقبل كل شيء للسيد أحمد الجلبي الذي نشر في موقع المؤتمر العراقي(بعضا) من الوثائق التسعة عشر والتي تضمنت ليس فقط علاقة وزير دفاع العراق حازم الشعلان بالمخابرات العراقية ولكنها أتاحت لنا التعرف على عدد كبير من الأسماء الهامة ذات الدلالة في تأريخ العراق السياسي الذي لا يزال البعض يدجل له!
لولا (الديمقراطية الجديدة) التي كشفها لنا الأمريكيون، كيف يتسنى لنا التعرف مثلا على مثل هذه الحقائق، وكيف لنا أن نعرف أن البلد عطشان بدون ماء، يمشي في ظلام الدروب بدون كهرباء، ويعيش بردانا بدون نفط في بلد النفط.. ليس المهم أن يجوع الإنسان أو يعطش أو يبرد ولكن المهم أن تكون ثمة ديمقراطية يستيطع من خلالها أن يصرخ الإنسان (أنا عطشان) دون أن يصعد حبل المشنقة، وأن يصرخ (أنا بردان) دون أن يطلق عليه النار.. شكرا لله الذي منحنا الصبر والجلد وقدرة الإنتظار وقوة الإيمان. وشكرا للسيد للجلبي أحمد الذي ساعدنا على التخلص من الطاغية الأرعن وشكرا للولايات المتحدة الأمريكية التي لولا دبابتها لما تمكن المواطنون من إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وضربه بالأحذية والنعالات! شكرا لكم ونحن نشاهد مسرحية (الخبز المسموم) التي سأحدثكم عنها.
فأنا أود أولا أن أبعث للسيد الشعلان بالتهنئة من القلب وبطريقة رياضية، فلقد علمنا الرياضيون عندما يندحرون فإنهم يهنئون المنتصر. وأنا أعتبر حازم الشعلان منتصرا، فلقد تمكن (لو صحت الوثيقة وأظنها صحيحة وطبيعة الوثيقة ولوائح الأسماء المرفقة تؤكد أنها ليست مفبركة) فلقد تمكن السيد الشعلان من أن يلعب (يمثل) دور المعارض الوطني وهو رجل مخابرات لصدام حسين. هو بعثي وضابط مخابرات ولرجل المخابرات مواصفات كثيرة لعل أهمها قدرته على تقمص شخصيات متنوعة يصعب على ممثلي المسرح النجاح بها للدرجة التي نجح فيها الشعلان نفسه. فهو في هذا الجانب منسجم مع نفسه ومخلص لمبادئه ولا يخونها. وعادة فالممثلون ينسجمون بأدوارهم لحين نهاية المسرحية وعندما يسدل الستار يعودون لشخصياتهم أما حازم الشعلان فإنه تمكن من الإنسجام بشخصيته المتقمصة المعارضة الوطنية حتى بعد أن أسدل الستار، حتى بعد سقوط التمثال وإسدال الستار على المسرحية التي نفذها الأمريكيون في العراق منذ السابع عشر من تموز عام 1968 وهي تعرض لا تزال على واقع العراق السياسي. ولو لم ينشر موقع السيد الجلبي الوثائق لما كان في وسع أحد أن يكشف شخصية الشعلان.. فإلى أي درجة كان منسجما مع نفسه ومع مبادئه وقناعاته.. وكم كانت هشة المعارضة العراقية وأسيادها الأمريكيون الذين لم يدققوا في عناصرهم التي جاءت ذيولا لجنود الحرب في إسقاط العراق!
أنا أبعث بالتهاني الحقيقية لوزير الدفاع العراقي الذي تمكن من إختراق المعارضة العراقية وأقناعهم بمعارضته وهو حتى لحظة سقوط التمثال وحتى بعد سقوطه وقيادة العراق نحو الديمقراطية عن طريق الإنتخاب الحر بقي يلعب السيد الشعلان دور الوطني الحريص على أمن العرق ومستقبله!
فعلا أنك شاطر يا شعلان.. والله أنك شاطر وبدون مجاملة.. وأود هنا أن أروي لك ما يثبت أنك أكثر شطارة مني. فأنا كنت أهوى التمثيل في المسرح والسينما، فذهبت في مدينتي البصرة إلى المخرج قاسم حول وكان يخرج مسرحية (الخبز المسموم) من تأليف الكاتب العراقي (جيان) وطلبت أن أمثل معه في المسرحية فأعطاني دورا صغيرا (كومبارس) في مشهد حانة خمر، وأعطاني جملة أقولها وهي (بوي.. جيبلي لبلبي) هذا هو دوري في المسرحية وعندما صعدت المسرح لأعمل البروفة وكنت أرتجف، ظننت أن التميثل يجب أن يكون في اللهجة المصرية فناديت النادل قائلا (هات لبلبي يا واد) فقال لي المخرج (إنزل إنزل ما تصلح ممثل) فأدركت يومها كم هو صعب التمثيل، ولذلك فأنا مندهش لأداء الشعلان في تقمص شخصية المعارض. وما يثيرني الآن أنني فشلت في التمثيل في مسرحية عنوانها (الخبز المسموم) فيا للمصادفة، فيما أنت نجحت في تمثيل دورك في نفس المسرحية (الخبز المسموم)، وأعتقد أن سبب نجاحك في هذه المسرحية يعود إلى توافق الشخصية التي أديتها مع شخصيتك، لست وحدك الذي نجح في تمثيل الدور، بل الأدوار الأصعب هي التي تحمل الفكر الماركسي وتلعب أدوار المخابرات لنظام فاشي! وفي نفس مسرحية (الخبز المسموم)، قائمة الأسماء التي كانت تعيش في المنفى والتي كانت لها مواقع تأريخية في صفوف اليسار وبالذات الحزب الشيوعي العراقي. ومنهم أعضاء مكاتب سياسية أو لجان مركزية أو كوادر طلابية وفي كل البلدان الإشتراكية والرأسمالية والعربية.
الأسماء منشورة في القائمة لا نحتاج هنا لكي نعيد نشرها ومن يريد أن يتعرف عليها ماعليه سوى أن يفتح موقع المؤتمر الوطني العراقي ( www.inciraq.com ) ويجد تلك الأسماء اللامعة التي يقشعر بسببها البدن والتي ما أن تقرأها حتى تتذكر الناس الذين كانوا يصعدون المشانق أو يتم تفجيرهم داخل الحفر أو الذين ماتوا في التعذيب بسبب هذه الأسماء عندما كانوا يرسلونهم لأجهزة المخابرات. كانوا يرسلون الناس إلى داخل الوطن للعمل أيام الفاشية، تحت مظلة (تنظيم الداخل السري) ويرسلون أسماءهم لأجهزة المخابرات والأمن فيتم تعذيبهم وتشويههم أو إعدامهم، أو يستدعون الكوادر العمالية إلى شمال العراق لعقد مؤتمرات الحزب ومن ثم يرسلون قوائم الذين حضروا إلى مخابرات النظام ليصار إلى شنقهم أو إختفائهم وتعذيب عائلاتهم من النساء والأطفال، أو الذين ذهبوا بعيدا ليصبحوا عملاء مزدوجين ودخلوا وسائل الإعلام المسموعة في إذاعة (الحرة) من براغ وبعد الإطاحة بالتمثال أخذوا مواقعهم في شؤون الإعلام والثقافة، أو أعضاء اللجنة المركزية الذين سجل الحزب بإسمائهم عقاراته فأنفضوا منه بعد أن جاءتهم الأوامر من المخابرات ليتقاسموا أموال الحزب وأملاكه ولتصل أصوات الصياح إلى بلدان أوربا وأمريكا، فتقاسموا الأموال فأخذ الأول السيولة النقدية وأخذ الثاني العقار ليظهر إسم الثاني في القائمة الأولى المنشورة وكنت رأيته في فضائية كردسات ينظر لمستقبل العراق الديمقراطي. هذه الأسماء التي ظهرت في القائمة جعلتني أحمد الله سبحانه الذي منحني قوة الرؤية والتشخيص منذ زمن طويل ما جعلني اهرب إلى أبعد نقطة في الأرض أو في الأقل لا يفكر أحد الوصول إليها وهي مدينة بانكوك حيث لا أنتخب أحدا ولا أحد ينتخبني وإلا فماذا يمكن أن تخبئ لي الأسماء التي في القوائم والتي أعلن المؤتمر الوطني العراقي بأن هذه الوثائق المنشورة هي (بعض) الوثائق التي يملكها المؤتمر.. لماذا لم يستمع العراقيون إلى ما كان يقوله صدام حسين، فهو أوضح الناس في التعبير عن نفسه، أليس هو القائل عندما أخبروه بأن الشيوعيين العراقيين قد هربوا من العراق، قال لهم ضاحكا (ليذهبوا أينما شاءوا فإنهم أسرى عندي)!
الآن ظهرت قوائم الأسرى وظهرت أسماؤهم ليس الحزبية بل أسماؤهم الحركية في حركة المخابرات العراقية.
الرجاء من السيد أحمد الجلبي أن يكمل معروفه وينشر لنا في موقعه بقية الأسماء حتى يصح القول (عاشت الأسامي)! فلقد كان لها وقع ورنين في تأريخ الحركة الشيوعية العراقية. الكادر الشيوعي وعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي مسؤول خط الطبقة العاملة الرفيق (...) مساكين أبناء الطبقة العاملة العراقية كانوا ينظمونهم للصعود ليس في سلم السعادة بل في سلم المشانق بدون ضمير بدون وجدان بدون ذرة صغيرة من الشرف! الرفيق عضو لجنة تنظيم الخارج مسؤول الخط الطلابي الرفيق (...) فبعد أن ينهي الطالب دراسته يعيدونه للعراق (رفيق الوطن يحتاجك في الداخل) ويرسلونه شهيدا بدون كفن!
يبقى الشعلان في عالم المخابرات عنصرا مخلصا لمهنته (حسب القائمة)، ولكن الأسماء التي ظهرت على هامش المعركة وإنكشفت هي الأسماء المجرمة الحقيقية لأنها خانت الوطن وتعاقدت مع الفاشية، أما الشعلان فإنه ينتمي بالأساس الى الطرف الذي تعاقد معه الشيوعيون لأرسال الأبرياء إلى بيوت الأشباح!
فلمن سيعطي المواطن صوته، بعد إعلان هذه الوثيقة؟
هل بقي مواطن بدون ضمير فيمنح إسمه للقائمة المنشورة في موقع المؤتمر الوطني؟! هي نفسها قائمة طريق الشعب أو قائمة وطني، أو ما يسمى قائمة العراق التي ينتمي إليه الشعلان!؟
لا توجد الآن في العراق أيها السادة أية أزمة سياسية فلا تقلقوا.. توجد أزمة أخلاقية وعليكم أن تقلقوا، لأن أزمة الضمير هي الأصعب!
وشكرا للمخرج قاسم حول الذي أيقضني قائلا أنك لا تصلح أن تكون ممثلا!

كاتب عراقي مقيم في بانكوك.