المحاور:
أولاً: البنية الطبقية في فترة سقوط البعث ونتائجها السياسية.
ثانياً: الواقع الجديد وسياسات الاحتلال والتغييرات في البنية الطبقية للمجتمع ونتائجها السياسية والاجتماعية.
ثالثاً: الصراعات الاجتماعية والسياسية الجارية في البلاد.
رابعاً: الانتخابات شكل من أشكال الصراع الراهن.
خامساً: إلى أين يتجه العراق في المرحلة الراهنة؟
****************
أولاً: البنية الطبقية في فترة سقوط البعث ونتائجها السياسية.
شهدت البنية الطبقية للمجتمع في نهاية الثمانينيات حتى سقوط النظام تحولات تشويهية إضافية لما كان عليه التشوه الطبقي قبل ذاك. وارتبطت هذا التحول بالعواقب التي ترتبت عن طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي مارسها النظام الاستبدادي والحروب الدموية التي خاضها ثم الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على المجتمع العراقي مع غزو الكويت في صيف/خريف عام 1990 ورفض النظام سحب قواته منها طيلة عدة شهور وأجبرت على الانسحاب في حرب الخليج الثانية في عام 1991. وبرز هذا التشوه الطبقي في المجتمع في المظاهر التالية:
تراجع شديد في حجم ونسبة الطبقة العاملة المنتجة للسلع الصناعية والمشاركة في إنتاج الدخل القومي إلى مجموع السكان والقوى العاملة في البلاد، سواء أكان ذلك في الصناعة النفطية الاستخراجية أم في الصناعة التحويلية، إذ تقلص عدد المشاريع الصناعية القائمة بسبب التدمير الواسع الذي لحق بها عبر الحروب المتتالية، وتراجع شديد في التوظيف الرأسمالي في الصناعة التحويلية وإعادة بناء أو إقامة مشاريع جديدة للبنية التحتية، إضافة إلى تراجع كبير في عمليات استخراج وتصدير النفط الخام وحبس الموارد المالية في صندوق الأمم المتحدة ووصولها التدريجي والبطيء للعراق.
تراجع ملموس في حجم ونسبة الفلاحين إلى مجموع السكان لأسباب كثيرة منها بشكل خاص التجنيد الواسع النطاق للفلاحين والهجرة المتزايدة لهم على المدن والعمل في مختلف القوات المسلحة أو في النشاط الاقتصادي الهامشي. كما أن نسبة مهمة من قتلى الحرب كانوا من الفلاحين والعاملين في الزراعة. وأجبرت أعداد أخرى على الهجرة من الريف إلى المدن بسبب السياسات الشوفينية للحكم ضد الشعب الكردي وبسبب دخول مناطق واسعة من ريف الجنوب أو ريف كردستان في مناطق الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الثانية.
تقلص حجم ونسبة الفئات المتوسطة، بما فيها فئات البرجوازية الصغيرة المنتجة للسلع الصناعية أو العاملة في مجالات أخرى إضافة على موظفي الدولة والمستخدمين والعاملين في قطاع الخدمات الخاص والحكومي، إذ شملهم التجنيد أولاً والموت ثانياً والبطالة الواسعة ثالثاً وصعوبة استيراد وسائل الإنتاج ومنها المواد الأولية من الخارج.
وتأثرت البرجوازية المتوسطة الصناعية كثيراً بالسياسات الاقتصادية التي مارسها النظام في العراق فتقلصت مشاريعها وقدراتها على استثمار رؤوس الأموال في المشاريع الصناعية وتراجع بعضها إلى مواقع فئات البرجوازية الصغيرة. ونتيجة ذلك تقلص عددها ونشبتها إلى السكان ودورها في الاقتصاد العراقي وتأثيرها الاجتماعي.
وتأثرت فئة المثقفين العراقيين بشكل واضح بالسياسات التي مارسها النظام إزاء المجتمع والحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فاضطرت نسبة مهمة من المثقفات والمثقفين على الهجرة إلى خارج البلاد وتقلص تأثيرها الإيجابي على فكر ووعي الإنسان العراقي. والمجموعات التي واصلت البقاء في العراق تعرضت إلى انهيارات مالية كبيرة اصطفت بجوار الفئات الكادحة والمعوزة مالياً في ما عدا تلك الفئة منهم التي حسبت على النظام وسايرت أو دافعت عنه وروجت أفكاره ومفاهيمه وسياساته.
لعب هذا التطور دوراً سلبياً صارخاً في تراجع المستوى المعيشي لهذه الفئات الاجتماعية وأصبحت في غالبيتها تعاني من عوز شديد. فالحراك الطبقي لم يكن إيجابياً بل اقترب من خلو الساحة العراقية من الفئات الوسطى التي غالباً ما تشكل قاعدة التحولات الاجتماعية في هذه الفترة من التطور. وكان هذا التطور السلبي قد اتجه لصالح:
نمو واسع في فئات أشباه البروليتاريا أو الفئات الهامشية التي تعيش على هامش الاقتصاد الوطني وليس لها تأثير يذكر على ميزان القوى الاجتماعية والسياسية، كما يغيب دورها الاقتصادي الفعال. وهي جماعات واسعة جداً تعيش على أطراف المدن أو فيها ولكنها في أحياء فقيرة ومعوزة وبائسة في غالب الأحيان ولا تجد فرصاً للعمل وتحقيق الدخل القومي، إنها مستنزفة للدخل أو مستهلكة له.
وفي هذه المرحلة من واقع العراق استطاع فئة البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية العقارية وفئة صغيرة من المقاولين، وهي فئات مرتبطة بالحكم مباشرة وعلى حواشيه أن تعزز مواقعها وتطور ثروتها الخاصة على حساب الدخل القومي ومصالح السكان. كما نمت في هذه الفترة فئة محدودة من البرجوازية التجارية المرتبطة بالحكم أو التي ارتبط عملها مع المجموعة المسؤولة عن تنفيذ قرار "النفط مقابل الغذاء".
كما شهدت هذه الفترة نمواً ملموساً في الدور الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم السياسي غير المباشر، للإقطاعيين وكبار ملاك الأراضي الزراعية وشيوخ العشائر بسبب استعادتها لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية واستغلالها المشدد للفلاحين ودعمها السياسي للنظام.
لقد أدى هذا الواقع إلى تفاقم عدة نتائج سلبية، منها:
•تنامي الفجوة بين الغالبية العظمى من السكان التي تعاني من الفقر والعوز والبطالة من جهة، وبين قلة قليلة جداً من السكان التي تتميز بالتخمة المالية والغنى الفاحش والتهريب المستمر للثروة إلى خارج البلاد ونهب قطاع الدولة وموارده المالية.من جهة أخرى.
•تراجع شديد في مشاركة القطاعين الصناعي والزراعي والإنتاج الحرفي الصغير في تكوين الدخل القومي أو في تغطية جزء مهم من حاجة السوق المحلية إلى السلع الاستهلاكية. كما تراجعت مشاركة النفط الخام في تكوين الدخل القومي ولكنها أصبحت المهيمنة على بنية هذا الدخل بسبب ضعف القطاعات الأخرى.
•في مقابل تنامي في عدد ونسبة الفئات المستهلكة للدخل القومي في البلاد وتقلص القدرة الشرائية للسكان وتدهور في مختلف مجالات الخدمات العامة للسكان.
•عجز عن استمرار التنمية أو تطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، مما تسبب في نشوء بطالة تصل إلى حدود تتراوح بين60-65 % من أجمالي القوى القادرة على العمل في البلاد.
•تنامي اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط الخام لتأمين الموارد المالية الضرورية وعلى الاستيراد لإشباع حاجات السكان الأساسية، وبالتالي أصبح الانكشاف على الخارج شديداً والتشوه في البنية الاقتصادي والاجتماعية كبيراً.
ومن الناحية الاجتماعية والسياسية قاد هذا الواقع الجديد إلى بروز عدد من العواقب قبل وأثناء سقوط النظام، منهاً:
تخلخل مواقع الأحزاب الوطنية في قواعدها الاجتماعية التي تدهورت كثيراً وتأثر وعيها الاجتماعي والسياسي.
انعزال الحكم عن الجماهير الشعبية وتقلص شديد في قاعدته الاجتماعية والسياسية.
تعمق القمع والإرهاب والاستبداد وتفاقم الخشية من أجهزة القمع وعجز عن التحرك ضده.
تزعزع القيم والمعايير الإنسانية في المجتمع وتخلخل شديد وتدهور في الوضع النفسي للسكان وفقدان التوازن لدى الفرد والمجتمع وتفاقم انفصام الشخصية والانتهازية والخشية التامة من المستقبل.
تزعزع الثقة بالنفس وسقوط نسبة عالية من السكان في أجواء من الكآبة والحزن وغياب وضوح الرؤية والتحري عن خلاص من الواقع في التعبد والغيبيات وانتظار الفرج وزيارة السحرة والمنجمين..الخ.

ثانياً: سياسات الاحتلال والتغييرات الجارية في البنية الطبقية للمجتمع ونتائجها السياسية والاجتماعية.

كان لسقوط النظام الاستبدادي أثره الإيجابي الكبير على الإنسان العراقي وعلى المجتمع وبرزت في حينها إمكانية وفرصة نادرة لدفع عجلة التطور في البلاد إلى الأمام وتعبئة الشعب حول مسيرة الوضع الجديد. إلا أن سياسات قوات الاحتلال المباشرة وغير المباشرة لعبت دوراً أساسياً في تفويت هذه الفرصة الثمينة والمراوحة في المكان. فماذا حصل في واقع الأمر؟
السياسات التي مارستها قوات الاحتلال في العراق:
سيادة الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار وتفاقم الخشية من النهب والسلب والقتل.
نشوء فراغ سياسي بسبب عدم تسلم القوى السياسية العراقية الحكم مباشرة من أيدي قوات الاحتلال.
إعادة تنظيم صفوف القوى المناهضة وتنامي الإرهاب (القتل والتخريب وتعطيل انسياب الموارد المالية للعراق من النفط الخام ومن المساعدات الخارجية)
إغراق الأسواق المحلية بكميات هائلة من السلع المصنعة المستوردة وبمختلف النوعيات.
استمرار العجز في إعادة بناء البنية التحتية وإعادة العمل في المشروعات الصناعية المخربة.
استمرار العجز في التنمية وقلة الموارد المالية الموجهة لها.
ضخ موارد مالية في قطاع الخدمات الاستهلاكية والقوات المسلحة الأجنبية وزيادة الرواتب والسيولة النقدية. وقاد تدفق الأموال إلى:
نمو في بنية الفئات الوسطى ـ الموظفين والمستخدمين وجمهرة المثقفين وإلى تحسن نسبي في أوضاعهم المعيشية.
استمرار ضعف بنية الطبقة العاملة والبرجوازية الصناعية والمتوسطة والفقيرة بسبب قلة الموارد المالية الموجهة للقطاع الصناعي الخاص والحكومي، إضافة إلى الممنافسة الحادة مع السلع المنتجة محلياً من جانب السلع الصناعية المستوردة.
استمرار وجود بطالة واسعة والتي لم تتقلص إلا بنسبة ضئيلة جداً لا تزيد عن 10 % من القوى العاطلة قبل سقوط النظام. وأدى هذا بدورة إلى استمرار وجود فئة واسعة من الهامشيين الذين لا دخل ثابت لهم ولا مورد يساعدهم على تجاوز أوضاعهم الرديئة.
إلا أن تحسناً طفيفاً طرأ على حالة الفلاحين الذين تمكنوا من العمل في الريف رغم أنهم مارسوا العمل في ظروف غير سهلة وتحت هيمنة كبار الملاكين والإقطاعيين القدامى.
وفي مقابل هذا صل نمو في فئة كبار الملاكين وشيوخ العشائر والإقطاعيين والفئة المقاولة والعقارية.
ونمت خلال هذه الفترة فئة البرجوازية التجارية المرتبطة بالشركات الأجنبية والعاملة في الجملة والتجزئة.
وفي مقابل هذا نشأت فئة من القطط السمان من كبار موظفي الدولة من البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية المقاولة الثانوية. وهي فئات ارتبطت مصالحها بمصالح قوى الاحتلال التي أسقطت صدام وبالشركات الأجنبية التي قدمت معها وبدأت تحقق أرباحاً عالية في الخدمات التي تقدمها للقوات العاملة في العراق أو في مشاريع تابعة لها أو في عمليات إعادة البناء. وأصبحت مظاهر الرشوة والفساد المالي والمحسوبية والمنسوبية وتمشية المعاملات بالمال تعم البلاد وتمارسها جماعات كثيرة محسوبة على النظام السابق أو حتى بعض قوى المعارضة العراقية السابقة وبعض الموظفين الذين وجدوها فرصة سانحة للاغتناء على حساب مصالح وبؤس الشعب.
ورغم التحسن البسيط الذي طرأ على مصالح البرجوازية الصغيرة في المدن وخاصة في قطاع الصناعة الحرفية، إلا أنها ما تزال تعاني من ضعف شديد بسبب ضعف قدرتها على المنافسة مع السلع المستوردة وعدم وجود حماية لنشاطها الاقتصادي وسلعها، علماً بأن هذا القطاع يمكنه استيعاب نسبة عالية من البطالة الراهنة في العراق لو أمكن تنشيطه وتطوير إمكانياته وضمان حماية نسبية له.
والخلاصة تشير إلى الواقع التالي:
بقاء فئات واسعة من المجتمع تعاني من ضعف الموارد المالية وضعف في القدرة الشرائية وتذمر في صفوف الفئات الفقيرة والهامشية في المجتمع.
استمرار تنامي الفساد الوظيفي والمالي والنهب والسلب لموارد الدولة والمجتمع واستمرار وجود المحسوبية والمنسوبية على أسس حزبية وعشائرية وقرابية...الخ.
ضعف القواعد الطبقية المنتجة للأحزاب السياسية العراقية وسعي بعضها لكسب المهمشين في المجتمع واستثمارهم لأغراضها غير السليمة.
نشوء توترات اجتماعية واقتصادية وسياسية بسبب الاختلالات في توزيع واستخدام الثروة المتوفرة في البلاد.
ضعف تدفق مساعدات الدول الأخرى إلى العراق.
وأسهم كل ذلك في بقاء نوع من التشابك في ما بين مجموعات كبيرة من الفئات الاجتماعية، في ما عدا الفئات الغنية والملكة لوسائل الإنتاج وبقاء القواعد الاجتماعية لمختلف الأحزاب السياسية ضعيفة وقلقة. ثم اقترن ذلك مع
بروز عشرات الأحزاب السياسية مع تخلخل وضعف ثقة الأوساط الشعبية بغالبية تلك الأحزاب أو حتى بالحياة الحزبية.
تقارب في مهمات الأحزاب السياسية مع عجز غالبيتها عن التعبير الفعلي عن مصالحها، دع عنك تمثيلها.
ظهور مواقع للأحزاب الدينية في صفوف المهمشين بشكل خاص. وهذه الحالة تبدو واضحة في القسم العربي من العراق
بروز عشرات المنظمات غير الحكومية لأسباب فعلية أو شكلية، ولكنها تعبر عن حاجة فعلية من جهة، وعن جوع حقيقي للمجتمع المدني ودوره في الحياة العامة، وأحياناً للارتزاق لا غير.
تصاعد وتيرة التمزق الديني والطائفي
واستمرار غياب وحدة القوى الديمقراطية وعجز عن فهم أهميتها لمستقبل البلاد، إضافة إلى غياب وحدة اليسار الديمقراطي العراقي والعجرفة التي تميز بعض فصائلها والادعاء بعدم وجود غيرها أو التساؤل عن مدى وجودها بغرض تجنب الحديث عنها.
التباين الواضح في فهم حق تقرير المصير للشعب الكردي وطبيعة الفيدرالية والحقوق القومية العادلة للتركمان والكلدان والآشوريين.


ثالثاً: الصراعات الاجتماعية والسياسية الجارية في البلاد.
إن هذا الواقع المعقد والمتشابك خلق أو عمق مجموعة من الصراعات الاجتماعية والسياسية التي تستوجب المعالجة الجادة. والسؤال الذي يفترض أن نجيب عنه هو: حول ماذا يدور الصراع؟
يحتل الموقف من طبيعة وجود قوات الاحتلال وفترتها والعلاقة اللاحقة بالولايات المتحدة وبريطانيا مكانة خاصة وأهمية متميزة في الصراع في المجتمع، وخاصة الموقف من قضية القواعد العسكرية والاتفاقيات الاقتصادية المحتملة وقضية اللبرالية الجديدة في الاقتصاد والسياسة الاجتماعية. وسيبدو أكثر وضوحاً بعد تحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب الجاري حالياً.
حول السلطة: الجمعية العمومية وتركيبة الحكومة القادمة
حول طبيعة ومضمون الدستور العراقي الجديد
حول العلاقة بين الدين والدولة
حول المستقبل الديمقراطي للعراق
حول الفيدرالية الكردستانية وحقوق القوميات الأخرى في العراق
حول حقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية
حول حقوق المرأة ودورها ومكانتها ومساواتها بالرجل في جميع المجالات دون استثناء وحقوق الطفل.
حول الموقف من العلاقة بين القطاعين الخاص والحكومي ودور كل منهما في الاقتصاد العراقي وعملية التنمية.
والسؤال الثاني الذي يفرض نفسه علينا هو: من هي قوى الصراع في المجتمع في الوقت الحاضر؟
يبدو لي بأن الصراعات الراهنة في المجتمع تدور بين القوى التالية:
بين قوى المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته الاجتماعية وأحزابه السياسية الوطنية والديمقراطية من جهة، وبين قوى الإرهاب (قوى البعث والقوميين الشوفينيين وقوى الإسلام السياسي المتطرف والإرهابي).
بين قوى المجتمع من جهة، وقوى الاحتلال الممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بشكل خاص من جهة أخرى. وهذا الصراع لم يتخذ سمة العنف بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب، بل تسعى قوى الشعب إلى حله سلمياً بعد الانتهاء من عمليات الإرهاب الجارية ونشر الاستقرار في البلاد من خلال الاتفاق السلمي على خروج القوات الأجنبية من البلاد دون وضع قواعد عسكرية أو اتفاقيات مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية.
بين الحكومة بتركيبتها الراهنة وبين قوات الاحتلال بالارتباط مع السياسات التي تمارسها الحكومة وتلك التي تمارسها قوات الاحتلال على صعيد البلاد. وهي تعبير عن طبيعة البنية المتباينة للحكومة العراقية وتنوع الأحزاب التي تشكلها وتباين سياساتها ومواقفها إزاء القوات الأجنبية في العراق.
بين القوى المدنية أو العلمانية من جهة، وبين قوى الإسلام السياسي من جهة أخرى، إذ تسعى الأخيرة إلى إقامة نظام إسلامي في العراق، كما عبر برنامجها الانتخابي، وأن عبر عنه بطريقة أخرى وهي عدم وضع دستور أو سن قوانين تتعارض مع الشريعة، وهي صيغة مخففة للتعبير عن النظام الديني الذي يراد إقامته في العراق والذي لا يختلف كثيراً عن النظم الدينية الأخرى، ومنها النظام الإسلامي في إيران.
بين قوى إسلامية سياسية شيعية من جهة وقوى إسلامية سنية من جهة أخرى، إذ أم كلاً منها يريد إقامة الدولة على أساس إسلامي مذهبي أو يحقق الأكثرية له ليفرض السياسة الدينية التي يؤيدها. كما أن هناك صراعاً بين قوى الإسلام السياسي المعتدلة والمتطرفة حول مواقعها في المجتمع وسواء أكانت سنية أم شيعية. وعلى العموم يمكن القول دون تحفظ بأن الأحزاب الإسلامية السياسية هي أحزاب مذهبية طائفية شاء مؤسس تلك الأحزاب أم أبو، وهي حقيقة تتجلى بوضوح في إيران والسودان وغيرها من الدول التي تدعي سيرها على أساس الدين الإسلامي.
بين قوى ديمقراطية من جهة وأخرى ديمقراطية أيضاً من جهة أخرى. وهي التي تتجلى في خوض الانتخابات وفي البرامج التي تطرحها وسعي كل منها للحصول على مواقع أفضل في الصراع الدائر في العراق.
ويمكن للمتتبع أن يميز بين أسبقية تلك الصراع أو حدتها في العملية السياسية الجارية في البلاد، إذ أنها ليست من وزن واحد بل متباينة الأوزان والأهمية.


رابعاً: الانتخابات شكل من أشكال الصراع الراهن.
لا شك في أن هناك نقاط التقاء عامة بين مختلف القوى السياسية المتآلفة في الحكومة الراهنة أو المؤيدة لها التي تتجلى في برامجها الانتخابية، منها مثلاً:
مناهضة الإرهاب.
ضد الاحتلال ومن أجل الخلاص منه.
الاحتفاظ بالثروة النفطية بيد الدولة.
الحديث المشترك عن الاقتصاد الحر مع التباين في فهم أبعاده الاجتماعية ودور القطاعين الحكومي والخاص..الخ.
الحديث العام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية.
القبول العام بالفيدرالية في كردستان العراق مع تباين في فهم الحق في حرية تقرير المصير ومضمون الفيدرالية.
وعندما يدخل الإنسان في بحث تفاصيل هذه النقاط سيجد التباين في البعض المهم منها في ما بين الأحزاب والقوى السياسية العراقية، كما سيجد نقاط اختلاف أخرى تتلخص في:
الموقف من:
طبيعة السلطة والدولة
العلاقة بين الدين والدولة
الديمقراطية والتعددية ومن إجمالي حقوق الإنسان
الفيدرالية الكردستانية
حقوق القوميات الأخرى
قضية المرأة ومساواتها بالرجل
علاقة قطاع الدولة والقطاع الخاص بالعملية الإنتاجية وعموم الاقتصاد الوطني.
الموقف من الاستثمارات الأجنبية
الموقف من العلاقات العربية والإقليمية والدولية
الموقف من التربية والتعليم والأعلام
الموقف من الفنون والآداب والعلم وحرية المبدع والإبداع.
إن متابعة الوضع الراهن في العراق بالارتباط مع حملة الانتخابات الانتقالية سيجد العوامل التالية المؤثرة فيها:
1.وجود الإرهاب الذي تكثف في الآونة الأخيرة لمنع إجراء عملية الانتخابات ولإشاعة الفوضى في البلاد.
2.وجود قوات الاحتلال التي ستلعب دورها في الواقع الجاري وفي الانتخابات أيضاً بفعل وجودها وعلاقاتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.
3.تدخل المرجعية الدينية الشيعية بتأييد قائمة دون غيرها في وقت تدعي أنها لا تتدخل بالسياسة إلا للمصلحة العامة.
4.تدخل هيئة علماء المسلمين السنة في الوضع السياسي والانتخابات من خلال الدعوة إلى مقاطعتها بحجة أنها تجري تحت حراب المحتلين، ولكنها كانت تتعامل بكل حرية وتأييد مع قوى النظام الاستبدادي الذي تسبب بقتل ما يقرب من مليوني إنسان عراقي، دع عنك ضحايا الدول المجاورة التي تعرضت لحربه وعدوانه.
5.التدخل الإقليمي الإيراني والتركي وكلاهما يطمح إلى التأثير على الانتخابات لصالحه وضد مصلحة العراق الأساسية.
6.التدخل العربي المتعدد الجوانب والأشكال
7.الأعلام المضاد
8.الفساد الوظيفي والإداري
9.الوعي الضعيف الوعي السياسي والاجتماعي وضعف الوعي بأهمية ودور الانتخابات وقلة الاطلاع على البرامج والقوائم وأسماء المرشحين لدى أوساط واسعة من الشعب.
10.ضعف علاقة الأحزاب بالجماهير، والضعف الملموس في دور القوى الديمقراطية عموماً.
11.الفقر الواسع الذي يمكن أن يتسبب بتزوير الانتخابات من خلال توزيع الأموال على الناخبين لشراء أصواتهم التي تتعارض مع إرادتهم الحرة.
12.العشائرية ودورها الراهن في المجتمع وتأثيرها الأبوي المباشر على الفلاحين وأبناء العشائر في المدن.
13.ضعف دور المثقفين العراقيين والثقافة في حياة الناس وفي العملية الانتخابية الجارية والمنافسة بين الأحزاب المختلفة.


خامساً: إلى أين يتجه العراق في المرحلة الراهنة؟
عند متابعة الوضع في المنطقة وعلى الصعيد العالمي ومدى ارتباط كل ذلك بالوضع القائم في العراق يمكن القول بأن هناك جملة من الضمانات الدولية التي تمتع مجيء قوى متطرفة وإرهابية على السلطة في العراق أو تحقيق النصر على المجتمع وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية. ولكن هذه الضمانة غير كافية لإقامة عراق اتحادي (فيدرالي) ديمقراطي مدني تعددي، بل يستوجب تأمين مستلزمات الوصول إلى هذا الهدف. وهي مستلزمات كثيرة وذات أهمية لتحقيق الانتصار في الصراع الدائم مع قوى الإرهاب والظلام في العراق والمنطقة والعالم. فما هي مستلزمات النجاح في هذه المعركة التي لا تقتصر على الانتخابات القادمة أو التي بعدها، بل تشمل مستقبل العراق وحياة شعبه؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل مكثف بالنقاط التالية:
الإصرار على الوجود المؤقت لقوات الاحتلال في العراق وتحديد فترة خروجها مع الانتهاء من النشاط الإرهابي الواسع الذي يهدد المجتمع ومستقبله بالصميم، ورفض التوقيع على اتفاقيات مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية.
مشاركة الشعب في عملية الدفاع عن الحرية والديمقراطية والحقوق القومية ومواجهة الإرهاب وكسر شوكته.
تحالف وثيق بين القوى الديمقراطية من مختلف القوميات في العراق، إذ أن العراق هو عراق العرب والكرد والتركمان والكلدان والآشوريين.
الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره بما فيه حقه في استكمال إقامة الاتحادية الكردستانية (الفيدرالية الكردستانية) والاعتراف بالحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى.
وضع برنامج مرحلي – 5 سنوات مثلاً– يسعى للاستجابة إلى حاجات ومصالح الجماهير الواسعة والمباشرة.
ضمان تعزيز القوى الديمقراطية العراقية صلتها بفئات الشعب المختلفة وتنشيطها للدفاع عن مصالحها وحقوقها وممارسة واجباتها أيضاً.
تنشيط المنظمات المهنية الديمقراطية غير الحكومية التي تلتزم حقاً مهمات ومصالح الناس وتكون المساعد والمراقبة لممارسة الدولة لواجباتها لصالح الشعب.
زيادة دور المثقفين الديمقراطيين في الحياة العامة وفي عملية التحويل الديمقراطي للبلاد وفي العملية التثقيفية للمجتمع وفي مختلف مجالات الثقافة والإبداع والعلم.
تحسين وتطوير الخطاب السياسي الذي مازال ضعيفاً ومترددا يخشى الجديد والتجديد لدى القوى الديمقراطية العراقية عموماً وقوى اليسار الديمقراطي خصوصاً.
ضمان تأييد القوى الديمقراطية في العالم وتضامنها من اجل بناء عراق ديمقراطي مدني حديث، وشجب الإرهاب ورفضه ودعم جهود العراقيين لاستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية.
تأمين محاكمة جادة وعادلة لكل القوى المسؤولة عن الجرائم التي ارتكبها النظام السابق في العراق.
عدم التساهل في وجود المسؤولين السابقين ونشاطهم في أجهزة الدولة وإبعاد المسيئين من البعثيين من مواقع العمل في السلك الدبلوماسي ووزارة الدفاع والداخلية والتربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام ومكافحة الفكر العنصري والشوفيني للبعث العفلقي الصدّامي وفق أسس علمية وعقلانية، وكذلك مكافحة الفكر الطائفي والتمييز بمختلف أشكاله.
مكافحة الفساد الإداري والمالي والمحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة..الخ.
برلين/ كانون الثاني/ يناير 2005 كاظم حبيب