يحق لي ولغيري أن يطرح هذا السؤال: هل من جناح عسكري لهيئة علماء المسلمين في العراق؟، وأن يتحرى عن إجابة واضحة ودقيقة عنه مع الأحداث المأساوية الجارية في العراق ودور هيئة علماء المسلمين في تأجيجها. سأحاول فيما يلي أن أسلط الضوء على جملة من الفعاليات التي تمارسها هيئة علماء المسلمين في العراق والتي تتجاوز واجباتها الدينية، علماً بأن الهيئة ليست متجانسة في جميع عناصرها، بل هي تتكون من تيارات فكرية وسياسية مختلفة، ولكنها التقت على الحد الأدنى من الأهداف والمهمات، ويتميز الكثير من أعضائها بالطائفية الصارخة، تماماً كما نجده في عدد غير قليل من قوى الإسلام السياسي الشيعية. دعنا نتابع بعضاً من فعاليات هيئة علماء المسلمين العراقية. لن نعود إلى تاريخ بعضهم في فترة حكم الدكتاتور صدام حسين، فهي معروفة للغالبية العظمى من شعب العراق، سواء أكانوا من أتباع المذهب السني أو المذهب الشيعي وكذلك جميع الأحزاب والقوى السياسية التي حاربها بعنف وقسوة نظام صدام حسين. وابتداءًً لا بد من الإشارة إلى أن قوات الاحتلال الأمريكي وبعض القوى السياسية من أتباع المذهب الشيعي الذين عانوا من ظلم صدام حسين بشكل خاص أو من الطائفيين المتزمتين لعبا معاً دوراً سلبياً حاداً من أجل دفع البلاد بالاتجاه الطائفي المضاد لما مارسه النظام الصدّامي من تمييز ديني وطائفي في المجتمع. وهذه الممارسة الجديدة الغريبة عن قوى المجتمع المدني العقلانية والسليمة قد أوجد شعوراًُ متفاقماً لدى الكثير من أتباع المذهب السني وكأن هناك محاولة لإزاحتهم واحتلال مواقعهم في السلطة وممارسة التمييز ضدهم، كما مارسه النظام قبل ذاك إزاء أتباع المذهب الشيعي، رغم أن ذلك لم يكرس رسمياً في الدستور المؤقت أو في القوانين التي أصدرها النظام، ولكن ممارساته وصحافته عبرت عن ذلك بوضوح وخاصة في السنوات الأخيرة من حكم النظام ومن قبل ابن الدكتاتور البكر عدي وجريدته بابل التي أساءت كثيراً فإنسان العراقي وتسببت في دفع الغلو في النزعة الطائفية. إلا أن هذه الاتجاهات الخاطئة والمخلة والخطرة لقوى الاحتلال وبعض الأحزاب الشيعية لا يجيز ارتكاب أخطاء أبشع من جانب رجال دين وشيوخ عشائر من أتباع المذهب السني، إذ كان وما يزال بالإمكان معالجة هذه الأمور عبر الطرق التفاوضية والعقلانية والسلمية وبآليات ديمقراطية مناسبة. لم يحصل هذا الاتجاه السليم المنشود، بل مارس الكثير من أعضاء هيئة علماء المسلمين السنة دوراً سيئاً وخطراً في الحياة السياسية والإعلامية والثقافية العراقية، والتي نود الإشارة إلى بعض منها فيما يلي:
1.البدء بترويج فكرة هيمنة أتباع المذهب الشيعي على الحكم ومحاولات دفع أتباع المذهب السني إلى خارج حلبة الحكم في العراق والانفراد بحكم البلاد وفرض المذهب الشيعي في الحكم. وإذا كان في دعاية بعض قوى الإسلام السياسي الشيعية بعض الحقيقة في ذلك، ولكنها كانت مبالغ بها بهدف تعبئة القوى ضدها. ولا شك في أن إيران لعبت دوراً سيئاً جداً في المساهمة في ترويج هذه الفكرة من خلال إرسالها القوى الأمنية والمتطوعين لتشجيع الوجهة الطائفية في البلاد.
2.تعبئة خطباء الجمعة في مساجد بغداد والأعظمية والفلوجة والرمادي وتكريت وسامراء والموصل وغيرها من أتباع المذهب السني ضد الوضع الجديد الناشئ بحجة النضال ضد الاحتلال، في حين كان العزاء لديهم قائماً بسبب سقوط النظام الدموي الذي كان يحسب لهم لا عليهم، في حين أن بنات وأبناء المذهب السني كانوا قد عانوا هم أيضاً من كوارث واستبداد صدام حسين ونظامه. ولنا في هروب الكثير من السياسيين والعسكريين من الموصل وسامراء وبغداد أو غيرها تأكيد لما نقول، كما أن سجون النظام لم تكن فارغة منهم.
3.عدم الرغبة في التحري عن حلول عملية للمشكلات القائمة والإصرار على خوض القتال ضد القوات الأمريكية والبريطانية التي أسقطت الدكتاتور واحتلت العراق، في حين كانت هناك إمكانية لتوحيد المواقف ومحاولة إنجاز مهمات المرحلة الانتقالية بسرعة ودعوة قوات الاحتلال إلى مغادرة العراق، وفي حالة رفضها كان وما يزال في مقدور الشعب كله أن يتوحد لإخراج القوات الأجنبية من البلاد.
4.الدعوة إلى ممارسة المقاومة ضد المحتلين والتي كانت وما تزال تعني ممارسة السلاح وكل أساليب ما يسمى بالجهاد لا ضد قوى الاحتلال فحسب، بل وضد الحرس الوطني والشرطة والجيش العراقي وضد الحكومة وموظفي الدولة وضد الأحزاب المشاركة في الحكم وضد الجماهير الشعبية اعترفوا بذلك أم أبوا الاعتراف به.
5.إقامة علاقات حميمة مع قوى الإرهاب التي كانت وما تزال تقوم بخطف الناس الأبرياء من نساء ورجال وأطفال وقتلهم أو تعذيبهم أو إطلاق سراحهم بتدخل من هيئة علماء المسلمين كما حصل أخيراً للصينيين الثمانية الذين اختطفتهم قوى قريبة أو تابعة لهيئة علماء المسلمين.
6.قيام أعضاء من هيئة علماء المسلمين بتوجيه الدعاية إلى العالم الإسلامي ومطالبته بدعم نشاطها ومواقفها في العراق، أي بدعم الإرهاب الذي تسميه مقاومة. وهكذا صدر عن هيئة علماء المسلمين في السعودية وفي غيرها دعوات مماثلة تبيح |"الجهاد!" في العراق.
7.قيامها بتأييد العمليات الإرهابية الدموية التي نظمتها مليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر والتي أودت بحياة العشرات من العراقيات والعراقيين بحجة وحدة الشيعة والسنة في مقاومة المحتلين، رغم إدراكهم بالطبيعة المغامرة لهذه العمليات ومعرفتهم بالنهج الطائفي الذي ميز هذه الحركة، ولكنهم كانوا يعملون على قاعدة "عدو عدوي صديقي ولو إلى حين".
8.وكان آخر عمل قامت به هيئة علماء المسلمين السنة دعوتها إلى مقاطعة الانتخابات بحجة وجود قوات الاحتلال في البلاد، في حين أنها تدرك بأنه الطريق الوحيد والصالح لإخراج قوات الاحتلال من العراق بعد تأمين الشرعية النسبية المناسبة في هذا الصدد. نحن نعرف الكثير من الدول التي أجرت انتخاباتها في ظل قوات الاحتلال، سواء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما جرى في ألمانيا والنمسا وغالبية الدول الأوربية الغربية منها والشرقية، أم في فترات أخرى، كما جرت قبل أيام في قطاع غزة والضفة الغربية من فلسطين المحتلة.
إن هذه المواقف تساهم بشكل فعال في إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار وتشجع على الإرهاب وتساهم به، شاءت هيئة علماء المسلمين أم أبت.
إن الوقائع التي تحت أيدينا تؤكد ما يلي:
•إن هناك العديد من القوى المتطرفة التي تساهم في عمليات القتل والتخريب والتدمير الجارية في العراق. وهي قوى ترتبط بجماعة الزرقاوي وأنصار الإسلام السنة الكرد وأنصار الإسلام السنة العرب وبعض الجماعات الأخرى من فلول النظام الدكتاتوري والقوى القومية ذات الاتجاهات الفكرية والسياسية اليمينية والشوفينية المتطرفة. وأغلب هذه القوى تدين بالولاء للمذهب الوهابي الأكثر تطرفاً، أي أنها متطرفة حتى بالقياس إلى المذهب الوهابي المعمول به من قبل الحكومة السعودية.
•وأن هناك تعارضاً بين هيئة علماء المسلمين والمجموعة الإرهابية التابعة للزرقاوي وإسامة بن لادن بسبب وجود تباين في تفاصيل المذهب السني، رغم أن الجماعات الإرهابية لزرقاوي وبن لادن تسعى إلى هدنة مؤقتة مع القوى الإسلامية السياسية السنية الأخرى بهدف كسب المعركة أولاً ثم التوجه ضدها فيما بعد.
•ولكن هناك تنسيق وتعاون مباشر وغير مباشر مع قوى ثلاث هي:
•فلول النظام الدكتاتوري من أفراد فدائيي صدام حسين والأمن والاستخبارات وبقية الأجهزة الأمنية التابعة لصدام، بما فيها الأمن القومي، والحرس الجمهوري وجيش القدس وبعض قوى الجيش والشرطة أو النجدة السابقة وبعض كوادر وقوى حزب البعث.
•مع بعض القوى القومية العربية ذات التوجهات الشوفينية والدينية المتعصبة والطائفية.
•بعض القوى الدينية التي ارتضت حمل السلاح لتنفيذ أهداف هيئة علماء المسلمين.
وعلينا أن نلاحظ بأن عمليات الاختطاف الجارية في العراق تمارس من قبل عدة مجموعات:
•بعضها يسعى للحصول على فدية كابتزاز لعدم التعرض بالأذى أو إعادة المختطف إلى أهله مقابل مبلغ من المال أو بيعه إلى عصابات الإرهاب السياسي.
•وبعضها الآخر يمارس الإجرام السياسي بحق الشعب والقوى المساعدة للشعب العراقي كما حصل مع السيدة مارغريت حسن وعشرات غيرها من النساء والرجال. وعلينا أن نتذكر ما يجري في اللطيفية في قتل الناس من أتباع المذهب الشيعي لمجرد الاسم أو رفض الدوس على صورة أحد أئمة الشيعة مثلاً.
•وبعضها الثالث يمارس الإرهاب السياسي ولكنه يستجيب لنداءات هيئة علماء المسلمين، إذ لهم علاقات بها، ومنهم البعثيون والقوميون وبعض القوى الدينية التي أشرت إليها سابقاً.
إن الدلائل كلها تشير إلى وجود جناح عسكري يقاد من بعض أعضاء هيئة علماء المسلمين الذي يمارس الإرهاب، في وقت يمارس بقية أعضاء الهيئة العمل السياسي المتوتر والمتشنج والمشجع على الإرهاب بحجة المقاومة.
وهي تحصل على تأييد قوى مماثلة لها في الأقطار العربية والدول الإسلامية. يرجو الإنسان أن لا يكون الأمر كذلك ولكن الدلائل كلها تشير إلى ذلك وتؤكدها يومياً.
علينا أن نفضح هذا النشاط العسكري والسياسي الذي يمارس اليوم في العراق ويقود إلى نتائج وخيمة، وهو أشبه بمن يقتل شخصاً ثم يسير وراء جنازته. فهل تستطيع هيئة علماء المسلمين السنة أن تنفي عنها هذه الوقائع؟ وإذا كان ذلك ممكناً فلتثبته للشعب الذي يعاني من العمليات الإرهابية، سواء بالموت أو الاختطاف أو تخريب مؤسسات الدولة وخطوط أنابيب نقل النفط الخام أو بالحرمان أو بمنع توفير فرص عمل جديدة للكادحين من الناس العراقيين أو توفير الخدمات العامة.
برلين في 23/1/2005