أقوى الإشارات على تبعية السلطات اللبنانية الثلاث لنظام الحكم البعثي في دمشق هي أن أمين الشؤون الخارجية اللبنانية في مجلس النواب اللبناني، السيد بلال شرارة لا يعمل بالشؤون الخارجية اللبنانية كما تقتضي وظيفته بل بالشؤون الداخلية السورية. ولذلك تراه يعرف تماماً كل التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالإنتاج الصناعي وبالإنتاج الزراعي ولديه كل الجداول المتعلقة بعمله كما نشر في إيلاف 23 يناير وهو يبشر بالتالي بعظمة سوريا ودورها المحوري في المنطقة وتستحق بذلك إحتلال لبنان. الرجل يقوم بوظيفته كما تستوجبها عروبيته وبشكل أفضل مما يقوم به أمين الخارجية السورية. ولا غرو في ذلك طالما أنه يرد الجميل الذي صنعته سوريا للبنان إذ قدمته على نفسها فسمحت للبنانيين أن يحرروا جنوبهم بينما لم تسمح للسوريين أن يحرروا جولانهم بذات الطريقة. كما أنه يرد على تخرصات الرئيس الأميركي جورج بوش الذي وصف سوريا بالضعف الذي لا يمكنها من لعب أي دور في المنطقة، ويفضح الدعاية التي تزعم أن رفض إسرائيل للعرض السوري باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، الرفض الذي لم يكن بسبب الضعف السوري بل ربما بسبب إنشغال شارون أو الأرجح بسبب تحسب شارون من قوة سوريا خاصة وأنه حاول إختبارها عندما قصفت طائراته البطاريات السورية في ظهر البيدر ومرة أخرى عين الصاحب قرب العاصمة دمشق لكنه فشل في الحالتين وأبدت سوريا من الثبات وضبط النفس ما يستحق الإعجاب. وليس أدل على قوة سوريا من رفضها القاطع لسحب قواتها من لبنان بالرغم من كل إحتجاجات اللبنانيين ومعهم دول عظمى مثل فرنسا والولايات المتحدة وحتى مجلس الأمن. إنها ثابتة كالطود في لبنان والحق أن مثل هذا الثبات لا يدهش بلال شراره فقط بل ويدهش كل المراقبين أيضاً.
ولأزيد من دهشة السيد شراره بعظمة القيادة السورية علي أن أذكره، وهو ليس بحاجة للتذكير كما أعتقد، أن جميع المطبلين المزمرين لحافظ الأسد بدءاً بعبد الحليم خدام وانتهاء بناصر قنديل لم يجدوا ما يؤبنون به الأسد لدى رحيله سوى أنه حافظ على الإستقرار في سوريا لا أكثر ولا يعني ذلك إلاّ أنه قبض بكلتا كفتيه على قلب العروبة النابض وظل يضغط بكل عزمه حتى توقف القلب عن الخفقان. هذا ما يعنيه الإستقرار!! حكم سوريا بالحديد والنار وزج برفاقه في القيادة في السجن حتى قضوا بعد ربع قرن طويل دون ذنب إقترفوه ودون محاكمة. سوريا الحزينة تحكم بقانون الطوارئ منذ 44 عاماً.. لا صحافة ولا حريات ولا أحزاب غير تلك الأحزاب الكاريكاتورية فيما يسمى زوراً بِ " الجبهة الوطنية التقدمية ".. عشرات آلاف المفقودين ومئات آلاف السجناء السياسيين.
ليطمئن السيد شرارة فالمجموعة الحاكمة في سوريا هي أقوى مئة مرة من الشعب السوري المسكين... تزج بنوابه في السجن دون أن ترفع عنهم الحصانة وتلقي بالأستاذ الدكتور عارف دليله في غياهب السجون ليس إلاّ لأنه أعطى تصريحاً لإحدى المحطات الفضائية.. سلطة تعدل الدستور خلال خمس دقائق فقط كي يرث الأبن أبيه في رئاسة الجمهورية. مسكينة سوريا! ومسكينة أمة العرب فقد جعل البعث منها مثلاً تخجل به أمم الأرض.
وقبل أن أختم أرجو أن يسمح لي السيد أمين الخارجية في مجلس النواب اللبناني بتعزيته بالدين العام اللبناني وقد تجاوز الأربعين ملياراً من الدولارات!!
عبد الغني مصطفى