قد يقتطع الموظف المصري الذي ينتمي لطبقة متوسطة شبه منقرضة، من قوته وقوت عياله ليشتري هاتفاً محمولاً، وربما منى الكثيرون أنفسهم به، بعد أن سمعوا عن إنشاء شركة ثالثة للخطوط المحمولة في مصر، مما سيدفع الشركتين اللتين تقتسمان الساحة المصرية إلى خفض رسوم المعاملات، لكن هذه الأماني ذهبت أدراج الرياح، بعد أن وافقت الحكومة المصرية على طلب الشركتين بوقف إجراءات إنشاء شركة ثالثة.
وللمحمول استخدامات كثيرة في بلادنا العربية، يكمن في الكشف عن بعضها وضوح سر انتشاره، خاصة في مصر المعروفة بخفة دم أهلها.
الرسائل لا المكالمات هي أفضل وسيلة للتواصل عبر المحمول للمصريين، خاصة في الأعياد، وكثيراً ما تجمع رسائل العيد المصرية المحمولة(نسبة إلى الهاتف المحمول) بين التهنئة والنكتة.وقد برع المصري على مر العصور في اختراع النكتة التي يواجه بها صعوبات الحياة، ولا يوجد محظور في النكتة المصرية، فالتنكيت يجوز فيه كل موضوع، حتى لو نكت المصري على نفسه.
وقد جاء هذا العيد بحدث ومتزامناً مع حدث آخر، والحدث المعروف الذي جاء به هذا العيد هو حلوله قبل موعده بيوم، وهذا ما أعلنته المملكة السعودية...
وجاءت أكثر النكات المصرية المحمولة انتشاراً التي تناولت هذا الموضوع تقول:
"في تحدي صريح للسعودية تعلن قطر أن غداً هو أول أيام شهر رمضان المبارك".
وبالنظر للمحتوى العبثي للنكتة، يتضح لنا الشعور لدى المصري بعبثية الفعل الأصلي الذي تم بناء النكتة على أساسه.
المواطن المصري البسيط يدرك بحصافته أن لا شأن له فيما يحدث حوله، سواء في الكليات أو الجزئيات، والكليات تبدأ من سيطرة قوة عالمية على مقدرات أمور الدول التي نعيش فيها، وبالتالي تشمل السياسة والاقتصاد...إلخ
أما الجزئيات فقد تطال ما هرع إليه المواطن المصري، حيث لا يوجد أمامه أيديولوجية أخرى بديلة، وهو الدين.
و عامة الشعب المصري مسالم يبغي الحياة في أمان، ولا تترك له مشاغل الدنيا، والمسعى وراء الرزق، وقتاً للتفكير في الكليات، ومن يسيطرون عليها عالمياً أو محلياً، ويرى أن هذه الأمور لا تعنيه، فقد تم تغييب دوره عنها منذ زمن.
وقد تظهر قضية قدوم العيد قبل أوانه كقضية جزئية أو مفتعلة، لكنها ليست كذلك للمواطن المصري الذي لم يبق له درعاً غير دينه، ولدينه عيدان في العام.ولقد أدرك المواطن المصري أن القضية خارجية، ومن ثم كان عليه أن يبحث عن نكتة مناسبة للموقف، تؤكد عبثيته وتطرحه على أرضية مناسبة، وخارجية أيضاً.
أما الحدث الذي يتزامن معه هذا العيد، فهو اقتراب التمديد لفترة رئاسية تالية، ولأن الحدث مصري صميم فكان يجب أن تتناسب النكتة معه، وكانت أكثر النكات انتشاراً في هذا المضمار:
"عيد (مبارك)علينا وعلى أحفادنا ليوم الدين".
وهذه النكتة-التهنئة، لا تعكس موقفاً محدداً بالسلب أو الإيجاب لتمديد الرئيس مبارك لفترة رئاسة تالية، وإنما تصف حالة عموم الشعب، الذي ربما يرى أن المسألة برمتها لا تخصه، لا عن جهل بمجرياتها، وإنما لأسباب تعبر عنها عبارات متداولة:"بلاش كلام في السياسة"و"السياسة لها ناسها"، فالفجوة ليست فقط بين السياسي والمواطن في مصر، بل بين المواطن وأسس المعرفة بمزاولة النشاط السياسي من الأساس.
كان هناك بالطبع العديد من النكات التي تخص الحدثين، وتخص أحداثاً أخرى حولنا، لكن لا تكتب في مقال.لكن من المؤكد أن رسائل المحمول أصبحت متنفساً حقيقياً للشعب المصري، والعربي كذلك، للتعبير عما لا يمكن التعبير عنه صراحة، كما تطرح بعداً مهماً يضاف إلى حرية التعبير، وهو التواصل مع الآخر المقموع.
*كاتبة من مصر