كيف يطيب الكلام عن وطن جعلته المذاهب والرجعيات مزرعة بشر؟
ماذا يُقال في شعب ممزَّق يستعين بالغرباء على تفتيت ذاته كلاحس المبرد لأنه أسير التعصُّب والجهالات ؟
أين شرف الهوية والاحترام وأهل البيت يُعاكسون آراء بعضهم في استعادة السيادة والحرِّية والاستقلال؟ أيُّ كيان ممكن أن يقوم في هذه الغوغائية اللعينة المُنْكَرة؟
أستحي من هذا الجفاء الحاقد وهذه المسافة الجرداء بين أبناء البلد الواحد. لكن لا يُحكم لبنان، وهذا واضح في اعتقادي، إلا عن يد أجنبية تأتي من الخارج أو من قبضة المشيئة القادرة من فوق، والأدلَّة فاضحة في الخبطات الكاسحة والخطابات الماسحة.
فئةٌ تضمرالانتقام اللاهب من فئة تبطن السيطرة والسطو على المقاليد بشكل مُبَيَّت.
شريحة لا تؤمن بنبؤة هذا وأخرى لا تؤمن بأُلوهة ذاك. إنَّها لَمُعضِلَة بالفعل شائكة ومميتة.
يموت الوطن بحجره وبشره وهو يتغرَّب عن تراث وانتماء، عن آداب وأخلاق، عن قيم وشيم، عن مرؤة وإباء، عن ذمم وشمم، عن عادات وتقاليد،عن كرامة وعنفوان، وعن تفاهم ومحبة.
يدَّعون الحوار والتعايش المشترك وهم يتكاذبون ويُدَجِّلون، والكتابان على نقيض شكلاً ومضموناً، فلِمَ هذا التحايل والرياء؟ إن الحقيقة الواحدة بالصراحة جاحدة ولم تَعُد شيمة الرجال والأجرياء. أليس هذا مُعيب بحقِّنا بعد ما قاسينا من الويلات أرعبها ومن ألأهوال أرهبها؟ أما آن لنا أن ننبذ هذا العمه المُغشِّي على العيون؟
إن ما نحن فيه هو بالطبع خِزْيٌ وعار، ولكن هي التربية الاجتماعية التي لقَّنها الأوَّلون للآخرين. والمُحِطُّ في المشكلة، أن هناك مهذارون يستفرغون حكْياً بلا مغزى ولا معنى فيُذِلُّ الجُلاَّس والنُظراء ويصب على الزيت نيرانا. كيف إذاً تكون إلفة ويكون وفاق والأجيال كبيرها والصغير يصغي إلى الترَّهات والخزعبلات؟
يتحدَّثون اليوم عن بلاد الأرز وكلٌّ يفصِّل على قدِّه اللباس المساقب، ذلك يعني أن التركيبة التي يتصوَّرون تارة هي بحجم الأقزام وطوراً بحجم العمالقة. مسكينة بلادي مُمَثِّلموها مشعوذون عوَّدوا شعبهم وتعوَّدوا على النشاز والشواذ والزندقة،
شذَّاذ عن الأصول كالثعابين في المستنقعات، تقشعر الأبدان من أشكالهم المغلوطة. إنهم كأبناء الأسطير والخرافات والأخيلة. ما أن تُطالعنا صُورُهم حتى نشمئز من بشاعات المناظر.
أستغفر التاريخ الذي كتبه دم الأبرياء عندنا والذين سقطوا ضحايا القتل والهمجية العجماء. مخجلة نتيجة ما إليه وصلنا. حين أُفكِّر في الكتابة عنَّا تغرورق عيناي بالدموع ويغسل الخدَّين بكاءٌ مقهور على ما أصابنا من مأساة واندحار.
مَن لي يفيدني عن مستقبل لبناني والفساد والبغض والحقد والتناحر ينهش جسد الطوائف والإنسان؟ مكسورون إلى الأبد طالما ذهنيَّاتنا رضيعة التخلُّف والزيْف والكره والبُهتان.
يُبنى الوطن يوم أقتنع أنه ليس بمقدوري فرض قناعاتي وإيماني وديني على الآخر لا باللين ولا بالقوَّة، ويوم نقتنع كلانا بأننا أحرار في بلد وُجِد لحرية المبادىء والعقائد و الخيارات.
أهدي تحايا للأشخاص الذين يميِّزون معي الصواب من الخطأ.
كندا- مونتريال 22/1/2005