ليس بالأمر السهل أن نمارس أفضل مالدينا في مناخ درجة حرارته تصل إلى الأربعين تحت الصفر. وليس ممكنا أن نطلب من كافة المهاجرين القدامى والجدد أن يتحلّوا بأرفع القيم والصفات الإنسانية. لكن من الممكن أن يكون لدى النخب الثقافية، ذات العدد الأقل في هذا الإغتراب الرمزي والواقعي، قليل من المسؤلية عندما تنحدر الأمور في بنى الجاليات الناطقة بالعربية، لكي تدعو إلى عودة حضارية فيها قليل من أجمل مانحمله، وقليل من مواجهة حقيقية أمام مجتمع جديد، يحمل في بناه الدستورية والقانونية مايحلم به أي إنسان قادم من العوالم المختلفة.

لذا مازال العديد من أبناء الجالية العربية يمارس يوماً بعد يوم طقوسه المتجذرة في مكتسبه الثقافي والتاريخي، بجوانبها الإيجابية والسلبية. وفي هذه الممارسة قد تظهر على السطح نتائجها بكل مكوناتها، مؤلفة يوماً بعد يوم حكاية طقس الغربة في الدولة الكندية، الوطن الجديد. حكاية مازالت في طور التكوين والبناء.

نعم مازالت التجربة في إولى مراحلها التاريخية، حملت من العقد الكثير، أم من الأشياء الجميلة أكثر. وقد تصاغ على كافة المستويات، الإقتصادية والأجتماعية حتى على مستوى السياسة. فقد نقلنا في صدورنا تنهدات الماضي الدفين. وبدأ الزفير المكثف يخرج متباطئاً مرات، ومتسارعاً مرات أخرى. يصيغه شرائح مختلفة، ذات مصالح أكثر من متناقضة مرات. شرائح مكونة من الأفضل والأسوأ في معايير الوعي والفهم والتحليل والعطاء.

إنها تجربة الناطقين بالعربية وغير العربية. تجربة القادم المجهول من ضباب الذكريات القسرية، أو الذكريات الأقسى عندما يكون السبب هرباً من حرب أهلية، أو حرب من نوع أخر، أو هرباً سياسياً أو إقتصادياً، أو حتى ترفاً فكرياً وجغرافياً حباً في التغيير فقط.

كيف يمكن أن تشذّب الأمور لكي تستقيم مع الزمن، ومع بيئة بيضاء ناصعة كالثلوج المتراكمة حول منازلنا في شهر كانون الثاني من كل عام. وكيف يمكن أن نرتقى بإنفسنا، لكي يتعلم الذين لايعرفون معنى الرقي بالقيم والسلوك والأداء.

وهل يمكن لمثل هذه الأحلام أن تكون واقعاً فعلاً، أم ان البيئة الحضارية في سيادة الدستور والقانون وإحترام حقوق الإنسان. يعتبرون فصلاً أخراً من صراع بين بيئة واخرى، أو صراع بين واجهة ثقافية لمكون تاريخي مغامر مع مكون أخر مجرب عندما يكون ثابتاً في مفرداته على صعيد التطبيق بإرقى ماتوصل إليه الإنسان في كرتنا الأرضية.

وقد تمر الأيام بطيئة أو مسرعة، لكنها ستمر حتماً، مغيرة، أو غير قادرة على التأثير في تلك العقول التي لاتعرف من المساحات الجديدة، إلا مناخاً جديداً يجب تغييره للعودة به إلى أصول أخرى، يمكن التساؤل دائماً وأبداً عن صلاحيتها.

إنها التجربة الفريدة في فصولها السوداء والبيضاء على السواء. نحبها أو نكرهها، لكنها تجربتنا الفردية والجماعية. بكل صورها وأشكالها الضعيفة والقوية، الناجحة والفاشله. ذات الأبعاد الثقافية الحضارية بالقول والعمل، أو ذات الشعارات المشابهة لشعارات الأنظمة الديكتاتورية العربية التي أفرغ الزمن منها كل مصداقية على مستوى التطبيق. وعندما تكتمل أجزائها تكون قد تحولت إلى طقوس جديدة، مخالفة جزئياً أو كلياً الطقوس الأتية من بلد الجذور.

لأادري إن كان يتوجب علينا الإنتظار أجيالاً أخرى لنرى صورة طقوسنا الجديدة المتراكمة عبر هذا التفاعل مع الطبيعة والأرض والأنسان، وبيئة دولة متقدمة وطننا الجديد.

وقد نضطر إلى مثل هذا الإنتظار كوننا مازلنا في طور المخاض، الذي أتعب البعض خاصة لهؤلاء الغير قادرين على النظر في المرأة بين فترة وأخرى. لعلهم إذا رغبوا في هذه المحاكاة. يمكن لهم التأمل من خلال ذلك معايير وجودهم الإنساني الإيجابي، أو سقوطهم البدائي الغريزي في أي موقع. كان الموقعثقافياً أو فكرياً أو إعلامياً أو إقتصادياً.

إنها في الحقيقة حياتنا، سئمنا منها أم سئمت من تكويننا، لكنها إستمرارنا بعيداً عن الجذور بفعل التحرر والإكتساب الجيد، أو الحفاظ على كل مانحمله من صيرورة تاريخية في توضع محافظ لايرغب في التساؤل عن أي شئ.

قد تشرق الشمس على من يرغب بالنور البرئ، وقد يفضل البعض الحفاظ على مساءات العتمة في الطبيعة والقلب والعقل. وقد يكون التوجه الذاتي خياراً، لم هو قادر على المواجهة، أو لمن لايرغب حتى في النظر خارج زجاج نوافذه ذات الضباب التاريخي المكثف صيفاً وشتاء.

إنها طقوس جديدة في أية صيغة، لكنها أيضاً لم تكتمل بعد.