في حديثه أمام جمعية الشؤون الدولية في عمان قال المدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ستالوف قال بوضوح ناقص أمام السياسيين الأردنيين وبحضور عدد من الدبلوماسيين في مقدمتهم السفير البريطاني ان القضية الفلسطينية تحتل المرتبة الرابعة في سلم اولويات الولايات المتحدة، وبعيدا عن التفسير للاولويات الثلاث الأولى فان الدرجة الرابعة تبقى منطقية إذا ما قورنت بحجم اهتمامات الولايات المتحدة في الشؤون الدولية ونظرتها لنفسها كقائد مطلق لعالم غائب تماما عن أجندتها الخاصة إلا بحسب درجة المصلحة الذاتية لراعي البقر الأمريكي الذي يمارس نفس الدور في السياسة الدولية حاليا، ولست اعتقد أن هناك من لا يدري جيدا كيف يمكن لراعي بقر أن يتعامل مع قطيع البقر خاصته إلا على قاعدة أي الأبقار تدر حليبا أكثر ومطيعة للحالب أكثر.

الاولويات الثلاث:
الأولوية الأولى هي العراق أولا والتي لا يعرف احد متى وكيف سترى الولايات المتحدة العراق كما ترغب أن تراه وأي الأسس التي تعتمد عليها الإدارة الأمريكية للانتهاء من المعركة في العراق والخروج إلى العالم بقرار ترك العراق لأهله إن كان لدى الإدارة الأمريكية سعي حقيقي لترك أهل متماسكين للعراق بدل السعي المتواصل لزرع بذور الفتن على ارض العراق وبين أهله وتشجيع النزعات الانفصالية والتدميرية والطائفية والعشائرية والقومية والاثنية وغيرها وغيرها، وبذا فان الأولوية الأولى ليس لها نهاية منظورة على المدى القريب وبذا فان الأولوية الأولى وحدها هي الأولوية التي تقول للقضية الفلسطينية تنحي إلى ما لانهاية فنحن نسعى إلى خلق عشرات القضايا المشابهة في المنطقة من خلال خلق كيانات هزيلة مرتبطة جذريا بالمصالح الأمريكية في المنطقة إلى جانب إطلاق يد إسرائيل في العراق لتفعل ما تشاء بما يؤخر نهائيا أو يلغي أية حلول سياسية منظورة للقضية العراقية، وبعيدا عن الثقة بالانتصار الحتمي للمقاومة القويمة على الأرض العراقية تبدو النوايا الأمريكية بعيدة كليا عن البحث عن حلول تقدم القضية الفلسطينية درجة إلى الأمام بل على العكس تنأى بها عن أية حلول منظوره على المدى القريب.

الأولوية الثانية برأي السيد ستالوف هي مقاومة الإرهاب وهي اختزال كبير لمهمة ليس لها حدود وتملك الإدارة الأمريكية القدرة على استخدام هذا العنوان بكل المقاييس وحسب رغبتها، فهي عصا موجهة لكل من حاول طوال العقود الماضية أن ينأى ببلده عن الخنوع لإدارة راعي البقر الأمريكي، نفس هذا الشعار الذي استخدم ضد العراق ولا زال والذي حول العراق إلى أولوية أمريكية استخدم أيضا ضد السودان وإيران وسوريا ولبنان وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية والعديد من دول العالم وهي عصا مطلقة اليد ضد كل من يقول لا للخنوع وتنفيذ السياسة الأمريكية وفتح البلد وخيراته وثرواته ومعلوماته أمام المصالح الأمريكية بشكل مطلق، ومعنى ذلك أن الأولوية الثانية هي الأولى عمليا فهي نفس الشعار الذي تبرر أمريكا وجودها في العراق من اجله فهي ستستخدمه عند كل سعي لإطلاق هجومها على أي بلد آخر كما فعلت مع ليبيا حتى رضخت وكما لا زالت تفعل مع الآخرين.

الأولوية الثالثة هي الإصلاح وهي الوجه الآخر لمكافحة الإرهاب والذي يمعن النظر في الاولويات الثلاث يرى بها أولوية واحدة حية وان القضية الفلسطينية والتي يقترب عمرها من القرن كاملا على اعتبار أنها بدأت على يد بلفور في وعده الشهير باسم الانتداب البريطاني على فلسطين وهذا يعني أن ذلك اتخذ باسم وفي ظل تفويض دولي لبريطانيا لإدارة شؤون فلسطين آنذاك وهذا يجعل من القضية الفلسطينية المسألة الرئيسية الأولى التي يتحمل مسئوليتها المجتمع الدولي برمته وان انتظار أمريكا لتفرغ من مهام متداخلة للإصلاح ومقاومة الإرهاب والفراغ من العراق يؤكد أن حقيقة الأمر هو الإبقاء على القضية الفلسطينية خارج اولويات السياسة الدولية وحشد كل الجهود في سبيل الاولويات الأخرى والتي تأتي كغلاف لدعوة مستترة حتى الآن بعض الشيء لاعتبار المقاومة الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي جزء من الإرهاب الدولي والذي يتابع المواقف الأمريكية من العنف اللا محدود الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والتأييد الغير متناهي من قبل الإدارة الأمريكية للعنف الإسرائيلي والإدانة المتواصلة للمقاومة الفلسطينية المشروعة ومحاولة لصق تهمة الإرهاب بها يتبين بكل الوضوح أية أولوية تحتلها القضية الفلسطيني سوى أولوية لصق تهمة الإرهاب بها.

وفي حديثه عن أولوية الإصلاح قال ستالوف " إن معنى الإصلاح يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الدول" وهذا يعني أن الإصلاح الذي تسعى له الإدارة الأمريكية مرهون بموقف البلد المعني أو الشخوص المعنيين فمن يؤيد وينفذ السياسة الأمريكية ويقدم الخدمات التي تطلبها منه إدارة أمريكا فهو إذن خارج الإصلاح ومن يقف حتى محايدا فان شعار الإصلاح سيطال رأسه أو ينحني.

ستالوف كان واضحا في مخاطبة الحضور بقوله" إن قطار التوجه الأمريكي غادر المحطة ويمكن لدول المنطقة أن تركبه أو تتركه، ومن اختاروا عدم مغادرة المحطة وتقولبوا بقوالب قديمة سيواجهون بالضرورة معارضة في واشنطن قد تكون على قمة اولويات الإدارة أو في موقع آخر حسب الموقف" وتبدو لغة التهديد واضحة من لغة المدير التنفيذي لمعهد واشنطن الذي كرس جل محاضرته لامتداح السياسة الأمريكية لإدارة الرئيس بوش.

ما تقدم يبين بوضوح أن القضية الفلسطينية من جانبها كقضية شعب هي خارج الاولويات الأمريكية وهي في نفس الوقت كقضية عنف وإرهاب شعب تحت الاحتلال ضد جيوش المحتلين قضية أولى فعلى الفلسطينيين أن يتوقفوا عن المقاومة المشروعة ويعتذروا لقاتلي أطفالهم بانتظار أن تفرغ الولايات المتحدة من اولوياتها وتجد الوقت للاهتمام بقضيتهم الإنسانية بعد أن تكون إسرائيل وجيشها قد مهدوا السبل لما يريدون من أمريكا مباركته.