صفات كثيرة ايجابية يمتلكها الرئيس المصري محمد حسني مبارك تجلت منذ بداية توليه حكم مصر في تشرين أول (أكتوبر) 1981 عقب حادث المنصة الشهير. لكن ما يعنينا من هذه الصفات هنا شجاعته وقدرته على اتخاذ مواقف جريئة في وقت يعجز فيه الكثيرون حتى عن مجرد التفكير فيها.
وارى أن الظرف التاريخي الذي تمر به مصر هذه الأيام يحتاج اكثر ما يحتاج إلى شجاعة مبارك وجرأته واعني هنا الكلام عن ترشحه لفترة رئاسية خامسة وما رافقه من جدل بين المؤيدين والمعارضين والكلام عن نية البعض الترشح ضد مبارك أو تنظيم مظاهرات سلمية ترفض التمديد على غرار تلك التي نظمت قبل أسابيع في أحد شوارع القاهرة.
وقناعتي أن الرئيس مبارك بما عرف عنه من شجاعة أدبية جدير بأن يعلن موقفا يحسب له على مر التاريخ مثلما سجل له في صفحة بارزة منه قدرته الفائقة على العبور الآمن بمصر من تبعات حادث المنصة رغم قوة تنظيم الجهاد ودقة تخطيطه للاستيلاء على السلطة وقتها، والآن تعيد الأحداث التاريخية فتح أبواب الخلود أمام مبارك من جديد عندما يعلن على الملأ وبنفس الصراحة التي تميز بها طوال سنوات حكمه الأربعة وعشرين اعتذاره عن عدم ترشيح نفسه وتعديل الدستور المصري بما يسمح بوجود انتخابات رئاسية تعددية تستحقها "أم الدنيا" حتى تستعيد بها قدرا من البريق الذي فقدته خلال السنوات الماضية بسبب جملة من الأحداث الإقليمية والدولية لم تحسن التعامل معها.
الدعوة ليست جديدة وإنما سبق أن دعا إليها أستاذ الأجيال الصحافية في مصر محمد حسنين هيكل في محاضرة له بالجامعة الاميركية قبل عامين على ما اذكر ووقتها قيل الكثير عن أزمة سببتها هذه المحاضرة وما دار فيها والتي يرجع البعض إليها إقدام الأستاذ هيكل على اعتزال الكتابة الصحافية، ورغم أنني شخصيا أثق عن استقراء موضوعي لحكم الرئيس مبارك انه لا يضيق بنقد بناء إلا أن موقفا معلنا منه بالاعتذار عن عدم الاستمرار في منصبه وتعديل الدستور للسماح بالتعددية في هذا الظرف التاريخي سيحسب له وينفي بشكل عملي كل الشائعات التي تقال سواء عن رغبته في التمديد أو في توريث الحكم لنجله جمال فضلا أن من شأن قرار كهذا أن يضيف إلى رصيد مبارك المليء بالإنجازات إنجاز جديد سيظل التاريخ يذكره له مثلما حفظ لعبد الناصر قيادته لثورة تموز (يوليو) التي أنهت 71 عاما من الاستعمار البريطاني لمصر أعطت المصريين الفرصة لحكم بلادهم بعد أن كان ذلك حكرا على الأجانب من أتراك وألبان وغيرهم لقرون عديدة. ومثلما سجل التاريخ أيضا للسادات مبادرته للسلام مع إسرائيل بصرف النظر عن تفاصيلها التي لا تزال محل جدل.
سيادة الرئيس محمد حسني مبارك.. هناك حكمة تاريخية أثق انك تعرفها بحكم سعة إطلاعك تقول أن "القرارات العظيمة تحتاج إلى رجال عظماء يقدمون على اتخاذها" وأنا لا اشك لحظة واحدة في قدرتك على اتخاذ القرار الصعب مثلما لا اشك في انك بفطنتك السياسية الفذة لن تترك الفرصة التاريخية تفوت من أمامك دون أن تستغلها لسجل نصرا خالدا تنهي به عهدك الذي بدأته بنصر خالد آخر كان إخفاقك في تحقيقه لو حدث كفيل بتحويل مجرى التاريخ إلى وجهة أخرى لا يعلم عواقبها الوخيمة إلا الله، كما اعرف تماما يا سيادة الرئيس أن هناك بعض المستفيدين وعبدة الكراسي يحاولون تصوير ابتعادك على انه سيكون فوضى شاملة تعم مصر وتسمح للمتربصين بالقفز على الحكم ضاربين بالشرعية والديمقراطية عرض الحائط، ورغم أن هؤلاء موجودون بالفعل في أي دولة وأي زمان إلا أن ثقتي في أبناء شعبك الذين غيرت فيهم الكثير طوال مدة حكمك وفي وعيهم بمصالحهم ومكتسباتهم اكبر من أي مخاوف من حدوث انتكاسة ديمقراطية لا سمح الله. أن من عرفوا طعم الحرية في عهدك لن يسمحوا بكل تأكيد لأحد كائنا من كان أن يصادر حريتهم هذه ولا اشك لحظة أن الشعب المصري سيحافظ على الخطوة الديمقراطية المأمولة بكل ما لديه من عزم ويضحي من اجلها بأي شيء مهما بدا غاليا للبعض.
سيادة الرئيس.. الجميع في انتظار قرارك التاريخي الذي سيعيد مصر إلى مكانها الصحيح حاملة لمشعل الديمقراطية والحرية والانفتاح السياسي في المنطقة بعد أن طمست الظروف الكثير من ملامح هذا الدور طوال سنوات. واعرف يقينا انك لن تبخل على مصر التي أعطتك كل الحب والوفاء طوال أربعة وعشرين عاما من حكمك وأعطيتها في المقابل الكثير من صحتك ووقتك وفكرك بفرصة تاريخية قد لا تلوح ثانية لسنوات طويلة قادمة.

بهاء حمزة