وصلتنى رسالة على البريد الألكترونى من أخ عربى وأشكره على كل ما جاء بها، وبدايةً أوضح له أنه لا يهمنى أن يزداد أعداد المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو الملحدين وغيرهم من البشر ولا يهمنى من خانوا المسيح كما تصفهم وأرتكبوا الخطايا والشرور ولا يهمنى أن يؤمن المسيح نفسه بالإسلام أو بغيره من الأديان، فهذه ليست قضيتى بل قضية الإله الخالق الذى سيحاسب كل إنسان حسب إيمانه وأعماله فى اليوم الأخير.
نقطة جوهرية ينبغى أن أؤكدها من وجهة نظرى وهى أننا فى عصر لا يمكن للعقل الواعى بفكر الحرية الإنسانية أن يقبل بالحقائق المطلقة أو بالإيمان المطلق لكل ما تقوله الأديان بمختلف عقائدها وتعاليمها، لذلك أرجو أن تكون مطمئناً أخى العزيز وأن يسعدك الإله بما تؤمن به وتعتقد فيه وتدافع عنه وأتمنى لك الخير فى جميع الأحوال.
أبدأ تعليقى لبعض ما يقول صاحب الرسالة بأنه لو " كانت لدى مصداقية لما وصفت الإسلام بالأستعمار "، وأجيبه: من وجهة نظرك الدينية تعتبره فتح إسلامى، لكن غيرك له الحق فى قول عكس ذلك حسب المعطيات التاريخية فى كتب التاريخ، ولك مطلق الحرية أن تصف الحرب التى قام بها المسلمين على مصر " البقرة الحلوب بتعبير عمر بن الخطاب " بأنها فتح إسلامى لأنك لست مصرياً ولا تعرف شيئاً عن تاريخ هذا الفتح وما حدث خلاله عندما جاءت بضعة آلاف من " الفاتحين " ولم يتركوا مصر حتى هذه اللحظة، لأن التاريخ فى منطقتنا العربية تمت كتابته وتفسيره حسب مزاج الكاتب ومشاعره الدينية، ولكن التاريخ الحقيقى بدأ يظهر إلى الوجود على أيدى المخلصين من المفكرين والباحثين عن الحق يعيدون أكتشافه بفضل بصيص الحرية الذى بدأ يلوح فى آفاقنا العربية.
لن أحدثك عن معنى كلمة أستعمار فى القاموس العربى وعلاقتها بالتعمير، إلى جانب أن الأذن العربية لم تتعود على سماع أو قراءة كلمة أستعمار عربى أو إسلامى لأن العرب أوهموا أنفسهم بأنهم خير الناس والأرض هى ملك لهم فقط، لذلك كان طبيعياً أن يصدق الجميع كلمة فتح ولم يفكروا فى دراستها والتأمل فيها وأعطوا لأنفسهم الحق المقدس والمطلق فى الأستيلاء على بلاد الآخرين وعدم تسمية ذلك أستيلاء أو أحتلال أو أستعمار بل فتحاً مبيناً، لذلك يرفض الكثيرين حتى يومنا هذا كلمة أستعمار ويعتبرونها غير طبيعية وإهانة لهم ويلصقونها بغيرهم، فالعرب مثلاً فتحوا الأندلس لكن البرتغاليون أستعمروها!
أتمنى أن نتريث فى فهم الأشياء قبل أن نترك المشاعر والأحاسيس تقودنا إلى طريق مجهول، أن الدين عندما يستبد بفكر ومشاعر إنسان ويجعله يصل إلى مرحلة الأستبداد بالآخر وقمعه وتكفيره وتوجيه الأتهامات له بالضلال والكفر والردة وغيرها من الألفاظ والصفات، يصبح دين أستبدادياً لا علاقة له بإله فى السماء أو شيطان بشرى على الأرض، عندما أستغل رجال الدين والسياسة المسيحيين فى أوربا الديانة المسيحية وقادوا الحروب الصليبية، كان واضحاً مقدار الأستبداد والعنصرية الدينية التى تعمل على إرهاب وقتل وتدمير وكراهية الآخر، وهذا ما كانت تفعله كل الشعوب فى مراحل مختلفة من تاريخها عندما تستغل الدين فى القيام بحروب يصفونها بالمقدسة لتحقيق أهداف تختلف من دين إلى آخر.
لن أدخل فى عرض الأحداث والتفاصيل التاريخية لأنها فى متناول الجميع فى الكتب الدينية والتاريخية وعلى الأنترنت، لكنها كلها وسائل تحتاج إلى القراءة بحيادية وبحرية وفهم ما تراه صواباً وتتبع معرفة الحقائق حتى النهاية، الكثير من المفكرين الجادين بدأوا يخرجون عن صمتهم ويلقبون الفتوحات مثلاً بالغزوات الأستعمارية والتى سيقت لها أسباب عديدة حتى تظهر بمظهر المنقذ أو المخلص أو الفاتح لتلك الدول ومنها مصر مثلاً حيث كان الشعار المرفوع على أسنة السيوف الفاتحة أو المستعمرة ليفهمها كل إنسان حسبما يشاء هو " الأختيار بين ثلاثة إما الإسلام أو دفع الجزية وهم صاغرون وإما الحرب "! لا أعرف ياصديقى كيف تفهم وكيف تفسر لنفسك العبارة السابقة فى ضوء ما فعله عمر بن العاص وعمر بن الخطاب بالوطن المصرى وشعب مصر الذين أعتبروه " حيوانات " مواشى "!
يا صديقى العزيز هذا الكلام ليس كلامى، وأدعوك لقراءة تاريخ بن كثير والمقريزى والطبرى وغيرهم عن فتح مصر كما يقولون لتكتشف بنفسك كيف كانوا يستحلون الدماء والأعراض والأموال والغنائم، وحتى أريحك من عناء البحث إليك مقال حديث كتبه الدكتور أحمد صبحى منصور بعنوان المسكوت عنه فى سيرة عمر بن الخطاب، يلخص ويشرح لك ما لا أريد الخوض فيه لأنه تراث خاص بك ترفضه أو تصدقه فالحرية لك والأختيار لك.
http://www.metransparent.com/texts/ahmed_sobhi_mansour_caliph_omar.htm

المحبة معناها أن أغفر لك أخطاءك، لكن عندما تنظر إلىٌَ بأعتبارى ضالاً وكافراً فإن مشاعرك الطبيعية هى أن تستهدفنى بالكراهية والبغض وهى مشاعر لا تتمنى أن يهدينى إله صالح إلى الحق أليس كذلك؟
المحبة تجعلنى أحب الآخر سواء كان مؤمناً بأفكارى أو النقيض منها، أحبه لأنه بشر مثلى ليس فى قدرتى أن أدينه وأحاسبه على إيمانه بإله أو رفضه لإله آخر، الحرية الإنسانية تجعلنى أفكر هكذا: كل فرد له الحق فى أن يؤمن أو يرفض عقائد وأديان ومذاهب معينة، هذا قراره الشخصى ولن يكون ذلك سبباً فى كراهيته أو التمثل به، وقراره الشخصى هذا ليس حرية دينية بل هو حرية إنسانية تحترم بشريتنا، ومن الظلم لنفسى أولاً وأخيراً أن أتعسف وأستبد برأيى وأنظر إلى الآخرين بأعتبارهم أهل كفر أو أهل إيمان.
لهذا أختم تعليقى على رسالة القارئ الكريم بأن الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، وعبارة جديرة بالتأمل للسيد المسيح تقول ".. ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ ".
ميشيل نجيب