لم يبق على الانتخابات سوى ساعات والعراقيون الذين رأوا كل أنواع العذابات عبر الأربعة عقود الماضية يصرون اليوم على الخلاص من عذاباتهم، ويصرون رغم الموت المنتشر بالشوارع على ممارسة حقهم الإنساني باختيار حكومتهم، رغم إرادة الظلاميين وفلول البعثيين اللذين يجهدون أنفسهم ويلغون من أرذل مستنقعات الجريمة، ربما يستغرب البشر في شتى بقاع الأرض لأنهم لم يسمعوا عن حركات معادية للديمقراطية والانتخابات، وهم لم يروا بتأريخ البشرية مطلقا حركة من الحركات أو مجموعة من الناس تقف ضد اختيار الشعب لحكومته، فالمتعارف عليه على مدى العصور التي عاشها البشر، هو أن الشعوب أو الأحزاب المعارضة والمقاومة للظلم تطالب دوما بالديمقراطية وتريد الانتخابات، إلا هؤلاء الذين لازال البعض يسمونهم مقاومة، ولازال البعض يعتقدون أن نواياهم حسنة وبأنهم يقفون ضد الاحتلال ويصطفون مع الفلسطينيين في محنتهم تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، وأنى لهم ذلك الشرف وذلك الموقف المشرف وهم من مجرمي صدام ومريضي بن لادن والزرقاوي الذين باتت جرائمهم لا تخفى على أحد.
العراقيون وحدهم عارفون من هم هؤلاء ومن الذي يدعمهم، العراقيون وحدهم الذين رأوا ظلم ورعب عصابة بعث صدام، لم يندهشوا مما يحصل، إذ هو امتداد لرغبات العصابة المريضة ذاتها التي دمرت بلادهم، دمرت ماضيهم وحاضرهم، لكنهم سوف لن يتركوها تدمر مستقبل أبناءهم بعد ألان.
آسفة يا أصدقائي وأحبائي الفلسطينيين إذ أقول لكم لا تقرنوا الفلوجة بجنين وتضعونهما في مكيال واحد، آسفة أن أقول لكم، بأنكم هنا أيضا انتم من الضحايا، فكما كنتم دائما الورقة التي لعب بها أصحاب النوايا الدنيئة للوصول سريعا إلى أهدافهم، وكما استغل الديكتاتوريون العرب ورقة فلسطين للسيطرة على شعوبهم، وكما استغلها الكثير من راكبي حصان السياسة كذبا للوصول إلى أخس الغايات وأحقرها، هاهم اليوم يستغلون اسمكم وعواطفكم كما استغلوا اسم الدين ليعيثوا بالعراق فسادا وليعيدوا لنا مرة أخرى شبح البعث المرعب الذي دمر العراق بأكثر ما دمر تسونامي بلدان آسيا الشرقية، هاهم يخدعونكم ليجعلوا الفلوجة توأما لجنين،، الفلوجة التي بدأت تتكشف بها حقائق، هذه المدينة العراقية المبتلية، التي اختطفها بعض الإرهابيين وتجار الدم من ظلاميين و بعثيين مجرمين تدنست أيديهم بدماء العراق ومقابره الجماعية، أو سراق لقوت شعب العراق ومدمرين لحضارته، لقد كان أهل الفلوجة ضحايا هؤلاء، دروعا بشرية استخدمها المجرمين كذبا، وتسببوا بدمارها ومقتل الكثير من أهاليها، وهاهي أصوات كثيرة من أهالي الفلوجة الشرفاء تعلن رغبتها بالمساهمة بالانتخابات وخوفها من تهديد الإرهابيين لهم، هاهم الإرهابيون العرب نراهم كل يوم على شاشة قناة الفيحاء العراقية يكشفون لنا خداع كبار الجريمة والمغررين بهم، هاهم عندما يواجهون بأنهم تقاعسوا عن فلسطين يصمتون أو يعتبرونها قضية قديمة لا تستحق منهم التضحية، فأي مقاومين هؤلاء؟
عجبا من أمرهم وهم يرون أن ارض العراق مقدسة وبقية الأراضي المحتلة ليست مقدسة!
هاهو العالم جميعا يقدم المساعدات إلى المنكوبين من زلزال تسونامي، فأمريكا وأوروبا وبلدان الإسلام جميعا تقدم مساعدات إنسانية للمنكوبين هناك، لا أحد يستطيع أن يستنكر ذاك فهو عمل إنساني، فلماذا يستكثر البعض مساعدة الشعب العراقي الذي سلط عليه صدام عشرات المرات تسونامي؟ ولو أحصينا قتلانا ودمارنا وقتلى ودمار تسونامي لكانت كفة العراق هي الأكثر رعبا والأكثر فزعا وهولا.
بعد ساعات من الآن سيكون العراق أول بلد عربي يتذوق طعم الديمقراطية، ويكون الإنسان العراقي لديه خيارات كثيرة، ليس مضطرا أن يقول نعم أو لا فقط لديكتاتور جاء بالقوة والعنف وبجحافل العسكر، أو ملك أنجبته أمه متوجا وعاليا علينا بالوراثة، فوجب تقديسه غصبا، إنما له أن يختار ويتفكر ويطرح ثقته بمن يريد، ساعات بعد ألان ونشعر أننا من سكان هذا الزمن الحديث الذي يبني مبادئ حقوق الإنسان سريعا نحو الرفاه والحرية وبالتالي نحو سعادة شعب العراق وسيادته.
بعد ساعات من ألان، ستكون شوكة البعثيين قد كسرت ويكون شعب العراق قد غرس بدل الأشواك ورود الأمل والمستقبل الآتي، ساعات بعد ألان وينفجر الظلاميين بغيضهم وليعلموا أن إرادة الشعوب لا تقهر مهما كانت أسلحتهم فتاكة، ومهما كانت أموال العراق التي سرقوها وأختام الجنسيات العراقية التي صادرها حرامية البعث والتي منحوها للإرهابيين من كل حدب وصوب، ومهما استغلوا من أسماء وأضاليل مكشوفة، ومهما استخدموا من شباب ومراهقين بسطاء مغرر بهم، من كل محروم بائس أو عاق ترك وراءه أما باكية، فالعراق آت وشعب العراق سيقرر حتما وسيختار رغم انف المجرمين ولنا ببيت شعر أبى القاسم الشابي عبرة حين يقول:

إذا الشعب يوما أراد الحياة ××× فلابد أن يستجيب القدر

27-1-2005