لاشك ان الرئيس بوش يملك الكثير من صفات الزعيم الواثق من نفسه.. استمر بتبرير احتلاله للعراق.. رغم ان نصف الشعب الامريكي يختلف بألرؤى والتفسير والقناعة مع ملايين الاوربيين الذين خرجوا بمظاهرات حاشدة.. ضد الغزو الامريكي للعراق.. بحجة وجود اسلحة دمار شامل..!

رغم شدة امواج الغضب.. التي لاتصل اليها ماوصلت من علو ودمار كارثة
سونينانو.. التي ضربت شواطيء اندونيسيا وسريلانكا والهند وتقاربت اعداد الضحايا بين الاثنين.. وتشابه الدمار وروح الخراب والشر واحدة..

اليونانيون كتبوا بألتاريخ القديم من اشهر مسرحيات ذلك الزمن الكوميديا الالهية.. وأبدع الكاتب دانتي في كتابتها حتى اصبحت مادة تدّرس ضمن تاريخ الامبراطورية اليونانية..!

وكتب الرئيس بوش وعهد لليمين المسيحي كتابة فصل كوميديا الغزو والانتخابات في العراق..! وفي ظنهم ان مسرحيتهم هذه ممكن ان تخدم اغراضهم وتجعل بعض اهالي العراق بدافع شهوة الحكم والتغليب الفئوي والطائفي يؤازرونها ويعملوا على ممارستها رغم كل المخاطر والضحايا وعمق رفض الاكثرية لها.. والتي تنوعت مكونات الرافضين.. علمانيين.. وأفراد من الطائفتين الشيعة والسنة وقسم من الاكراد.. تمثل شريحة من الشعب العراقي لايمكن تجاوزها.. وانكار اهميتها..

اصرت الادارة الامريكية على المضي في الدعوة لاجراء الانتخابات تحت اي ظروف ومهما علت اصوات الرافضين وكثر عددهم.. والعراقيون بفئة واسعة وتحت شعار مقاومة الاحتلال وقبول مبدأ الانتخاب الديمقراطي.. ولكن ليس في ظروف العراق الحالية..

واستقطب رجال المرجعيات الدينية في قيادة اتجاهين معاكسين جماعة اهل السنة من جانب وعلي السيستاني من جهة اخرى.. كل طرف يدافع عن اعتقاده.. وفرح بما يملك..!

الادارة الامريكية تصمت.. بل تشجع هذا الانقسام.. وقد يصل الى حرب اهلية وسيكون معها سببا واقعيا بوجوب بقاء القوات الامريكية على ارض العراق.. وينال الدعم الدولي وهيئة الامم المتحدة ومجلس الامن التي تدعم الوجود وتبرره بأوسع نطاق.. لينال الشرعية الدولية.. هذا في حسابات ادارة بوش..

اما على ارض الواقع...

وعند الشعب العراقي.. وحتى بين المتكالبين على الانتخابات.. المستغلين للحس الديني الطائفي.. فقد ملئوا شوارع بغداد.. بملصقات تظهر رجال الدين بلحاهم الطويلة وكأنهم هم قادة سياسيون.. وليسوا مراجع دينية.. وهذا ليس خرقا لقانون الانتخابات بل مناقض لمواقف آية الله السيستاني الوطنية المعتدلة.. والتي برأيي الشخصي لعبت دورا في تسفير بول بريمر.. واعلان فشل سيرته السياسية..

الناس والتاريخ والواقع.. يعلم مدى واقعية الشعب العراقي..!

الادارة الامريكية وقبلها الانتداب البريطاني يحسبون للشعب العراقي الف حساب..

والشعب العراقي فرض ارادته بألتاريخ المعاصر القريب..

ففي العشرينات اجبر الشعب العراقي الانتداب البريطاني الى تواجدهم بموجب معاهدة 1936.. وفي ذات السنة فرض بكر صدقي وجود الجيش العراقي وهيمنته العسكرية. ونفوذ تأثيره على الساحة السياسية.. وفي 1948 اجبر هذا الشعب الواعي رئيس وزراء العراق صالح جبر على الاستقالة وقبرت معه معاهدة بورتسموث..!

وفي 1956.. اضطر نوري السعيد ان يقف ضد الاعتداء الثلاثي.. على مصر والذي اشتركت ثلاث دول فيه.. اسرائيل وفرنسا وبريطانيا العظمى..

وفي سنة 1958 اطل الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم بوجوده القوي على قيادة ثورة 14 تموز.. التي انهت النظام الملكي.. وبدأت ولادة الجمهورية العراقية الاولى.
وبعد ان جن جنون الاستعمار ومراكز القوى النفطية الاحتكارية.. بعد اعلان الزعيم قاسم قانون رقم 80 لسنة 1959.. والذي حصر امتيازات شركات النفط.. في الاراضي المستثمرة فقط.. والتي حصل فيها التنقيب ومنها التصدير.. وأمم بهذا القانون ماتبقى من مساحات هائلة كانت الشركات تملك حق التنقيب فيها بموجب اتفاقيات الامتيازات الموثقة بأتفاقيات..!

ولا اعتبر ان فترة حكم صدام حسين ضمن اطار الحكم الذي روعيت به مصالح الشعب العراقي العليا.. سيما وان الشخصية الثانية من قادة البعث كرر القول بان انقلاب شباط سنة 1963 كان امريكي.. وأنا انقل هذه الجملة بأمانة تاريخية وكنا ثلاثة.. علي صالح السعدي نائب رئيس الجمهورية واسماعيل العارف وزير المعارف في فترة الزعيم قاسم وأنا من محلة الحارثية في بغداد.. وخلال حفلة العشاء ردد علي
صالح هذه المقولة عدة مرات..!

ان شعب العراق.. هو الشعب الذي جعل الخليفة الاسلامي يعزل السفاح لسوء معاملته له..

الشعب العراقي.. الذي اجبر الجيش الانكليزي على الرحيل..

هذا الشعب ما اعترض على شيء ولم يرفض واقع الا واستطاع في انتفاضاته وثوراته.. وتلاحم قواه رغم حلكة وسواد الواقع الذي يحاول التخلص منه..

وأنا واثق هو نفس الشعب الذي سيجعل ادارة بوش ان تغير اسلوب احتلالها وادارتها لاموره وقضاياه..

ابسط بسطاء الشعب.. اليوم يتندر بألقول..ان الانتخابات هي انتخابات لاتعكس الواقع الصحيح..
وحتى بياعات الخضرة.. الكرفس والفجل.. الذين يربطون بين غلاء الاسعار وندرة وجود الدولار يتهامسون بينهم ويتندرون.. في تجوالهم الصباحي.. على البيوت البغدادية.. مرددين لرب العائلة الله يسويك نائب في البرلمان الجديد.. بالانتخابات الامريكية الحالية...!

كل شوارع بغداد على امتدادها بل وشوارع العراق تعلم ان كوميديا الانتخابات المتوقعة هي مكتوبة بخط امريكي.. ومدعومة بألدولار وبجيش قوامه ربع مليون جندي مع المرتزقة..

الادارة الامريكية.. وجدت نفسها في عنق زجاجة.. بعد ان شعرت ان احتلال العراق لم يكن نزهة..وان اعوانها وعملائها كذبوا عليها وعلى الواقع.. يوم رفعوا تقاريرهم المقبوضة الثمن.. من بغداد وأهل بغداد يشكلون حلقات رقصات مهللين بألقادمين الجدد.. مخلصيهم من الدكتاتورية..! وهذه التقارير الكاذبة تساقطت على الواقع كما تتساقط اوراق الشجر في الخريف..!

والامريكان يخرجون من حفرة عميقة ليقعوا في حفرة اعمق.. يتقافزون فوق جثث ضحاياهم.. ويسبحون في فضائح الفساد المالي.. والشعب يدفع الثمن..

وكان على مسؤولي الملف العراقي.. وقبل ان يتندر الشارع بألحل الذي سيكون لهذه التمثيلية الانتخابية.. انهم سيأتون بمجلس وطني مكون من:

1- 60 نائبا من الشيعة.

2- 40 نائبا من الكورد.

3- 30 نائبا من السنة.

وتقسم بقية الكراسي على المستقلين العلمانيين والديمقراطيين والشيوعيين من التركمان واليزيديين.. وغيرهم من اقليات وطوائف حتى يصبح المجلس " مشكل يالوز " في حسابات الحصص والنسب على التقسيم الامريكي..؟؟؟

كل من له اهتمام بألانتخابات يعرف هذه الكوميديا.. التي قرأ عنها قبل مئات السنين لموقعها الكاتب اليوناني العالمي دانتي والعراق يعايش مثلها.. مسرحية الكوميديا الانتخابية.. المعروفة النتائج والذي صاغ نصوصها الرئيس بوش..
شخصيا..

وبعد.. وثم ماذا...

ستعلن النتائج.. وتبقى شريحة واسعة خارجة اللعبة والانتخاب.. ويزداد الصراع الطائفي.. وسيكون للموهسين الساسة قليلي التجربة.. المجال في تشريع دستور جديد.. يربط مصير الامة لفترة عقود قادمة.. وكل هذا لايمنع استمرار عدم
الاستقرار... بل سيزداد العنف وتزداد وسائل القمع.. والتسلط.. وتذهب ضحايا وضحايا.. من الابرياء الآمنين.. اطفالا ونساءا برصاص يصدر من عدة جهات.. رصاص وسيارات التفخيخ والخطف من الارهابيين.. وزخات الرصاص وقصف وقطع الماء والكهرباء من قبل مسؤولي الامن بألسلطة المؤقتة المدعومة من التواجد الامريكي..

وستكون كل عائلة عراقية في خطر التقل والذبح.. تماما مثل دجاج المعدان
الذي تناله السكين في الاعراس والفواتح.. في الفرح.. والحزن.. وفي كل الاوقات ويستمر نهر دماء الابرياء جار...!

ليت مانكتب يقرأه اصحاب القرار..

كتبنا اول بأول.. ونادينا بوجوب:

ا- عقد مؤتمر مصالحة وطنية.

ب- الاصرار على مبدأ الانتخابات وعدم التمسك بألمواعيد.. وكأنها نصوص قرآنية.

ج- رفع حالة الطواريء والغائها.. الاحكام العرفية.. وفسح المجال للتعبير الفكري من مظاهرات واحتجاجات سلمية.

د- عدم استعداء طائفة او فئة على اخرى بدعم مادي او معنوي.. وأشتراط التراصف في النشاط السياسي.. من اجل الوحدة والتلاحم.

ه- عدم فرض وجوه سياسية اشتهر عنها.. بأنها امريكية اكثر من الامريكان..!

فاذا خلصت النيات وأعطى العراق مهلة ليبصر مواقعه وموقع قدميه.. عندها.. ينحسر الارهاب وينعم الشعب بألديمقراطية.. التي كانت شعار الامريكان وتضليلها للشعب الذي قبل الاحتلال لانهاء حكم صدام حسين الذي حرمهم منها 35 سنة.

هذا نداء الحريصين على الشعب.. كل الشعب.. دون اي تفرقة..! فهل هناك من يستمع حتى لاتتكرر مهزلة مسرحية دانتي اليوناني.. مرة اخرى.. وعلى شعب فيه الكثير من ذوي العقول والكفاءة.. والطموح السياسي.. يعيش حر وديمقراطية يصل اليها مع المحتل بأسلوب اللاعنف.. وبدون قتل وزخات رصاص.. سياسة الاحتواء وألتفاهم هي هدف اطراف جميع اصحاب المصلحة الحقيقية في بناء عراق ديمقراطي قوي مزدهر.

المستشار القانوني
رئيس محامين بلا حدود
Email:[email protected]